البث المباشر

تفسير موجز للآيات 14 الى 16 من سورة لقمان

الأحد 12 إبريل 2020 - 19:15 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 746

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وأفضل الصلاة وأتم التسليم على محمد واله الطيبين الطاهرين مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة لكم وأهلا بكم في هذه الحلقة من نهج الحياة اذ نتوقف عند الايات 14 الى 16 من سورة لقمان المباركة لنستوحي منها ما يرشدنا الى طريق الخيروالفلاح .فاهلا بكم .

بداية ننصت خاشعين إلى تلاوة الاية 14 من سورة لقمان المباركة:

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴿١٤﴾

لتكميل البحوث السابقة حول التوحيد والشرك، وأهميّة وعظمة القرآن، والحكمة التي استعملت واتّبعت في هذا الكتاب السماوي، فقد ورد الكلام في هذه الآية التي نبحثها والآيات التالية عن لسان لقمان الحكيم، وعن جانب من مواعظه المهمّة في باب التوحيد ومحاربة الشرك، وقد انعكست فيها المسائل الأخلاقيّة المهمّة.

هذه الاية و التي تليها تمثلان جملا معترضة ذكرهما الله تعالى في طيّات مواعظ لقمان، لكنّ هذا الإعتراض لا يعني عدم الإتّصال والإرتباط، بل يعني الصلة الواضحة لكلام الله عزّوجلّ بكلام لقمان، لأنّ في هايتن الآيتين بحثاً عن نعمة وجود الوالدين ومشاقّهما وخدماتهما وحقوقهما، اذ جعل شكر الوالدين في درجة شكر الله.

فتقول الاية أوّلا: (ووصّينا الإنسان بوالديه) وعندئذ تشير إلى جهود ومتاعب الاُمّ العظيمة، فتقول: (حملته اُمّه وهناً على وهن).

هذه المسألة قد ثبتت من الناحية العلمية، إذ أوضحت التجارب أنّ الاُمّهات في فترة الحمل يصبن بالضعف والوهن، لأنّهنّ يصرفن وجودهنّ في تغذية وتنمية الجنين، ويقدّمن له من أفاضل المواد الحياتية التي يحملنها في أجسامهن، ولذلك فإنّ الاُمّهات أثناء فترة الحمل يبتلين بنقص أنواع الفيتامينات وفي حالة عدم تعويض هذا النقص فسيؤدّي إلى آلام ومتاعب كثيرة.

وهذا الأمر يستمر حتّى في فترة الرضاعة، لأنّ اللبن عصارة وجود الاُمّ، ولهذا تضيف سنتين بعد ذلك و هي فترة الرضاعة يقول الله (وفصاله في عامين) كما اُشير إلى ذلك في موضع آخر من القرآن: (والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين)، والمراد فترة الرضاعة الكاملة، وإن كانت تتمّ أحياناً بفترة أقلّ.

وعلى كلّ حال، فإنّ الاُمّ في هذه الـ (33) شهراً - فترة الحمل، وفترة الرضاع - تبدي وتقدّم أعظم تضحية لولدها، سواء كان من الجانب الروحي والعاطفي، أو الجسمي، أو من جهة الخدمات والرعاية.والملفت للنظرهنا أنّها توصي في البداية بالوالدين معاً، إلاّ أنّها عند بيان المشاقّ والمتاعب تؤكّد متاعب الاُمّ، لتنبّه الإنسان إلى إيثارها وتضحياتها وحقّها العظيم.

ثمّ يقول الله عزوجل : (أن اشكر لي ولوالديك) فاشكرني لأنّي خالقك والمنعم عليك، واشكر والديك لأنّهما واسطة هذا الفيض وقد تحمّلا مسؤولية إيصال نعمي إليك.

ما نستوحيه من هذه الاية :

  • احترام الوالدين حق إنساني وليس دينيا إسلاميا فقط ، بل ينبغي الإحسان إلى الأبوين حتى وإن كانا كافرين.
  • من يتحمل المشاق أكثر لابد من تقديره بشكل أخص ، وذكر اسمه بشكل مستقل كما ذكرالله الأم بعد ذكر الوالدين في الاية
  • إن حق الله مقدم على حق الوالدين في جميع الأحوال والظروف و أن الإحسان والبر بالوالدين يجب أن لا يكونا عاملا وراء غفلة الإنسان عن حق الله تعالى .

 

والان دعونا ننصت الى تلاوة الاية 15 من سورة لقمان ..

وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿١٥﴾

إنّ الوصيّة بالإحسان إلى الأبوين قد توجد الوهم عند البعض وذلك حينما يظنّ أنّه يجب مداراتهما واتّباعهما حتّى في مسألة العقيدة والكفر والإيمان، لكنّ الآية التالية تقول: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) فيجب أن لا تكون علاقة الإنسان باُمّه وأبيه مقدّمة على علاقته بالله مطلقاً، وأن لا تكون عواطف القرابة حاكمة على عقيدته الدينيّة أبداً.

عبارة (جاهداك) إشارة إلى أنّ الأبوين قد يظنّان أحياناً أنّهما يريدان سعادة الولد، ويسعيان إلى جرّه إلى عقيدتهما المنحرفة والإيمان بها، وهذا يلاحظ لدى كلّ الآباء والاُمّهات.

إنّ واجب الأولاد أن لا يستسلموا أبداً أمام هذه الضغوط، ويجب أن يحافظوا على إستقلالهم الفكري، ولا يساوموا على عقيدة التوحيد، أو يبدّلوها بأيّ شيء.

ثمّ إنّ جملة (ما ليس لك به علم) تشير ضمناً إلى أنّنا لو نتجاهل أدلّة بطلان الشرك، ولم نقم لها وزناً، فإنّه لا يوجد دليل على إثباته، ولا يستطيع أيّ متعنّت إثبات الشرك بالدليل.

ولمّا كان من المحتمل أن يوجد هذا الرفض للوالدين في قبول الشرك بالله توهّم وجوب إستخدام الخشونة مع الوالدين المشركين وعدم إحترامهما، لذلك أضافت الآية أنّ عدم طاعتهما في مسألة الشرك ليس دليلا على وجوب قطع العلاقة معهما، بل تأمره الآية بمصاحبتهما بالمعروف (وصاحبهما في الدنيا معروفاً).وهذه بالضبط نقطة الإعتدال الأصليّة التي تجمع فيها حقوق الله والوالدين، ولذا يضيف بعد ذلك (واتّبع سبيل من أناب إليّ) لأنّ المصير إليه سبحانه (ثمّ إليّ مرجعكم فاُنبّئكم بما كنتم تعملون).

نتعلم من الاية المباركة دروسا منها :

  • لا تجوز طاعة الوالدين في معصية الله و لكن لابد من صحبتهما بالمعروف حتى وإن كانا مشركين .
  • إن الطقوس والعادات التقليدية التي تلتزم بها الشعوب ومختلف الأقوام ستكون ذات قيمة حقيقية فيما لو لم تتعارض مع العقل و الحدود الشرعية وإلا كانت تلك العادات جاهلية تتبع اتباعا عمياء.
  • تجوز معاملة غير المسلمين بالحسنى شرط عدم التبعية لهم .

 

و الان نستمع معا إلى تلاوة الأية 16 من سورة لقمان:

يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّـهُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴿١٦﴾

الخردل": نبات له حبّات سوداء صغيرة جدّاً يضرب المثل بصغرها، وهذا التعبير إشارة إلى أنّ أعمال الخير والشرّ مهما كانت صغيرة لا قيمة لها، ومهما كانت خفيّة كخردلة في بطن صخرة في أعماق الأرض، أو في زاوية من السماء، فإنّ الله اللطيف الخبير المطّلع على كلّ الموجودات، صغيرها وكبيرها في جميع أنحاء العالم، سيحضرها للحساب والعقاب والثواب، ولا يضيّع شيء في هذا الحساب.

عادة فإن الإنسان عند محاسبة نفسه و ما قدمه من أعمال يهتم فقط بالأعمال الضخمة التي قام بها وهو يغفل عن الأعمال الصغيرة هذا في حين فإن الإصرار على هذه الأعمال الصغيرة تمهد لقيام الإنسان بالأعمال الكبيرة و لذا فقد روي عن الإمام الباقر (ع): "اتّقوا المحقّرات من الذنوب، فإنّ لها طالباً، يقول أحدكم: أُذنب وأستغفر، إنّ الله عزّوجلّ يقول: (سنكتب ما قدّموا وآثارهم وكلّ شيء أحصيناه في إمام مبين).

يعود خطاب هذه الاية مرة أخرى إلى مواعظ لقمان لابنه حيث تشير الاية وعن لسان لقمان إلى الدقة البالغة التي يستعملها الله في محاسبة أعمال العباد. يقول لقمان لابنه : لا فرق بين العمل صغيرا كان أو كبيرا فهو لا يخفى على الله لأنه يعلم السر وأخفى و سيحاسب الإنسان في محكمة العدل الالهية فيثيب المحسن ويعذب الظالم .ترشدنا الاية الى تعاليم منها :

  • تعليم الأبناء الاعتقاد بسعة العلم والقدرة الالهية دليل على الحكمة وواجب من واجبات الوالدين .
  • إيمان الإنسان بأن عمله سوف يحضر في يوم القيامة باعث له على الإصلاح .
  • أعمال الإنسان لا تفنى في هذا العالم مهما كان صغيرا .
  • إن الحساب الالهي في منتهى الدقة لانه تعالى لطيف خبير .

 

ايها الاكارم وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة على أمل ان يبنى حياتنا على نهج القران الكريم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة