البث المباشر

العوق

الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 - 09:12 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 85

خبراء البرنامج: فضيلة الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية والأستاذة زينب عيسى المستشارة في علم النفس من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في حلقة اليوم أعزائي سنتناول احدى الحالات العصيبة التي ترافق بعض الأطفال خلال سني حياتهم فتسبب لهم آلاماً نفسية شديدة تنعكس سلباً بكل تأكيد على سلوكياتهم وتصرفاتهم تجاه أفراد العائلة وكذلك تجاه المجتمع، هذه الحالة هي العوق والعوق إما أن يكون كما يسميه الطب ولادياً او مرضياً ينشأ خلال سني الطفل الأولى كالكساح مثلاً او يتولد نتيجة حادث معين يؤدي الى عوق الطفل ولهذا اعزائي في حلقة اليوم سنستضيف كالمعتاد ضيفين من ضيوف البرنامج الأفاضل لأجل تسليط الضوء أكثر على هذه الحالة للتعرف على مايتوجب على المجتمع أن يتخذه او يمارسه بحق الطفل المعوق والضيفان هما فضيلة الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية والدكتورة زينب عيسى المستشارة في علم النفس من لبنان فكونوا معنا.
أعزائي الكرام سارة هي الأخت الأخرى لمريم وفاطمة منذ نعومة أظفارها كانت تعاني من مشاكل عديدة سواء في البيت او خارجه بعض الأحيان. كانت حياتها تختلف تماماً عن اختيها وباقي بنات الحي والسبب يعود أعزائي المستمعين الى أن سارة في الحقيقة فتاة معوقة، تعم فقد ولدت بساقين مشوهتين لاتساعد أبداً على المشي او التحرك حتى بين مكان وآخر داخل البيت ولكن هل كان العوق مشكلتها الوحيدة؟ فقد كانت تعيش مع زوجة أبيها. كبرت سارة وأصبحت ذات الثامنة عشرة ربيعاً وصارت تشتاق أن تشارك غيرها ممن هن في عمرها التجوال او التنقل او السفر او الخروج او كل ما يتعلق بالحركة نظراً الى أنها منذ كانت طفلة صغيرة كانت تعاني الحرمان والعجز من ذلك. كانت زوجة الأب تخرج تاركة البيت أوقاتاً كثيرة وأحياناً تقيم بعض الدعوات او الحفلات البسيطة في البيت حيث تجتمع النسوة لمناسبة ما او دون مناسبة وكل واحدة منهن كانت تصطحب ابنتها او بناتها للتفاخر بجمالها وللتفاخر بمواهبها او ماشابه. هذا الأمر وبسبب تكراره دائماً كان يغيظ سارة ويزعجها دون شك. كانت ترى وهي المقعدة المعوقة على الكرسي المخصص لها الفتيات الجميلات اللاتي بعمرها تقريباً وكيف يضعن الزينة ويرتدين أجمل الملابس ويضحكن ضحكات طويلة بينهن لقضاء أجمل الأوقات بينما تعود سارة وتنظر الى نفسها فتجدها عاجزة عن المشاركة وعاجزة عن جعل الأضواء تتجه ولو لبرهنة معينة نحوها، كأن تخلو احدى البنات لأن تسأل عن حالها او تقدم شيئاً ما من الأشياء التي أعدتها زوجة الأب للضيوف او تقترب احدى السيدات منها لتسلم عليها. بالمقابل كانت زوجة أبيها ايضاً تلبي دعوات الأخريات لها فتخرج بصحبة مريم وفاطمة فقط تاركين سارة في البيت دون الأخذ بنظر الاعتبار مايمكن أن يشكله هذا التصرف من ضغط نفسي شديد ربما يتولد عنه جريمة بحق سارة نفسها إن جاز بذلك القدر.
في احدى المرات خرج الجميع بإستثناء سارة فصاحت سارة بأعلى صوتها: أمي ياأمي ألا يمكن أن أخرج معكن ولو لمرة واحدة؟ فقط سئمت الجلوس هنا، سنين طويلة وأنا لاأدري ماذا يوجد خارج البيت، تتحدثون دائماً عن محلات الأزياء ومحلات الذهب ومحلات الزينة، تتحدثون دائماً عن الحدائق والشوارع والمتنزهات وماشابه مما تشاهدونه في حياتكن العادية. ألا يمكن لي في هذا اليوم أن أشاهد بأم عيني ماخلق الله وماصنع البشر؟ أليس من حقي ذلك؟ أرجوك يا أمي فقد مللت الكرسي ومللت حتى التحرك به داخل جدران البيت فقط !!
وكالعادة لم تبال زوجة الأب بكلام سارة فردت بكل هدوء وقالت لها: لماذا انت تطلبين أشياء مستحيلة؟ ألا تعلمين بأنك معوقة ولاتتمكنين من مجاراتنا في التحرك بسرعة في الطريق او في حديقة؟ فلماذا هذا الإصرار منك؟ إهدئي وحاولي أن تشغلي نفسك ببعض الأشياء لحين عودتي مع اختيك.
قالت سارة: لكنني سمعت إن كثيراً من المعوقين يخرجون من البيت، فلماذا أنا لاأخرج؟
فقالت زوجة الأب: ليس كل ما تسمعينه صحيحاً، وهكذا خرجن دون إكتراث للمسكينة سارة ولا بالتخفيف عنها بكلمات طيبة ربما كانت تقنعها اكثر بالرضوخ للأمر الواقع وعدم تكرار طلبها في المستقبل. لكن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل أبداً. وعندما تجاوزت الساعة الثانية عشرة ليلاً قررن الثلاث العودة رغم محاولات مريم وفاطمة بالبقاء أطول فترة ممكنة حتى إنتهاء الحفل إلا ان زوجة الأب أصرت على العودة ولما وصلن حاولت زوجة الأب أن تفتح الباب لكنه كان مؤصداً ولم يفلح المفتاح في فتحه. تعجبت من ذلك وقالت لمريم وفاطمة: ألا ترينا أن المفتاح لم يعد نافعاً لفتح الباب؟
أجابت مريم بكل غرور وقالت: لايفتح؟ وكيف؟ هات يا أمي المفتاح فربما أنت متعبة. ايضاً لم تنجح محاولة مريم في فتح الباب ولما حاولت فاطمة فشلت هي الأخرى، تعجبن مما يحصل فطرقت زوجة الأب الباب ولكن لم يكن هناك من مجيب. صرخت مريم بأعلى صوتها كما صرخت فاطمة: سارة سارة، هل انت في الداخل؟ ارجوك إفتحي الباب. لم الأبواب مؤصدة، هيا بسرعة تعالي وافتحي الباب وسوف نقص عليك ما شاهدناه في الحفلة هذه الليلة، هيا تعالي بسرعة !!!
ولكن أعزائي المستمعين لم يكن هناك من يجيب!!!
نعم ياأعزائي إضطرب حال زوجة الأب وراحت تطرق الباب بقوة وراحت الأختان فاطمة ومريم تصرخان بأعلى أصواتهما ولكن لم تفلح المحاولات أبداً فقد ظلت الأبواب مغلقة وسارا لاتجيب؟ مضت ساعة والجميع مازلن خارج البيت غير قادرات على الدخول اليه ابداً والسبب كما تبين بعد ذلك أن سارة قد غلقت الأبواب في محاولة إنتقامية منها لعدم السماح لأحد بأن يدخل البيت. أجبر هذا الحال بأن تتصل بالشرطة لكي يكسروا الأبواب ويتمكن الجميع من الدخول. وفعلاً لما حضر رجال الشرطة كسروا الباب ودخل احدى الثلاثة البيت فكانت المفاجاة أن وجدوا سارة جالسة على الكرسي وهي ترتدي ملابس لم يألف أحد أن شاهدها بها فقد كانت ملابس مخصصة لحفلات والمناسبات استطاعت سارة أن تأخذها من دولاب اختها مريم وأن ترتديها وقد وضعت على رأسها بعض الأشياء مقلدة بذلك ما تفعله العروس يوم زفافها.
أعزائي وقد عرفنا كيف أدى السلوك الخاطئ والمتكرر مع سارة الى بروز تصرفات غير طبيعية منها بسبب عوقها وبسبب إهمال زوجة الأب والأخوات لها. نتوجه الى الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية لسؤاله عما جاء في الشرع الاسلامي من تعاليم توصي برعاية الأبناء وإن كانوا معوقين وعدم تركهم لتداعيات هذا المعوق وسلبياته وماذا على زوجة الأب وحتى الأم الحقيقية في هذه الحالة فعله؟ فلنستمع اليه.
عباس: أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم
في الحقيقة اذا نظرنا الى البنت المصابة بعلة دائمية يمكن أن نناقش هذا الموضوع من جهة نفسية بالدرجة الأولى ومن ناحية اخرى يمكن علاجها من ناحية التربية الإجتماعية. بالنسبة للمرتبة الأولى ألا وهي الحالة النفسية السلوكية فإنه ينبغي على الانسان في كثير من الحيان أن يقفز على الواقع الذي يعيش فيه، ربما يعيش الانسان ضمن عاهة مستديمة او ضمن بيئة سكانية اجتماعية معينة ولكن قوة الانسان تتجلى في كيفية سيطرته على هذا الواقع وهذا ما لاحظناه في التاريخ مراراً وكراراً اذ ربما رأينا أناساً مصابين بعاهات مستديمة ولكنهم هم الذين صنعوا التاريخ وكانت لهم بصمات لاتزال الى هذا اليوم شاخصة أمام العالم بأكمله وأجمعه. اذا نظرنا الى تشرتشل لو هيرتسل هؤلاء كلهم كانوا أصحاب عاهات ولكن على الرغم من أنهم كانوا أصحاب عاهات ولكن بصماتهم واضحة ليست على بلادهم فحسب وإنما في كل العالم بأجمعه فمن الناحية النفسية والسلوكية ينبغي على الانسان أن لايقف أسيراً أمام هذه العاهات البدنية او الجسمية او النفسية ولذلك ربما رأينا في العالم اليوم كثيراً من أصحاب العاهات بلغوا درجة من الفن ومن الرسم ومن الكتابة ومن التفكير ومن التخطيط، هذا اولاً ما يرتبط بالحالة السلوكية أن يقفز الانسان أمام هذه العاهات التي ليست هي عوائق حقيقية واقعية ولكن اذا جئنا الى الحالة التي تفضلت بذكرها ألا وهي حالة البنت المصابة بشلل والتي ماتت امها عنها ايضاً هذه المشكلة التربوية الاجتماعية يمكن النظر اليها من نواحي مختلفة، الناحية الأولى فيما يرتبط بالزوجة التي هي بمثابة الخالة، ما دامت الزوجة قد قبلت بالزواج من هذا الرجل وهو عنده اولاد ينبغي عليها أو توظف نفسها من اجل أن تتعايش مع أولاده وأن تحسبهم بمثابة أبناءها وبناتها وللأسف في بعض الأحيان ربما لاتتمكن المرأة أن تصل الى هذا المستوى الراقي والعالي في التعامل مع الآخرين. نعم هي إبنة ليست من صلبها ولكن لما قبلت بالزواج من هذا الرجل ينبغي أن تتكفل بها وتجعلها بمثابة أبناءها وبناتها. من ناحية الأب أود ان أشير الى رواية قرأتها، مفاد ومضمون الرواية هي ان الأب ينبغي أن يصبر على ولده المشاكس، في بعض الأحيان ربما يكون للأب اولاد متعددون وربما يكون الأب لايشعر بتعب معين من بعض أولاده من خلال تربيتهم و من خلال طاعتهم له ربما لايشعر بجملة من هذه المشاكل لكن ربما يكون ولد من اولاده خلافهم جميعاً، ربما يؤذيه أكثر، ربما لايطيعه دائماً لكن في مسائل ما يمكن فهمها من الروايات أن هذا الأب ينبغي أن يتعامل بطريقة معينة مع هذا الولد المشاكس. نسأل الله عزوجل على جميع ابناء الأمة أن يسعوا الى بناء المهارات المختلفة التي تنقلهم من الأجواء السلبية الى الأجواء الإيجابية بإذن الله رب العالمين وصلاة والسلام على محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
بعد أن إستمعنا ما قاله الضيف فضيلة الشيخ عبد الغني عباس الباحث الإسلامي من المملكة العربية السعودية نتوجه الآن الى الأستاذة الدكتورة زينب عيسى المستشارة في علم النفس من لبنان لسؤالها عن الواجب تجاه الابن المعوق او البنت المعوقة وماذا يحصل لو أهمل أحد ابنه المعوق او بنته المعوقة من تداعيات خطيرة على المجتمع؟ فمن يكون المسؤول الأول حينها؟ فلنستمع اليها.
عيسى: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي الكريم إن حالة الشابة التي تجاوزت الثامنة عشر من العمر وهي تعاني من إعاقة جسدية ووصلت بها الحالة من سوء المعاملة الأسرية الى حالة من الإنهيار النفسي. بلا شك يجب أن نتوجه الى الأهل بوجوب الوعي الكبير تجاه الإعاقة التي تعاني منها إبنتهم فللعلاقات الأسرية دوراً هاماً جداً في حياة المعوق فهي تشكل في معظم الأحيان مصدر ضيق وألم كما هو الحالة التي ذكرتها فالأسرة هي أساس مشاعر القلق وإنعدام الثقة والخوف من المستقبل ويختلف ذلك تبعاً لإنطباعات هذه الأسرة فهذه الفتاة تعيش بالفعل معاناة وجودية ومعنوية نتيجة الإنعكاسات السلبية بداية التي خلفتها الإعاقة وبالتالي نتيجة الظروف الأسرية المحيطة بها وقد بينت الدراسات أن الحالات التي تعامل بهذا الشكل السلبي يصل المعوق الى حالة الميول الى التدميرية والإنتحارية. فهناك طاقات وإمكانيات يتمتع بها المعوق التي تخوله أن يحيا حياة كريمة ولكن هذه الطاقات والإمكانيات اذا لم تؤخذ بعين الإعتبار كما وجدنا مع الآنسة موضوع دراستنا فهذا السلوك بلا شك سيؤدي عند الفتاة الى سلوك استسلامي خواري عند المعوق ولكنه في حقيقة الأمر إنه سلوك نزوي طفلي اذا تكلمنا على المستوى النفسي يعني ترضخ تحت سيطرة النزوات فهو سلوك عدواني كامل، هذه العدوانية اذا بقيت مرتدة نحو الذات لم تعبر عن ذاتها وقد تؤدي الى الإندثار والتفكك كما يتبين من الحالة موضوع الذكر. على الأهل أن يهتموا بشكل جدي بإبنتهم وإلا هي معرضة للإنهيار وكما عرضت هي تعيش حالة من الإنهيار النفسي واذا ما إستمر هذا الأمر بلا شك ستتخذ سلوكاَ تدميرياً ويكون الأهل مسؤولون عن هذا التصرف. فالإعاقة هي ليست إعاقة جسد سيدي الكريم، أتوجه الى الأهل طالما الانسان فكره سليم يعني انه ليس بمعوق. ياما أشخاص فكرهم وعقلهم سليم ولايعانون من إعاقة جسدية ولكنهم معوقون، العاقة ممكن تتحول الى طاقة، يجب أن يستفيدوا من هذه الإمكانيات ويوجهونها بإستشارة اخصائيين وأن يسمحوا لهذه الفتاة أن تكون معهم كفتاة كريمة لها حياة متزنة كباقي أفراد الأسرة، تحضر إجتماعاتهم، تخرج معهم وكل ما يعزز مشاعرها الإيجابية وإلا هم يكونون مسؤولون عن النتائج السلبية التي ستحصل لإبنتهم.
في ختام حلقة اليوم نشكر الشكر الجزيل لضيفينا الكريمين حسن المشاركة كما نشكر لكم أعزائي حسن إستماعكم الى برنامج من الواقع الذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة