البث المباشر

شرح فقرة: اللهم يا غافر يا ساتر

الأحد 18 أغسطس 2019 - 13:43 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: "اللهم يا غافر يا ساتر" من دعاء الجوشن الكبير.

 

نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن مقطع جديد هو: (اللهم اني أسألك باسمك يا غافر، يا ساتر، يا قادر، يا قاهر، يا فاطر، يا كاسر، يا جابر، يا ذاكر، يا ناظر، يا ناصر). 
ان هذا المقطع يتضمن عشر صفات او مظاهر من عظمة الله تعالى نبدأ بالقاء الانارة عليها،حيث نستهل ذلك بالحديث عن الصفتين الاوليتين وهما: (يا غافر)، (يا ساتر). فماذا نستلهم منهما؟ 
ان هاتين الصفتين: الغفران والستر، تعدان من مصاديق الرحمة المطلقة التي يعجز البيان ان يلمّ بهما، وبهما، اي الرحمة ومصداقيهما. 
ان العبد ليذنب الذنب، ويستحق بذلك عقاب الله تعالى، بعد ان اوضح تعالى طبيعة الذنب والعقاب عليه، الا ان الرحمة الالهية من السعة بحيث تركت للعبد (وهو واع لما ما به من الذنب) لمراجعة نفسه، والاقلاع عن الذنب جديداً، متمثلاً ذلك من مفهوم التوبة. 
من هنا تجئ صفة (غافر) معبرة عن رحمته تعالى في غفرانه للذنب وهذا فيما يتصل بالذنب وغفرانه ولكن ماذا بالنسبة الى الصفة الاخرى (ساتر) وصلتها في غفران الذنب؟ 
ان الشخصية (ايا كان نمطها وموقعها الاجتماعي)، في الدنيا او الآخرة، تظل مركبة من مجموعة دوافع او حاجات او غرائز، لا مناص من الصدور عنها، وفي مقدمة ذلك (الدافع الى التقدير الاجتماعي) بحيث تتطلع الى كسب التقدير من الآخرين، ولا تتحمل البتة أن تحيا مهنية منبوذة من الآخرين، حتى أن الشخصية مستعدة للموت بدلاً من تعرضها للنبذ الاجتماعي، وهذا من الوضوح بمكان. 
نسوق الحقيقة المتقدمة من أجل التوضيح لظاهرة (الستر)، اي: ان صفة (يا ساتر) تظل مرتبطة بالشخصية والتقدير او النبذ الاجتماعي لها، ان الله تعالى حينما (يستر) على الشخصية ولا يفضحها: حينئذ ستحظى بالتقدير الاجتماعي، وفي حالة العكس، أي عدم الستر فانها تفضح أمام الملأ، وهو ما يدمرها ويعصف بكيانها. 
من هنا، فان (الستر) على ذنبها، يظل تجسيد للرحمة الالهية في أوسع ما يمكن تصوره لمفهوم الرحمة. 
بقي أن نحدثك عن العلاقة بين الصفتين أو المظهرين المتقدمين: يا غافر، يا ساتر. فما هي؟ 
ان الله تعالى قد (يغفر) الذنب بحيث لا يرتب عقاباً عليه، ولكن اليس ذلك فضيحة للشخصية؟ اي، عندما يطلع الآخرون على ذنب لهذه الشخصية او تلك (مع انها ذات موقع اجتماعي) وحينئذ: أليس فضحها (بعد أن كانت متسترة امام الناس، ولا يعلم احد سلوكها المشين) تحطيم لشخصيتها اي، تتعرض للنبذ الاجتماعي، فتهدم سمعتها؟ 
من هنا تجئ سمة (يا ساتر) انقاذاً لهذه الشخصية من السمعة المهينة المضادة لدافع التقدير الاجتماعي، كيف ذلك؟ 
من الواضح ان الله تعالى عندما (يستر) عبده من الفضيحة اي الذنب، عندئذ يكون (الستر) تجسيداً او حاجزاً من (اهانة) الشخصية اجتماعياً، وبذلك يظل التقدير الاجتماعي بالنسبة اليها تحفظاً بفاعليته، وبذلك نحقق اشباعا ً لهذه الحاجة الاجتماعية، وهذا هو منتهى ما تتطلع الشخصية اليه. 
اذن ما اعظم رحمة الله تعالى، متمثلة في غفران الله تعالى لذنب الشخصية ثم في (الستر) عليها وعدم فضحها؟ 
ختاماً نسأله تعالى، ان يغفر لنا ذنوبنا، ويستر علينا، وان يوفقنا لممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة