البث المباشر

إباء الضيم واتباع المرشد

الأحد 21 يوليو 2019 - 13:03 بتوقيت طهران

بسم الله وله الحمد على عظمى آلائه ونعمائه إذ رزقنا معرفة صفوة أوليائه، سيد أنبيائه المصطفى واله صلوات الله وبركاته عليهم أجمعين.
السلام عليكم أعزائنا المستمعين، بتوفيق الله نلتقيكم في حلقة أخرى نسعى فيها معا للتعرف إلى طائفة أخرى من صفات أحباء الله وعباده الصالحين، وذلك من خلال التدبر في المقطع الثامن من دعاء (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال) وهو من أجمع النصوص الشريفة الهادية إلى معرفة سيماء الصالحين. قال مولانا الإمام زين العابدين صلوات الله عليه: "اللهم صل على محمد وآل محمد واجعل لي يدا على من ظلمني ولسانا على من خاصمني وظفرا بمن عاندني، وهب لي مكرا على ممن كايدني، وقدرة على من اضطهدني وتكذيبا لمن قصبني وسلامة ممن توعدني ووفقني لطاعة من سددني ومتابعة من أرشدني، يا أرحم الراحمين".
أحبتنا، المقطع السابع من هذا الدعاء الشريف، هدانا إلى أن من أزكى صفات أحباء الله عزوجل عملهم بالأمر الإلهي الذي يتضمنه قوله تبارك وتعالى في الآية الرابعة والثلاثين من سورة فصلت "...ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" ولذك عرفنا أن من خصال أحباء الله أنهم يدفعون بغض أهل الشنئان بالمحبة وحسد أهل البغي بالمودة، وسوء ظن أهل الصلاح بالثقة بهم، والعداوة بالمؤازرة، وخذلان الأقربين بالنصرة وهكذا.
ولكن هذا إذا كان هذا البغض والحسد وسوء الظن والعداوة والخذلان ونظائرها ناشئة عن الجهل أولم تكن عن جحود وعناد، أما إذا كانت ظلما عن قصد وخصام، عن علم وعناد وجحود ومكر، فإن الأمر يختلف والحكم يقتضي من العباد الصالحين أن يتحلوا بصفات أخرى في مواجهة ذلك، وهذه هي التي تشير إليها فقرات المقطع الثامن من دعاء مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال.
قال مولانا الإمام زين العابدين – صلوات الله عليه – في رسالته الشهيرة في الحقوق: " وحق من أساء إليك أن تعفو عنه وإن علمت أن العفو يضر انتصرت، قال الله تعالى: "وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ" " (سورة الشورى٤۱).
مستمعينا الأفاضل، من هذا المنطلق فإن من سيماء الصالحين ومحمود خصالهم أنهم يستعينون بالله عزوجل لكي تكون لهم يد القدرة لردع من ظلمهم واضطهدهم، ويكون لهم لسان وحجة بالغة بليغة تبهت من خاصمهم، وتظفر بمن عاندهم وتفضحه. كما أنهم يتحللون بالفراسة والفطنة وحسن التدبير فيغلب مكرهم العادل مكر من كايدهم ظلما وعدوانا، ويظهرون كذب من قصبهم أي قطعهم بالسب والعيب افتراء وبهتانا، فيسلمون من تهديدات المتوعدين لهم.
روي في كتاب بصائر الدرجات عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – أنه قال: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" .
وفي نهج البلاغة قال مولانا الإمام علي أميرالمؤمنين – عليه السلام –: "اتقوا ظنون المؤمنين فإن الله جعل الحق على ألسنتهم" .
وروي في الكافي عن مولانا جعفر الصادق – عليه السلام – قال، قال الله تعالى: "ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن" .
وفيه عن الصادق – عليه السلام – أيضا قال: "إن الله تبارك وتعالى يقول: من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي" .
أعزائنا يبقى أن نشير هنا أن عباد الله الصالحين لا يندفعون لردع الظالم المعاند بدافع الإنتقام للنفس، بل بدافع دفع الضرر عن أنفسهم ودفع الضرر عن الظالم نفسه لأن الظلم ذنب عظيم يستتبع تبعات دنيوية واخروية، فهم بردعهم الظالم يدفعون عنه أيضا الضرر الاخروي فضلا عن الدنيوي، وهذا ما يشير إليه مولانا الإمام السجاد – عليه السلام – في قوله المتقدم: "وإن علمت أن العفو يضر انتصرت" . من هنا فإن العباد الصالحين يعملون بهذه الصفة بمقدار ما يتطلبه إباء الضيم ودفع ضرر العفو عن الظالم، دون أن يشوب عملهم قصد التشفي والإنتقام.
مستمعينا الأفاضل والخصلة الأخرى من خصال أحباء الله التي نستفيدها من هذا المقطع هي طاعتهم لمن يسددهم ومتابعتهم لمن يرشدهم إلى الحق والهدي، وهذا ما أمرت به كثير من الأحاديث الشريفة، فمثلا روي في كتاب المحاسن عن حبيبنا المصطفى –صلى الله عليه وآله– قال: "مشاورة العاقل الناصح رشد ويمن وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك الناصح العاقل فاياك والخلاف فإن في ذلك العطب" .
وفي كتاب المحاسن عن مولانا الصادق – عليه السلام – قال: "استشر العاقل من الرجال، الورع فإنه لا يأمر إلا بخير واياك والخلاف فإن مخالفة الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا" .
أحبتنا مستعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، في ختام حلقة اليوم من برنامجكم (سيماءالصالحين) ندعوكم للإستماع لمقطع هذه الحلقة من دعاء مكارم الأخلاق وهو: "اللهم صل على محمد وآل محمد واجعل لي يدا على من ظلمني ولسانا على من خاصمني وظفرا بمن عاندني، وهب لي مكرا على من كايدني، وقدرة على من اضطهدني وتكذيبا لمن قصبني وسلامة ممن توعدني ووفقني لطاعة من سددني ومتابعة من أرشدني، يا أرحم الراحمين" .

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة