البث المباشر

شرح فقرة: يا من خلق فسوى

الأحد 18 أغسطس 2019 - 14:06 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " يا من خلق فسوى " من دعاء الجوشن الكبير.

 

لا نزال حدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد المقاطع، حيث استهل بما يأتي: (يا من خلق فسوى، يا من قدّر فهدى،...). هذا المقطع يتضمن جملة صفات متجانسة حيناً، ومتفاوتة حينا آخر، وفق سياقات خاصة، نبدأ الآن ونحدثك عن العبارتين المتجانستين اللتين استهل المقطع بهما، وهما (يا من خلق فسوى، يا من قدر فهدى). 
والآن ما دام هذان المظهران من عظمة الله تعالى، قد ورد في النص القرآني الكريم، حينئذ يجدر بنا ان نتجه الى تفسيرهما على النحو الآتي: بالنسبة الى هاتين العبارتين، نجد انهما وردتا في سورة الاعلى متعاقبتين (كما هما في الدعاء ايضاً) ولكن ماذا تعنيان؟ 
تقول النصوص المفسرة بان عبارة (الذي خلق فسوى) تعني، ان الله تعالى (سوّى) في مخلوقاته من حيث الاحكام والاتقان، او سوى أعضاء بدنه كالعينين واليدين والرجلين، أو سوى قامة الانسان ولم يجعلها كالدواب مثلاً، او جعلها بنحو تشهد على ابداعه ووحدانيته. 
واما بالنسبة الى عبارة والذي (قدّر فهدى) فتعني، انه تعالى قدر مخلوقاته في صورهم التركيبية، أو قدر لهم ما يحتاجونه من القوت، وهداهم الى طلبه، او هداهم الى معرفة دينه، او ارشدهم الى ما فيه منفعتهم او ضرهم، او هدى الطفل الى كيفية تغذيته، او هداهم اين التزاوج والتناسل. 
والمهم ان هذه المصاديق وسواها مما لم نذكرها تظل تعبيراً عن عظمته تعالى ووحدانيته يتفرد بها تعالى. 
بعد ذلك نواجه عبارة (يا من يكشف البلوى) وعبارة (يا من يسمع النجوى، يا من ينقذ الغرقى، يا من ينجي الهلكى،...). فماذا نستلهم منها؟ 
واضح ان عبارة (يا من يكشف البلوى) تعبر عن مطلقا و تحمل شدائد الحياة، بحيث تجئ العبارت اللاحقة تجسيداً مفصلاً للشدائد المشار اليها ويمكننا ملاحظة ذلك حينما نمعن النظر في العبارة الصورية التي تجسد استعارة بلاغية في خلعها صفة(الكشف) اي، ازاحة الستار او الحاجز عن الشدة، وهذا الكشف يتمثل حيناً في عملية السماع لنجوى العبد، حيث ان السماع كاف في اضفاء الامن على الشخصية، لانه مشاركة في الاستماع الى الشدة، والامر كذلك بالنسبة الى العبارة التي تليها وهي (يا من ينقذ الغرقى) وعبارة (يا من ينجي الهلكى) وعبارة (يا من يشفي المرضى)، والسؤال الآن هو: اذا كان الاستماع الى مناجاة العبد يهون عليه الشدة، فان الاستجابة الى الدعاء في كشف الشدة في مختلف انماطها، مثل شدة المرض او الغرق او الهلاك، تظل ازاحة للشدة اساساً وليس تخفيفاً نفسياً فحسب. 
هنا يتعين علينا ان نلقي الاضاءة على العبارات الثلاث المجسدة لا نماط الشدة، حيث نتساءل: لماذا مثلاً ذكر المرض، والهلاك، والغرق دون سواها؟ 
الجواب: ان (المرض) يجسد اشد الشدائد: كما هو واضح، لانه يشلّ الشخصية عن العمل وهو: اساس حركتها وأما (الغرقى) و(الهلكى) في تصورنا انهما رمزان لشدائد متنوعة وليسا بمعنى (الغرق) في الماء، او الهلاك بمعنى الموت، كيف ذلك؟ 
ان (الغرق) هو رمز لمطلق الشدائد الى تجعل الشخصية لا سبيل لها من الخلاص من الشدة، لان الغرق هو غطس في الماء، ولا مجال للخروج منه. 
واما (الهلاك) فهو رمز للشدائد في بلوغها المرحلة التي لا نجاة فيها البتة، على نحو ما يكون (الموت) لا سبيل الى المفرّ منه، اذن ثمة نمطان متفاوتان من الشدة، عبر عن احدهما بالغرق، وعن الآخر عبر عنه بالهلاك، على نحو ما اوضحناه. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة