البث المباشر

شرح فقرة: "والضيق وفساد الضمير..." (٥)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 14:43 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 71

 

بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم وله خالص الحمد والثناء اذ هدانا للتمسك بعروته الوثقى وحبله المتين نبيه المبعوث رحمة للعالمين محمد الأمين وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله وتحياته وبركاته عليهم اجمعين.

السلام عليكم أيها الاحبة ورحمة الله وبركاته طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج.

لا زلنا نعيش في رحاب سيد الأدعية المحمدية الموسوم بدعاء الحجب الشريف، وقد انتهى بنا الحديث الى العامل الثامن عشر من العوامل التي تنغص طيب حياة الانسان في الدنيا والآخرة وهو عامل فساد الضمير، ولخطير آثار هذه العوامل يعلمنا نبينا الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) ان نطلب من الله عزوجل ان يصرفها عنا حيث يقول في المقطع الختامي من ذلك الدعاء المبارك: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).

مستمعيناالافاضل في الحلقة السابقة عرفنا ان معنى (فساد الضمير) هو تحول قلب الانسان او باطنه وسريرته الى وجود مضر له وللآخرين بدلاً من أن يكون معيناً له على سلوك الصراط المستقيم ونافعاً له وللآخرين، فيكون حال من فسد ضميره وباطنه كحال الطعام الطيب اذا فسد اذ يصبح مضراً.
وسبب فساد الضمير هو استشراء الامراض الروحية والقلبية في باطن الانسان كالحسد والحقد وسوء الظن بالله وبعباده والبخل والحرص ونظائر ذلك.

ويستفاد من النصوص الشريفة ان الغفلة عن الله عزوجل وعدم استشعار اطلاعه على باطن الإنسان وما يضمره هي العلة الاساسية للاصابة بفساد الضمير، والى هذه الحقيقة يشير الله اصدق القائلين في الآية ۱۰۸ من سورة النساء حيث يقول تبارك وتعالى في وصف المنافقين: «يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً».

وعلى ضوء ذلك يتضح أن السبيل المحوري العملي للنجاة من فساد الضمير والباطن يكمن في اجتناب الغفلة عن الله عزوجل والاستشعار الوجداني المستمر لحضوره واطلاعه جل جلاله على ما يضمره الانسان فهو الذي لا تخفى عليه خافية ويعلم ما تكن الصدور.

ايها الاخوة والاخوات، وتهدينا النصوص الشريفة الى ان العلة المحورية الثانية لفساد الضمير تكمن في حب الدنيا، إذ ان من المعلوم ان حب الدنيا المحرمة والحرص على متعها الزائلة هو منشأ الامراض الروحية والقلبية وهذه الامراض هي التي تفسد باطن الانسان وسريرته مثلما تفسد الامراض المادية المعروفة باطنه.

والى هذه العلة يشير مولانا الامام الصادق (عليه السلام) الى جانب العلة الاولى وهي الغفلة عن الله حيث قال كما في الجزء الثالث والسبعين من كتاب البحار: (فساد الظاهر من فساد الباطن، ومن أصلح سريرته اصلح الله علانيته، واعظم الفساد أن يرضى العبد بالغفلة عن الله، وهذا الفساد يتولد من طول الامل والحرص والكبر، كما أخبر الله عزوجل في قصة قارون في قوله سبحانه: «وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ»، وكانت هذه الخصال -يعني (عليه السلام) طول الامل والحرص والكبر- من صنع قارون واعتقاده وأصلها من حب الدنيا).

ومن هنا يتضح أن السبيل العملي الثاني للتطهر من فساد الضمير هو الاستعانة بالله عزوجل والاجتهاد في التحرر من حب الدنيا والسعي للتعافي والشفاء من الامراض القلبية المذكورة فهي التي تفسد باطن الانسان وضميره.

احبتنا المستمعين وتهدينا النصوص الشريفة الى العلة المحورية الثالثة لفساد الضمير وهي فقدان البصيرة اي الرؤية الاعتقادية الصحيحة للحياة والكون وحقائق الاشياء. والى هذه العلة يشير مولانا الامام أمير المؤمنين ومولى الموحدين كما ورد في كتاب غرر الحكم أنه (عليه السلام) قال: (صلاح السرائر برهان صحة البصائر).

وعلى ضوء هذه الحكمة العلوية يتضح أن السبيل العملي الثالث للنجاة من فساد الضمير هو السعي الجاد بالاستعانة بالله جل جلاله من أجل الحصول على الرؤية العقائدية الصحيحة تجاه مختلف شؤون الحياة وعواقب الأمور، وهذا الأمر يتحقق من خلال التنور بأنوار هداية النصوص الشريفة.

مستمعينا الاكارم، في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة) نستنير باذن الله عزوجل بالنصوص الشريفة المبينة لبركات النجاة من فساد الضمير. فالى حينها نستودعكم الله وتقبلوا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران جزيل الشكر على كرم المتابعة، دمتم في رعاية الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة