البث المباشر

شرح فقرة: يا من اليه يلجأ المتحيرون

الإثنين 19 أغسطس 2019 - 09:16 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " يا من اليه يلجأ المتحيرون " من دعاء الجوشن الكبير.

 

نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه التي ورد فيه: (يا من يلجأ اليه المتحيرون، يا من يستأنس به المريدون، يا من به يفتخر المحبون، ...).
هذه العبارات امتداد لعبارات متماثلة وردت في احد مقاطع دعاء الجوشن الكبير، حيث كان العنصر المشترك في عباراته هو: التوجه الى الله تعالى، واما الفوارق فيها فهو في نمط التوجه حيث تختلف توجهات الناس بحسب حاجاتهم ووعيهم. المهم الآن هو: ملاحظة انماط التوجه الى الله تعالى، ومنها العبارة القائلة: (يا من اليه يلجأ المتحيرون). فماذا نستلهم منها؟ 
لقد كان التوجه في عبارات سابقة من مقطع الدعاء تتمثل في توجه الزاهد، وتوجه المذنب، وتوجه المنيب وهكذا، اما في فقرة الدعاء الحالية: فان التوجه هو من قبل (المتحير). فمن هو المتحير؟ 
الجواب: المتحير هو الشخصية التي لا استقرار لديها، اي ـ في اللغة النفسية ـ هو الشخصية التي تحيا الصراع، فتقدم وتؤخر ما تريد فعله دون ان تستقر على وضع متوازن. ان شدائد الحياة كثيرة قد تكون مرضاً او فقراً او فقدان. 
ولكن العبد عندما يتجه الى الله تعالى في حسم مشكلته فان الصراع الذي يمزق نفسه سوف يزول، ويتحقق توازنه، لان الله تعالى عند ثقة عبده: كما هو واضح.
بعد ذلك تواجهنا عباراتان احداهما التي تقول: (يا من به يستأنس المريدون) والاخرى تقول: (يا من به يفتخر المحبون). وهاتان العبارتان تتماثلان تقريباً في دلالتهما، حيث ان المحب والمريد يلتقيان في المعنى، كما ان الاستئناس والافتخار بالله تعالى يلتقيان في المعنى ايضاً. اذن ما هو الفارق بينهما؟ 
المحب هو من يمتلك طاقة من ميل او رغبة الى الله تعالى، واما المريد فهو من يمتلك طاقة اشد واكبر وادعى بحيث يتفانى في محبة الله تعالى. اذن ثمة فارق في الدرجة من الرغبة او الميل هذا من جانب. من جانب آخر، فان كلاً منهما ـ اي المحب والمريد يحقق نمطاً من التواصل مع الله تعالى يتجانس مع درجة ميله او رغبته، لذلك قالت العبارة الاولى (يا من يستأنس به المريدون)، لان المريد ما ادام يمتلك طاقة حب الى دجة التفاني، فانه ليأنس بالله تعالى في مناجاته دون ادنى شك، بحيث يحس بالوحشة من الآخرين.
واما (المحب) وهو في درجة اقل من المريد، فانه يتعامل مع الله تعالى بنحو آخر، انه (يفتخر) بكونه (يحب) الله تعالى، ويلجأ اليه، في اشباع حاجاته، حيث يفتخر بالله تعالى بهذا الاشباع او بهذا المصدر للاشباع، دون ان يتحول الى في الله تعالى: كما هو واضح. 
بعد ذلك تواجهنا عبارة جديدة هي: (يا من في عفوه يطمع الخاطئون). هذه الفقرة من الدعاء تجسد توجهاً آخر يختلف عن السابق، انه توجه المرتكب للذنب، ولكنه ذنب خاص يختلف عن مطلق الذنوب التي ورد ذكرها في هذا المقطع من الدعاء ونعني بذلك عبارة (يا من اليه يفزع المذنبون)، فالخاطئ والمذنب يشتركان في المعنى، ولكنهما يفترقان في درجة الانحراف، حيث يقول اللغويون ان الخطيئة هي ما كانت بيد الانسان، او ما قصد بالعرض وليس بالذات، بينما الذنب هو ما قصد الذات، اي: ان الخطيئة من الخطأ، فمثلاً من وجه سلاحاً الى حيوان ليصطاده فوقع على الانسان: يكون بذلك قد مارس خطيئة، اما المذنب فانه عدوان مباشر على الانسان وليس خطأ. 
وفي ضوء هذه الفارقية بين المذنب والخاطئ، نتجه الى عبارة (يا من في عفوه يطمع الخاطئون) فنجد ان الخاطئ له امل كبير في عفو الله تعالى، انه (الطمع) بهذا التجاوز عن الذنب، لانه خطأ ليس مباشراً ومقصود بالذات، بل جاء عرضاً نتيجة عدم تدقيقه وتفكيره في ممارسته الخاطئة. 
اذن امكننا ان تدرك الفوارق بين هذه العبارة المرتبطة بالخاطئ، والعبارة المرتبطة بالمذنب والمهم في الحالات جميعاً اننا نتجه الى الله تعالى في طلب رحمته، كما نتوسل اليه في ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة