البث المباشر

مقابلة الإساءة بالاحسان

الأحد 21 يوليو 2019 - 13:03 بتوقيت طهران

بسم الله وله خالص الحمد والثناء إذ جعلنا من أهل مودة صفوته النجباء الأئمة الصالحين والرحمة العظمى للخلائق أجمعين المصطفى الأمين وآله الطيبين الطاهرين سلامٌ من الله عليكم أحبتنا ورحمةٌ منه وبركات، معكم في لقاءٍ آخر من هذا البرنامج نستلهم فيه طائفة أخرى من خصال أحباء الله التي جمعها لنا مولانا الإمام زين العابدين علي بن الحسين- عليه السلام- في دعائه الشريف الموسوم بدعاء (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال)، قال- صلوات الله عليه- في المقطع التاسع من هذا الدعاء:
"اللهم صلّ على محمد وآله وسددني لأن أعارض من غشني بالنصح وأجزي من هجرني بالبر وأثيب من حرمني بالبذل وأكافي من قطعني بالصلة وأخالف من إغتابني الى حسن الذكر وأن أشكر الحسنة وأغضي عن السيئة، يا أرحم الراحمين".
مستمعينا الأفاضل، الصفة المحورية التي ترجع إليها خصال أحباء الله الصالحين المذكورة في هذا المقطع هي مقابلة الإساءة بالإحسان والإنعام، وهي أشرف مكارم الأخلاق على الإطلاق وأقرب الأفعال الى مرضاة الله عزوجل، وهذا ما صرحت به كثيرٌ من الأحاديث الشريفة.
فمثلاً روى ثقة الإسلام الكليني في كتاب الكافي بسند صحيح عن مولانا الإمام جعفرالصادق- عليه السلام- قال:
"قال رسول الله- صلى الله عليه وآله-: ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة، العفو عمن ظلمك وتصل من قطعك والأحسان الى من أساء إليك وإعطاء من حرمك".
وفي الكافي أيضاً بسندٍ صحيح عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين زين العابدين صلوات الله عليه، يقول: "إذا كان يوم القيامة، جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ، ثم ينادي مناد:
أين أهل الفضل؟
فيقوم عنقٌ من الناس، فتتلقاهم الملائكة فيقولون: وما كان فضلكم؟
فيقولون: كنا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلمنا، فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنة".
إذن مستمعينا الأفاضل، فإن من أزكى صفات عباد الله الصالحين أنهم يقابلون الإساءة بالإحسان، وهذه مكملة للصفات الزكية المذكورة في المقطع السابع من هذا الدعاء الشريف، فتلك الصفات منطلقة من طلب إستبدال السيئة بالحسنة، فيتعاملون مع من يبغضهم بالمحبة ومن يحسدهم بالمودة، فيستبدلون بذلك بغض المبغض ويحولونه الى محبة لهم ويحولون حسد الباغي الى مودةٍ يبديها لهم.
وفي هذا المقطع يعلمنا إمامنا زين العابدين- عليه السلام- أن نطلب من الله عزوجل أن يوفقنا ويعيننا على التحلي بأن نقابل إساءة من غشنا بالنصح له في الأقوال والأفعال، بغض النظر عن تأثير ذلك في هدايته وتغيير موقفه تجاهنا.
من هنا كانت هذه الصفات والخصال أزكى وأسمى وأشد إخلاصاً لله عزوجل لأن الهدف فيها هو مرضاته فقط دون توقع أي نفع من الناس.
أحبتنا المستمعين، وعباد الله الصالحون يستعينون بالله عزوجل للإستقامة على نهج مجازاة من هجرهم بالبر وإيصال الخير إليهم.
وأن يكون ثواب من حرمهم من العطاء أن يقدموه لهم بروح البذل الإلهي الخالص عندما يحتاجونه تخلقاً بأخلاق الله عزوجل الذي يرزق عباده وينعم عليهم بما يحتاج الأبرار منهم والأشرار.
كما أن من خصال أحباء الله أنهم لا تؤثر فيهم قطعية من قطعهم ولا تصدهم عن صلة من قطعهم بكل ما يناسبه من أنواع الهبات التي يقدرون عليها.
وعباد الله الصالحون يتورعون عن مجازاة من اغتابهم بالمثل، فينزهون أنفسهم عن الفعل الذي سقط فيه من اغتابهم، ويخالفونه الى نقيضه وهو حسن الذكر، فيذكرون من إغتابهم بأحسن ما فيه من صفات.
وهم في كل ذلك يغضون عن السيئة ويقابلونها بالإحسان وليس بالعدل متشبهين في ذلك بخلق ربهم الجليل الذي سبقت رحمته غضبه وسبق إحسانه عدله تبارك وتعالى أرحم الراحمين.
مستمعينا الأفاضل والى جانب الإغضاء عن السيئة يحرص عباد الله الصالحون على شكر كل حسنةٍ تصدر عن أي عبد من خلق الله صغيراً كان أم كبيراً، فقيراً أم غنياً، مؤمناً أو فاسقاً...فهذا خلق يعبر فيه الإنسان عن شكره لله عزوجل، إذ صرحت أحاديث أهل بيت النبوة- عليهم السلام- بحقيقة أن من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، وقد قرن الله تعالى مثلاً شكر الوالدين بشكره فقال في الآيتين الرابعة عشرة والخامسة عشرة من سورة لقمان "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ{۱٤} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً..."
أيها الأحبة، ومسك ختام حلقة اليوم من برنامجكم (سيماء الصالحين) التوجه معاً الى الله طالبين منه إعانتنا على التحلي بما عرفناه فيها من صفات عباده الصالحين من المقطع التاسع من دعاء (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال) وهو :
"اللهم صلّ على محمد وآله وسددني لأن أعارض من غشني بالنصح وأجزي من هجرني بالبر وأثيب من حرمني بالبذل وأكافي من قطعني بالصلة وأخالف من اغتابني الى حسن الذكر وأن أشكر الحسنة وأغضي عن السيئة، يا أرحم الراحمين".

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة