البث المباشر

البطالة

الإثنين 18 نوفمبر 2019 - 14:45 بتوقيت طهران
البطالة

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 72

خبراء البرنامج: الشيخ عقيل زين الدين الباحث الاسلامي من لبنان والدكتورة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا في كل مكان طابت اوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته نرحب بكم في برنامج من الواقع الذي نقدمه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. حلقة اليوم أيها الأحبة سنتناول خلالها أحد المظاهر الإجتماعية السلبية التي تنجم عن البطالة وما تسببه من مشاكل نفسية وضغوط شديدة على العاطل عن العمل ماينعكس بالتالي على تصرفاته مع الآخرين وعلى وجه التحديد مع أفراد أسرته. مشكلة البطالة أيها الأفاضل من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها خاصة الشباب وبالتحديد في بداية حياتهم العملية أي بعد إكمالهم الدراسة والتي تمثل بالنسبة اليهم الولوج الحقيقي في مواجهة الحياة وتحدياتها. تعالوا معنا اعزائي المستمعين نتابع حلقة اليوم ومن ثم سيكون لنا لقاء مع ضيفي الحلقة سماحة الشيخ عقيل زين الدين الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان ايضاً وذلك لتسليط الضوء أكثر على تداعيات هذا الموضوع واهم الحلول اللازمة بشأنه، فتابعونا.
أمين شاب أكمل دراسته الجامعية بتفوق وكان بإمكانه الإستمرار بدراسته لينال فيما بعد شهادة الماجستير ثم شهادة الدكتوراه كما كان يتمنى ذلك دوماً لكن ظروفه المادية حالت دون تحقيق حلمه وبلوغه مبتغاه. يعيش مع امه وأبيه في بيت متواضع لابأس به، إستطاع الأم والأم أن يوفرا له كل أسباب النجاح خلال سنين دراسته منذ كان في المدرسة حتى تخرجه من الجامعة طالباً متفوقاً لهذا قرر امين بالإعتماد على نفسه في توفير حاجياته ومتطلباته ولأجل رد الجميل الذي بذمته لأمه وأبيه ايضاً فراح يجرب حظه في البحث عن العمل مرة في أسواق الجملة ومرة في المعامل ومرة في المحلات التجارية وهكذا ولكنه وبعد فترة بدأ يشعر بالملل نتيجة فشله في الحصول على أية فرصة عمل ولو حتى عامل عادي في أحد المعامل. في يوم من الأيام خرج مبكراً الى إحدى الدوائر التي أعلنت عن حاجتها لموظفين بمواصفات وشروط معينة ولما وصل شاهد جموعاً غفيرة جاءت لتجرب حظها في الحصول على فرصة عمل هي الأخرى وقف في الصف حاله حال بقية الذين جاءوا قبله وبعد ساعات من الإنتظار ولما أصبح في مواجهة موظف الإستعلامات طلب منه الموظف ملأ الإستمارة الخاصة بطلب التعيين ولما شرع امين في ذلك وجه بأنه لايمتلك خبرة خمس سنين في العمل المتخصص التي هي أحد الشروط المطلوبة للتعيين. سأل أمين بدوره موظف الإستعلامات فأجابه الموظف: أنه لابد أن يمتلك تلك الخبرة وإلا فيعد طلبه ملغياً في هذه الحالة.
عاد امين الى البيت وهو حزين، إستقبلته امه بلهفتها المعهودة لكي تخفف عنه لكنه لم يتمكن من إخفاء حزنه او السيطرة على نفسه فقال له أبوه: لاتحزن يابني فالحصول على العمل ليس بالشيء الهين، أنت لازلت في بداية الطريق، حاول مرة اخرى غداً وبعد غد فحتماً سوف تحصل على فرصة للعمل ولو بصفة أجير بسيط حتى يفتح الله لك سبلاً أخرى ويوسع عليك.
كلام الأب أثر كثيراً في نفس أمين وفعلاً فقد رمى أحزانه جانباً ونسي همومه وتوجه عند الصباح الباكر مرة اخرى يبحث عن العمل ولكن نفس الشيء قد تكرر فعند عودته مساءاً متأخراً الى البيت لاحظ أبوه حجم تعاسته فإنتابه هو الآخر حزن عميق على ولد فقال له: إسمع يابني تذكر قول الرحمن الرحيم حين قال في محكم آياته الكريمة "بسم الله الرحمن الرحيم وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" (سورةالذاريات۲۲) أقول لك هذا حتى لاتبتأس او تحزن لكن في نفس الوقت لاأريد أن أهبّط من عزيمتك في البحث لذلك بعد ماسمعه أمين من أبيه إندفع في اليوم التالي وبذات العزيمة وهو يمنّي نفسه بتحقيق ما خرج لأجله. صادفه هذه المرة في الطريق أحد أصدقاءه، سأله: أين أنت ذاهب ياأمين؟
أجاب: صدقني لاأعرف وجهتي بالتحديد!
تعجب صديقه منه وسأله مرة اخرى: ماذا تقصد أنك لاتعرف وجهتك؟
قال له أمين: منذ شهور وانا على هذا الحال أخرج صباحاً وأعود مساءاً أبحث عن عمل.
وهنا بادره صديقه بالقول: أعرف محلاً بحاجة الى عامل. فرح امين فرحاً شديداً وقال بسرعة: أتتكلم بجد؟ أنا أستطيع أن أعمل أي شيء.
وفعلاً توجه الإثنان الى المحل وبعد اخذ الورد تمكن أمين من الحصول على عمل كبائع للملابس.
نعم مستمعينا لم يمضي شهر واحد حتى إندلع شجار عنيف بين أمين وأحد الزبائن الذي تطاول كثيراً في كلماته وعباراته بحق أمين ولما حضر صاحب المحل وجه لومه الشديد لأمين دون أن يعرف السبب او يعرف من هو المقصّر. ولما حاول امين أن يشرح السبب ليثبت برائته سارع صاحب المحل الى توبيخه وطرده دون أن يفسح مجالاً له للدفاع عن نفسه.
خرج أمين منزعجاً كثيراً بسبب ما حصل وأخذ يصول ويجول في الشوارع والأزقة حتى إنتهى به المسير الى البيت. طرق الباب كالعادة فتحت الأم له الباب ولما شاهدته علمت من ملامحه ما جرى دون أن ينبس ببنت شفه، حاولت أن تخفف عنه لكنه رفض الكلام هذه المرة. كان محبطاً بشدة، لايدري ماذا يفعل، أيجرب حظه مرة اخرى؟ ولكن اين؟ ومع من؟
عند المساء طرق الباب جارهم أبو سعيد وقال: سمعت من أبيك ياأمين انك بحاجة الى عمل لذلك جئت أدلك على محل بحاجة الى عامل يمسك له سجلاته الحسابية.
وافق أمين على الفور على ما سمعه من جاره أبي سعيد وفعلاً توجه الى ذلك المحل وحين وصل وتحدث مع صاحبه رفض الإتفاق معه لأن صاحب المحل كان قد خصص راتباً أثار السخرية لدى امين كثيراً. وهكذا مستمعينا الكرام فشل أمين في الحصول على أي عمل رغم كل محاولاته وسعي الدؤوب من اجل ذلك. لذلك فقد سبب له هذا الأمر حالة من العصبية والحساسية الشديدة بحيث لم يكن يصبر على البقاء في البيت كثيراً إنما بدأ يفضل الخروج مع بعض الأصدقاء العاطلين عن العمل مثله ولايعود إلا في أوقات متأخرة تاركاً أمه وأباه، تاركاً حاله ومستقبله وأحلامه الكثيرة والمتعددة لقدر مجهول.
أعزائي المستمعين بعد أن إستمعنا الى قصة اليوم ضمن برنامج من الواقع والذي يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران نتوجه لسماحة الشيخ عقيل زين الدين الباحث الاسلامي من لبنان لسؤاله عن تداعيات ازمة البطالة على المجتمعات وتوصيات الدين الاسلامي للأسرة وللوالدين وغيرهم في حماية الشباب الباحثين عن العمل وإرشادهم وتمكينهم في هذا المجال وماهي الحلول وفق النظرة الاسلامية للمسلم؟ فلنستمع معاً
زين الدين: أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم بفضل بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيد خلقه محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين
الجواب على هذا السؤال المؤلم الصحيح هو أن البطالة داء ومرض اجتماعي خطير يسبب تمزيق العائلات ويسبب تفتيت العائلات والآولاد وتشريد العائلة ولها أسباب خطيرة على المجتمع. طبعاً الناس نوعان ممكن انسان مريض او عنده عاهة معينة لايستطيع العمل هذا انسان معذور ولكن مشكلة البطالة تتجسد في الانسان القادر على العمل ولكنه انسان كسول، انسان غير مسؤول انسان غير مهتم بشؤونه الحياتية فيترك نفسه عالة على الآخرين، هذا الانسان الذي يشير اليه الاسلام عندما تكلم عن البطالة. الانسان الذي يستطيع أن يكون عاملاً فاعلاً لنفسه وعياله عن حاجة الناس ولكن يفضل أن يكون خنوعاً كسولاً يقضي وقته بالنوم والكسل والملل من دون ان ينتج والله جل وعلا لايحب الانسان الذي يكون عالة على المجتمع وأنساناً بطالاً لانفع لنفسه ولا لعائلته ولا لمجتمعه. وهذا الداء الخطير والعياذ منه هو سبب إنهيار التجمعات والمجتمعات البطالة تنشأ صاحبها أن يدمن أمور مملة، أمور تافهة، امور غير انسانية وغير اجتماعية تسيء له شخصياً والانسان البطال يشار اليه بالبنان والأصابع في المجتمع الذي يعيش به يسبب له الذلة والمسكنة والمهانة وهذا امر لايحبه الله لعبده. والبطالة كذلك ندفع هكذا انسان عندما يبتلى بالعوز لأنه لايعمل ولاينتج بأن يمد يده الى الحرام وأن يقوم بأعمال مشينة وأن يأخذ المال من هنا وهناك، أن يصبح سارقاً، أن يسطو على اموال الناس، على متاجر الناس، على ممتلكات الناس الخاصة بما يودي به في سجن او يسبب له المشاكل ومشاكل للاخرين. الله جل وعلا وجاء في الخبر "إسع ياعبدي لأكون معك" الله جل وعلا يحب العبد الذي يسعى لتأمين رزقه وأعطى مثلاً النمل الذي يسعى لمملكته والنحل الذي يسعى لتأمين قطيره فالإنسان البطال مبتلى بداء خطير يسيء اليه كما يسيء الى المجتمع الذي يعيش فيه ويصبح انساناً إنتهازياً، انساناً يبتلى بمسائل مثل الكثير من شاربي الخمور والذين يلعبون القمار والذين يقومون بالأعمال الحرام والمحرمة سببها الإهمال وسببها الإبطال فعلينا واقعاً أن نشير الى هؤلاء البطالين أن ننصحهم وأن لانعطي المساعدات إلا اذا عمل، فقير ولكنه بطال لايجب أن أغدق عليه الخير يجب أن يعمل ولو عمل خفيف معين ألزمه به ليتحمل ويكف نفسه ويكف عائلته عن الحرام وعن التسول وحتى أحجبنه أن لايكون انساناً فاسداً لأن البطالة أخي الكريم وأختي الكريمة توجد وتؤدي الى الأعمال المشينة ليكون الأنسان شاذاً في المجتمع الذي يعيش فيه فيجب أن نساعده ويساعد نفسه ليخرج من هذه المعمعة وهذا الشين والعيب والعياذ بالله. أسأل الله أن يساعدنا في سبيل طاعته ويكف عيالنا وأنفسنا عن حاجة الناس طالما هناك قوة في جسدنا ولو كان الانسان كفيفاً او معاقاً عليه أن يعمل من أن يبقى بطالاً ويقضي وقته بالأعمال المشينة والله خير الحافظين.
وبعد أن استمعنا اعزائي الكرام الى ما قاله سماحة الشيخ عقيل زين الدين نتوجه الآن الى الأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان لسؤالها عما يمكن أن تخلفه البطالة من تداعيات اجتماعية وأزمات نفسية على العاطل عن العمل وما يمكن أن ينجم بعد ذلك من آثار على سلوكيات العاطل، فلنستمع اليها.
الخنساء: بالطبع البطالة آفة اجتماعية كبيرة يمكن أن تؤذي الشخص وتؤذي المجتمع. العاطل عن العمل يمكن أن ينعكس هذا على حياته وعلى تصرفاته لأن المال عصب الحياة وصحيح أن المال ليس كل شيء في الحياة ولكنه عصب الحياة لأن المال وسيلة لتلبية الحاجات والأمور اليومية على الأقل اذا لم نقل المستقبلية وهذا سيكون له إنعكاسات سلبية على حياة الانسان أنه غير منتج اصلاً وغير منتج اجتماعياً وحياتياً وحتى أن العمل يؤثر على نفسية الانسان لأنه ليس فقط حاجة مادية بل هي شيء يثبت به وجوده وفرد صالح في المجتمع وفرد عامل في المجتمع من هنا ينعكس على الفرد العاطل عن العمل بشكل سلبي على شخصيته وعلى نفسيته وعلى بيته وبالتالي على تصرفاته الاجتماعية فيحس أنه فرد غير صالح في المجتمع ويمكن أن يؤدي حاجة تكون لها تداعيات سيئة جداً. الامام علي عليه السلام يقول "لو كان الفقر رجلاً لقتلته" لأن الفقر يؤدي الى الكثير من المفاسد التي تؤدي الى الجريمة والإنحرافات وانواع كثيرة من المفاسد الاجتماعية. فهذه مسؤلية المجتمع أنه قدر الإمكان توفير العمل للشباب خاصة هذا الجيل الصاعد لأنه بأمس الحاجة الى العمل لكي لايعيش البطالة والفراغ.
في ختام حلقة اليوم اعزائي المستمعين نشكر الشكر الجزيل ضيفينا الكريمين سماحة الشيخ عقيل زين الدين الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان ايضاً على حسن المشاركة وكما نشكر لكم حسن اصغاءكم الى برنامج من الواقع الذي نقدمه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء ودمتم في امان الله وحفظه.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة