البث المباشر

تبني الأولاد

الإثنين 18 نوفمبر 2019 - 14:38 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 71

خبراء البرنامج: الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان والدكتور الحسيني من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأعزاء أحييكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع حيث سنتناول في حلقة اليوم موضوعاً أثبتت العديد من الحكايات عنه نشوب مشاكل اجتماعية خطيرة ادت الى تفكك الأسرة وكذلك ظهور مشاكل شرعية نتيجة الجهل لدى البعض بالضوابط والأحكام الشرعية فيما يرتبط بموضوع الأولاد بالتبني. موضوع اليوم اعزاءنا الكرام له أسبابه مثلما له تداعياته ايضاً كما أن له مشاكله الخطيرة التي تنعكس أغلب الأحيان على أفراد الأسرة وبالذات على الأخوة والأخوات فيما بينهم. ولأجل تسليط الضوء أكثر سيكون في ضيافة حلقة اليوم سماحة الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان والدكتور الحسيني من لبنان ايضاً فكونوا معنا.
أحبتي المستمعين ناصر وصلاح أخوينين حميمان ترعرعا في بيت كبير ومترف جداً، لم يعرفا الحاجة او المعاناة ابداً ذلك لأن أباهما تاجر معروف ومشهور كان يغدق على أسرته بكل ما كانت ترغب فيه او تتمناه. تعود الأخوان على الذهاب يومياً الى المدرسة والعودة سوياً دون أن يفارق احدهما الآخر مهما كان الأمر مكلفاً وفي البيت كانا يمارسان ألعابهما المشتركة بكل مودة ومحبة وعندما يشعران بالملل منها يطلبان من أبيهما شراء ألعاب جديدة أخرى والذي كان بدوره لم يرفض ذبك أبداً. مرت السنون وصار ناصر وصلاح شابين يافعين يشار اليهما بالإعجاب كما ينظر اليهما بالحسد خاصة من قبل نساء الحي اللاتي حاولن أكثر من مرة كسب ود أمهما لكي تتقدم لخطبة إحداهن لكن الأم لم تكن تبالي في هذا الشأن وحجتها هي أن الأخوين هما اللذان يرفضان فكرة الزواج ولايريدان الإرتباط بأي فتاة في الوقت الحاضر.
في يوم من الأيام قرر ناصر وصلاح أن يطلبا من أبيهما أمراً، تمنيا أن ينفذه لهما. فقال صلاح لأخيه ناصر: تقدم انت وأطلب ذلك من أبي فأنت أكبر مني وأنا لاأجرأ على ذلك!
قال له ناصر: أتظن أن أبانا سيوافق على الطلب بسرعة؟
قال صلاح: جرّب ياأخي ياحبيبي فربما نفلح هذه المرة بالفوز بموافقة أبينا.
فلم يجد ناصر بعد ذلك بداً من عدم البوح بما يرغب فيه هو وأخوه.
تقدم ناصر نحو الأب وقال له: ياأبي أنا وأخي صلاح نروم إستأجار محل بسيط للعمل فيه لوحدنا وهذا كما تعلم يحتاج الى رأس مال ولو صغير بادئ الأمر. قطّب الأب حاجبيه ولم يستجب للطلب لأبداً ولما حاول ناصر الإلحاح قليلاً زجره الأب وهدده من تكرار هذا الطلب وإلا سوف يطرده خارج البيت.
تعجب ناصر من كلام أبيه كما تعجب صلاح لكنهما رغم ذلك تركا الأمر وراحا يبحثان في أمورهما الخاصة كما إعتادا عليها في حياتهما.
في يوم من الأيام وقبل أن يتوجه الأخوان الى الكلية سارعا ليأخذا مصروفهما اليومي المقرر لهما لكن وفي هذه المرة أعطى الأب المصروف الى صلاح ولم يعط مثله الى ناصر، طالبه ناصر بكل براءة وقال: ياأبي ألا تعطيني مصروفي اليومي؟
أجابه الأب: أنت أصبحت كبيراً أكبر من أخيك ويجب عليك أن تجد عملاً لكي تتعلم كيف تكسب المال منذ الآن. لم يرق هذا الكلام للأخوين. غمز صلاح لأخيه ناصر وخرجا متوجهين الى الكلية وفي الطريق تقاسما المصروف الذي أخذه صلاح.
في أحد المساءات دخل صلاح البيت، سأله أبوه: أين ناصر؟ لماذا لم يعد معك؟ والله لسوف أبرحه ضرباً عندما يعود.
شعر صلاح بالخوف. كما شعر بالإنزعاج من كلام أبيه، حاول صلاح وبسرعة أن يتصل بأخيه ويطلب منه الرجوع فوراً!
أجابه ناصر: أنت تعلم أني في بيت صديقي حميد أقرأ وأياه الدروس.
أصر صلاح على عودة أخيه بسرعة. وهنا رضخ الأخ وقرر العودة كما طالبه بذلك صلاح، ولما دخل البيت جقق الأب ما وعد به. فقام واهان ناصراً كثيراً ثم تأجج غضبه ومدّ يديه وضربه امام اخيه وأمام الأم كذلك.
بدأ الأخوان يشعران بسوء تصرف الأب تجاه ناصر كثيراً خاصة في الفترة الأخيرة لذلك قررا بسبب علامات الإستفهام والأستهجان التي طالما اخذت طريقهما اليهما أن يطلبا من أبيهما الزواج خاصة وأنهما على وشك الإنتهاء من آخر سنة دراسية في الكلية وهنا كان الرفض واضحاً جداً على وجه الأب بل أنه أصر على عدم تزويج ناصر أبداً وعدم إستعداده لتحمل نفقات الزواج مالم يعمل هو ويجمع تلك النفقات بنفسه وإلا لايجب أن يتوقع أية مساعدة منه.
في هذه الأثناء دخلت الأم وحاولت أن تتدخل بعدما إستمعت الى ما جرى فما كان من الأب إلا أن زجر الأم ايضاً وقال لها بالحرف الواحد: أنت تعلمين جيداً لماذا انا أرفض تكفل نفقات ومصاريف زواج ناصر، تسكتين ولو لا تجبريني على قول الحقيقة. سدى الجميع لحظات مشوبة بخوف شديد تسببت برعشة عنيفة هزت بدن كل من صلاح وناصر بقوة. إندفع ناصر دون أن يشعر بما يقوله بالضبط وقال لأبيه: ماذا تقصد ياأبي؟ أية حقيقة التي تتكلم بشأنها ولماذا بدأت منذ فترة تعاملني بقسوة شديدة؟ أو لا أنا أبنك كما صلاح؟ أو لا تشعر بحنان تجاهي كما كنت ألمس ذلك منك عندما كنت صغيراً؟ لماذا ترفض تزويجي رغم أنك أبي وتمتلك الكثير؟
نظر الأب الى الأم. نظرت الأم الى ابنها صلاح ثم نظرت الى ناصر. لم يصمت صلاح هو الاخر أمام هذا الموقف وقال هو الآخر: ما الذي يجري؟ إحساسي أن هناك سراً تخفيه ياأبي؟ وأنت ياأمي؟ ما الذي يحصل؟ لماذا بدأت أنا ايضاً أشعر بسوء معاملتكما أخي ناصراً؟ هيا أريد أن أعرف لماذا وإلا تركت لكما البيت؟
صرخ الأب بإبنه صلاح وقال له: أتريد أن تعرف الحقيقة؟ أتريد أن تعرف الحقيقة؟ أتريد أن تعرف من يكون ناصراً بالنسبة لك؟
إستدى الخوف في قلب الأخوين وتسارع ضربات قلبيهما وكلام الأب غريب ومخيف!!!
وهنا قال الأب بالحرف الواحد: نعم أنتما أخوين ولكن لستما شقيقين!
صاحت الأم بزوجها: لا هذا كذب، لاتصدقا أباكما فهو يمزح معكما. لا لا هو غاضب قليلاً بسبب خسارته في السوق، لا إنه يعاني ...
كرر الأب قوله هذه المرة عندما وجه وجهه الى زوجته وقال: أقسمي بالله أن ناصراً هو شقيق صلاح، هيا أقسمي!!
نحييكم ثانية حضرات المستمعين الكرام من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وهذا اللقاء من برنامج من الواقع. أعزائي الكرام تبين لكم حجم ما تعرض له ناصر من موقف لايحسد عليه عندما عرف إنتماءه الى أسرة صلاح التي كان يظن أنه واحد منهم لكنه كان إبناً بالتبني عندما جزعت الأم يوماً ويأست من عدم إنجابها طفلاً فلجأت الى إحدى دور الأيتام وتبنت ناصراً لكن رحمة الله كان حاضرة فأنجبت طفلاً أسمته صلاح. والآن أيها الكرام نتوجه الى سماحة الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان بسؤاله لما جاء في تعاليم دين الإسلام الحنيف من ضرورة المساواة بين الأولاد وكيف يجب أن نساوي بين الأبن الحقيقي والأبن الذي تم تبنيه او تولي تربيته؟ وماشروط ذلك؟ فلنستمع معاً
عساف: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
بالنسبة لما عرضتموه من هذه القصة بالنسبة الى هذين الولدين وهذا الوالد في تعامله مع اولاده ناصر وصلاح. اولاً أريد أن أقول أن هناك فارق كبير بين الولد المتبنى والنسب الحقيقي فلا شك بأن ناصر ولد متبنى كما ذكرتم في هذه الرسالة وأن صلاح ونسبه هو نسب حقيقي فلابد أن نتكلم من الناحية الشرعية وثانياً لابد أن نتكلم على المستوى الانساني والاخلاقي في التعامل مع هذين الولدين. الاسلام قد ميز بين الولد المتبنى ولم يعتبره ولداً وإن كنا نقول بأنه ولد كما جرت عليه العادة بين الناس لذلك فناصر ليس ولده لذلك لابد أن يعلم الأب بأن تبنيه لناصر ثم مجيء رزقه من الله سبحانه وتعالى بولد حقيقي صلاح هناك فرق بينهما على مستوى الأحكام الشرعية من ناحية الأرث مثلاً كذلك من ناحية النظر مابينه وبين زوجته وكذلك العلاقة مابين ناصر وصلاح ليست علاقة اخوة من الناحية الشرعية والتكليفية هذا امر وأمر آخر لابد أن أشير اليه لابد أن نتعامل على المستوى الأخلاقي والانساني بما لايتعارض مع الأحكام الشرعية الفقهية الاسلامية لذلك أقول للأب بأنه قد وقع وحصل معه أمر لايمكن أن يخرج منه، لاشك أن هناك امراً عاطفياً من الأب تجاه الولدين يمكن أن يؤدي الى الأمور النفسية التي تجعل أزمة في حياته ويكون الأب او الذي تبناه هو الذي يتحمل المسؤولية لذلك أعتقد اذا كان هذا الولد المتبنى كبير في السن من المهم جداً أن يشرح له وبطريقة حسنة وأن يستعين ببعض الأخصائيين او بعض العلماء ليشرح ويبين له وبطريقة ما أنه ولد متبنى على المستوى الفقهي والشرعي ويتعامل معه بكل اخلاقية ويتعامل معه بكل انسانية حتى لايدمر حياته التي يمكن أن تؤثر عليه سلباً مع هذا التمييز.
مستمعينا مستمعاتنا في كل مكان بعد أن تابعنا ماقاله سماحة الشيخ جعفر عساف نتوجه الى ضيفنا الدكتور الحسيني الباحث الاجتماعي من لبنان لسؤاله عن المساوئ الإجتماعية والنفسية التي طالما تعرض لها اولاد التبني وماهي الشروط الواجب اللإلتزام بها من قبل الوالدين المتبنين لليتيم؟ لنستمع معاً
الحسيني: بودي في البداية الإشارة الى مسئلة شرعية، انا لست متخصصاً في المجال الشرعي ولكن أعرف أنه لاتبني في الاسلام فلعل الولد الأول كان متكفلاً به من قبل الوالدين وليس إبناً طبيعياً متبنى في المعنى القانوني للكلمة هذا أولاً. في جميع الأحوال طالما الوالدان إرتضيا رعاية هذا الطفل وجعلاه كإبنهما اذن تترتب عليهما مسؤولية مهمة جداً هي أن يقوما بواجباتهما تجاهه وكأنه ولد عادي طبيعي ولكن حصل عندهما أن أنجبا ولداً طبيعياً نوع من الإنقلاب على موقفهما السابق وأصبحا متحيزان للطفل الطبيعي على حساب الطفل الذي سبق وتبنياه، هذا موقف غير عادل أبداً على الإطلاق ولكن سبب ذلك أنه من الطبيعي الإنسان يميل الى الذي من صلبه أكثر مما يميل الى الذي تبناه، لعلهما ندما على ما أقدما عليه لأنهما حينما أقدما على تبني الطفل الأول كان ذلك يعود الى يأسهما من القدرة على إنجاب هذا الطفل ولكن بما انهما أنجبا سرعان ما تراجع الأبوان وخاصة الأب على هذا العمل الذي أقدما عليه لأن الطفل المتبنى له نفس الحقوق ولو كان ليس من صلب الأبوين. في ثقافتنا العربية والاسلامية بشكل عام لانتقبل كثيراً مسئلة التبني وخاصة انها ليست مسئلة شرعية ولكن نرى في البلدان الغربية كما جرت العادة يتبنون كثيراً ويتعاملون بشكل عام وهناك إستثناءات كثيرة ولكن يعاملون الولد المتبنى تماماً كما يعامل الولد الطبيعي ولايفرقون بينهما خاصة وأن هذا الولد قد جاء نتيجة قرار مدروس او يفترض أن يكون مدروساً من قبل الأهل الذين رغبوا أن يتبنوه وأن يكون لهم ولد بعد أن تصوروا أنهم حرموا من هذا الولد يعني الإنجاب.
وفي ختام حلقة اليوم أشكركم أيها الكرام لحسن إصغاءكم ودمتم بألف خير والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة