البث المباشر

شرح فقرة: يا مَنْ جعل في السماء بروجاًَ

الثلاثاء 3 سبتمبر 2019 - 12:12 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " يا مَنْ جعل في السماء بروجاًَ " من دعاء الجوشن الكبير.

 

لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير حيث حدثناك عنه في لقائات سابقة، ونحدثك الان عن احد مقاطعه التي ورد فيها: (يا مَنْ جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا، يا مَنْ جعل الأَرْضَ قَرَارًا، يا مَنْ خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا، ...).
هذه العبارات امتداد لما لاحظناه من العبارات التي حدثناك عنها في لقائات سابقة، وهي تتحدث عن مظاهر مختلفة من عظمته تعالي، وفيها: خلق السماوات والارض وما يواكبها، حيث جائت عبارة (يا مَنْ جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا)، تجسيدا لعظمة ابداعه تعالي. 
والسؤال هو: ماذا نستلهم من العبارة المذكورة؟
من البين، ان ظاهرة البروج ترتبط بمنازل الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ والكواكب، وهي اثني عشر برجاً، يسير القمر في كل برج منها يومين وثلاث، وتسير الشمس في كل برج شهراً، وهي احد مظاهر عظمة الله تعالي في تدبيره للكون، وما يترتب علي ذلك من حسابات مختلفة تتصل بمعرفة الزمن، وتنظيمه حيث لا مناص للبشرية وغيرها من معرفة ذلك، حتي تتيسر حركتها التي ترتبط بمسألة خلافة الادميين حيث خضوعها للاختبار العبادي في ضوء المعطيات التي اتاحها تعالي لهم لإستمرارية الممارسة العبادية. 
بعد ذلك نواجه عبارة (يا مَنْ جعل الأَرْضَ قَرَارًا)، وهي مظهر ابداعي مشير الي عطائات الارض من حيث صلتها بحركة الانسان، فالعبارة هنا تتحدث عن احد جوانب خلق الارض اي في احد معطياتها متمثلاًً في «قَرَار» الارض اي جعلها مكاناً يستقر الانسان فيه لممارسة عمله العبادي، طبيعياً ثمة معطيات تتصل بالارض من حيث دحوها او ذلوليتها، او ثرواتها المعدنية والزراعية، ولكن النص عمد الي معطي هو ظاهرة القَرَار، اي الثابت المستقر في الارض، بصفة ان هذا الثبات يحقق عملية التكيف التي تربطها ممارسة العمل الخلافي كما هو واضح.
بعد ذلك تواجهنا عبارة (يا مَنْ خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا). 
تري ماذا نستخلص من هذه العبارة: ان قاريء الدعاء يتداعي ذهنه الي عملية وجود الانسان من حيث الهوية التي ينتسب اليها في غمرة معرفته بهوية سائر الاشياء الفيزيقية وغيرها، بيد ان الملفت للنظر هو: 
ان الانسان من الممكن ان تتناول نشأته من زاويتين، الاولي: خلقه من التُرَابٌ والاخري خلقه من الماء، والسؤال هو: بم نفسر فلسفة اشارة النصوص القرآنية الكريمة مرة الي خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ، ومرة من الماء، بل نجد نمطا ثالثاً: من النصوص تشير الي خلقه الانسان من كليهما. 
في تصورنا ان السياق الذي ترد فيه الاشارة الي احد هذه الجوانب الثلاثة هو: المفسر لورود النص بأن الانسان مخلوق من التُرَابٌ او الْمَاء او كليهما. ولكن خارجاً عن ذلك، فأن الاشارة لأي منها ينطوي علي معطيات متنوعة دون ادني شك، كيف ذلك؟
في تصورنا ان بعض السياقات يظل الهدف منها لفت النظر الي الاصل البشري واحد، هو من الطين، وهذا ما نلاحظه مثلاً في اجابة الامام الرضا (عليه السَّلام) عندما جمع العبيد والسود وفي مائدة مشتركة بينه وبينهم، حيث اعترض البعض من القوم بأن يفرد الامام (عليه السَّلام) مائدة خاصة، فأجاب بأن البشر جميعاً هم من اصل واحد: تعبيراً عن البعد المشترك بين البشر جميعاً، لا فارق بين غنيهم وفقيرهم، وذا الموقف الاجتماعي والمهمل اجتماعياً.
اما بالنسبة الي ورود الاشارة نحو ايجاد الانسان من الماء فهذا يستهدف لفت الانتباه علي جعل الانسان المتكبر او الظالم او المستعلي جعله يلتفت الي انه مخلوق من ماء قذر، لذلك يسميه النص القرآني الكريم بالماء «مَّهِينٍ»: تعبيراً عن هوان الانسان من حيث الاصل حتي لا يدفعه غروره ومرضه النفسي الي التطاول والتعالي والاستكبار.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا مَنْ جعل لكل شيء أَمَدًا)، فماذا نستخلص منها؟ 
في تصورنا ان الله تعالي طالما يشير الي فناء الكون، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، حيث ان الاشارة الي هذا الجانب لها معطاها التربوي المتمثل في وحدانية الله تعالي وتفرده في كل شيء، وهو تفرد يحمل الشخصية الي التفكر ملياً في الكون ونشأته والانسان ووظيفته تجعله على ضوء هذه التداعيات الذهنية معمقاً صلته بالله تعالي، مادام الوجود بشر وحيواناً، معرض الي الزوال، وان العمر ايضاً له امده المحدود، حيث يتعين علينا استثماره في العمل الخلافي: كما هو واضح.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة