البث المباشر

تفسير موجز للآيات 198 الى 209 من سورة الشعراء

الأحد 5 إبريل 2020 - 17:01 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 674

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم لك الحمد حمد الشاكرين على ما أنعمت، والصلاة والسلام على خير الأنام محمد وآله الأبرار.

إخوة الإيمان، أهلاً بكم في هذا اللقاء وحلقة جديدة من برنامج (نهج الحياة) وتفسير آيات أخرى من سورة الشعراء نستهله بالآيتين المائة وثماني وتسعين والمائة وتسع وتسعين:

وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ﴿١٩٨﴾

فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴿١٩٩﴾

 

أكدت الآيات التي تناولناها في الحلقة السابقة من البرنامج نزول القرآن بالعربية الفصحى حيث قالت عن القرآن (نزل به الروح الأمين * على قلبك) (لتكون من المنذرين) (بلسان عربي مبين).

وما تشير إليه آيتا حلقة اليوم، هو أحد مظاهر العصبية القبلية والقومية التي كانت سائدة في جزيرة العرب إبان البعثة النبوية الشريفة.. وتؤكدان أن الله سبحانه لو أنزل هذا القرآن على رجل أعجمي لا يحسن العربية وعلى من لا يفصح فقرأه على قريش ما كانوا به مؤمنين عناداً أو أنفة.

تفهمنا هاتان الآيتان:

  •  يستدعي التبليغ والتربية الأخذ بنظر الإعتبار مشاعر المخاطب ولغته.
  •  العصبية القومية عائق يحول دون الإذعان للحق والحقيقة ما يحتم علينا تجنب ذلك لوجوب قبول الحق.

نستمع الآن للآيات من المائتين الى المائتين وثلاثة من سورة الشعراء المباركة:

كَذَٰلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴿٢٠٠﴾

لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴿٢٠١﴾

فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿٢٠٢﴾

فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ ﴿٢٠٣﴾

 

القرآن لا يخاطب المؤمنين فحسب... فالكافرون والمشركون هم أيضاً مدعوون للإستماع الى القول الحق إتماماً للحجة عليهم، ولكي لا يجدوا ما يبرر عزوفهم عن الإيمان الى ذلك جاء توكيده سبحانه نزول القرآن عربياً مبيناً ليفهمه الناس كلهم ويؤمنوا، لكن نزعه التكبر هي التي حالت دون إيمان البعض بما أنزل الله كما يشير لذلك قوله تعالى: كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ أي نفذ إليها ببلاغته لكن المجرمين رغم ذلك لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ الذي وعدهم به النبي صلى الله عليه وآله ويرونه بأعينهم.

بيدأن الحقيقة، هي أن نزول العذاب لا يبقى أحد فرصة الإيمان فإنه أي العذاب الذي يستعجلونه ينزل بغتة دون سابق إنذار.

نستفيد من هذه الآيات حقائق عدة منها:

  •  الإيمان لا يتحقق في القلوب ما لم تكن مهيأة ومؤهلة لذلك.
  •  التمادي في ارتكاب المعاصي والجرائم، يذهب بما يؤهل ويهدي الى الصراط المستقيم.
  •  ضرورة عدم الإغترار بالإمهال الإلهي فالموت والعذاب لا يأتيان إلا بغتة.
  •  إذا حضر المجرمين الموت، فإنهم يستمهلون ربهم أن يؤخر ذلك... متجاهلين قوله تعالى (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).

والآن نبقى مع الآيات من المائتين وأربعة الى المائتين وسبعة من سورة الشعراء المباركة:

أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴿٢٠٤﴾

أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ﴿٢٠٥﴾

ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ ﴿٢٠٦﴾

مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴿٢٠٧﴾

 

لاحظنا أن هؤلاء المجرمين وهم مشركو مكة وسواهم بشكل عام لا يؤمنون بالحق حتى يشاهدوا العذاب الأليم عند الموت، أو كما يرى بعضهم ما أصاب مشركي قريش يوم بدر، فيلجئهم الى الإيمان الإضطراري.. فيأتيهم الموت فجأة متجاهلين قوله تعالى (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) .. فيقولوا ندماً بعد أن استعجلوا العذاب تكذيباً له (هل نحن منظرون) أي لنؤمن بما أنزل الله.. فقال الله سبحانه وتعالى توبيخاً للقوم (أفبعذابنا تستعجلون) فإنهم لو كانوا قد علموا ذلك مسبقاً لاستعدوا له وآمنوا بكتاب الله وبرسالته باختيار منهم غير مضطرين إليه ثم يقول جل وعلا: أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴿٢٠٤﴾أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ﴿٢٠٥﴾ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ ﴿٢٠٦﴾مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴿٢٠٧﴾

 

أي أرأيت يا محمد إن أنظرناهم وأخرناهم سنين ومتعناهم بشيء من الدنيا ثم أتاهم العذاب لم يغن عنهم ما متعوا في تلك السنين من النعيم من الإمكانات المادية والدنيوية كالمال لتماديهم في الآثام.

ومن الدروس التي نستفيدها من هذه الآيات:

  •  من كذب وعد الله اليوم، يندم ويستمهله في ذلك غداً، تأميناً لحياته.
  •  لا راد لغضب الله وسخطه، حتى لو اجتمعت كل الإمكانات من ثراء وشهرة واقتدار.
  •  ليس الرخاء الدنيوي ما يدل على الألطاف والعناية الإلهية، ولا على ديمومة هذه النعم حتى في الدنيا.

نستمع الآن للآيتين المائتين والثمانية والمائتين والتسعة من سورة الشعراء المباركة:

وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ ﴿٢٠٨﴾

ذِكْرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿٢٠٩﴾

 

تعقيباً لما مر، تشير الآيتان لقانون عام هو أن السنة الإلهية تقضي ببعث الأنبياء والرسل منذرين إتماماً للحجة، إذ ما أهلك الله من قرية إلا بعد إقامة الحجة على أهلها عبر الإنذار وإرسال الرسل سبقاً تذكيراً وموعظة لهم ليتعظوا ويصلحوا ويفيقوا ويعودوا الى رشدهم وإلا أهلكهم الله لا ظلماً بل جزاء بما عملوا وبإصرارهم مع الكفر والعناد والطغيان عن علم ومعرفة ودراية... وهذا هو عين العدل والإنصاف الإلهي، قوله تعالى في سورة يوسف (عليه السلام) الآية أربع وأربعين (إن الله لا يظلم شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون).

أفادتنا الآيتان:

  •  يبعث الله للناس جميعاً، رسلاً منذرين لهم.
  •  العقاب غير المسبوق بالإنذار والتحذير ظلم، وإن الله لا يظلم من عباده أحداً.

 

إنتهت هذه الحلقة على أمل اللقاء بكم مستمعينا الأعزاء في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة