البث المباشر

التفكير المنتج وآدابه

الأحد 12 مايو 2019 - 08:52 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: فضيلة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الإسلامي من المملكة العربية السعودية
مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مرحباً بكم في لقاء جديد لبرنامج آداب شرعية لحياة طيبة، وموضوع هذه الحلقة هو (التفكير) نرجو قضاء وقت ممتع مع فقرات هذه الحلقة ونتمنى لكم حياة طيبة.
أيها الإخوة والأخوات، إن التفكير يعني إعمال الفكر للتدبر في حقائق الحياة، التفكير كلمة فيها معنى النظر والتفهم وفحص الأمور وبحثها طلباً للوصول إلى حقيقتها والتفكر بالمعنى الأخلاقي هو أن ينظر الإنسان في الشيء على وجه العبرة والعظة لتقوية جوانب الخير والصلاح لجلب السعادة والعيش الرغيد والإيمان، و(التفكير) هو إصطلاح عام يشمل كل انواع النشاط الذهني، فيشمل الإستدلال والتخيل والتأمل وتكوين المعاني الكلية وقد حثت النصوص الشريفة كثيراً على التفكر، فما هدفها من ذلك؟
عن هذا السؤال يجيبنا ضيفنا الكريم في هذه الحلقة سماحة (الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من السعودية) فلنستمع لإجابته:
الحجاب: بسم الله الرحمن الرحيم لقد حثت النصوص الشريفة من خلال كتاب الله عزوجل وأقوال المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين على التفكر والتدبر والتأمل لأن الله عزوجل لما خلق العقل قال له أقبل كما جاء في النصوص ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أفضل منك، بك أجزي وبك أثيب. لما يتأمل الإنسان بعقله وينظر الى هذا الكون الفسيح وينظر في مخلوقات الله عزوجل ويتأمل بتمعن يصل الى نتيجة عظيمة، ماهي؟ ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار. اللجوء الى الله عزوجل، التسبيح لله عزوجل، الإهتداء الى عظمة الله عزوجل والتضرع الى الله عزوجل بأن يقيهم ذلك العذاب وهو عذاب النار وأن يكونوا في جنان الخلد. النصوص كلها تدعو الى التأمل في ذات الله ليصل الى أعلى نتيجة وأعلى مرتبة وهي القرب من الله عزوجل فعندما يكون الإنسان قريباً من الله عزوجل ويهتدي الى الله عزوجل فهكذا خلقه الله وأراده أن يكون في هذا الجانب بأن يكون عبداً لله، عبداً ذليلاً لله عزوجل. بالطبع العبودية هي الأساس فلذلك الإنسان بالتأمل والتعقل يصل الى هذه الدرجة العظيمة وهي درجة العبودية لله عزوجل.
عزيزي المستمع.. تنبع أهمية التفكير من الضرورات التالية:
إن الإنسان وهو يمارس دوره في هذه الحياة، وأياً كان هذا الدور لابد له من ممارسة التفكير لكي يكون قادراً على التعاطي مع ما يقوم به من أعمال وأدوار، فكل خطوة في الحياة تحتاج إلى فكر، حيث أن الإنسان وهو يدير شؤون حياته الخاصة والعامة سيواجه بالتأكيد مشاكل وعقبات وربما تكون يومية؛ والتفكير من أهم الوسائل التي تكشف لك عن كيفية حل المشاكل وتجاوزها، يقول الإمام علي (ع): (من تفكر أبصر) وقال سلام الله عليه: "تفكرك يفيدك الإستبصار ويكسبك الإعتبار". وقد ورد في الحديث الشريف عن أهل البيت عليهم السلام "من أسهر عين فكرته بلغ كنه همته".
إن السر الكامن في العباقر والمخترعين أنهم يركنون إلى تركيز الذهن وإعمال الفكر طويلاً، التفكير هو التأني في اتخاذ القرار الصعب، هو الخطوة الأولى نحو السعادة، إنه ضد العجلة والإرتجال والإندفاع وقد جاء في الحديث الشريف: "العاقل إذا سكت فكر وإذا نطق ذكر وإذا نظر اعتبر...".
عزيزي المستمع.. التفكير العلمي الإيجابي يؤدي إلى امتلاك رؤية واقعية للأمور وقد أوصى الإمام علي إبنه الإمام الحسين (عليهما السلام) بقوله: (أي بني الفكر يورث نوراً والغفلة ظلمة) فالتفكير يورث بصيرة ونوراً، بينما الغفلة تورث جهلاً وضياعاً.
ذات مرة كان أبوذر الغفاري يسير في شعاب مكة وكان ذلك قبل إسلامه فرأى ثعلباً يبول على صنم فقال:

أرب تبول الثعلبان برأسه

لقد ذل من بالت عليه الثعالب


وهذا التفكير قاده إلى رفض الشرك والثبات على الإيمان بالله سبحانه وهنا نسأل ما هي ضوابط التفكير المنتج الذي يكون أفضل من عبادة سنة كما ورد في بعض الأحاديث الشريفة؟
نعود إلى ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من السعودية) لنستمع إلى إجابته عن هذا السؤال:
الحجاب: التفكير الناجح هو التفكير الذي يقود الإنسان الى معنى عبادة الله، العبادة الحقيقية. العبادة نوعان، عبادة من باب التقليد، أرى انسان يركع ويسجد وانا اركع وأسجد او أرى أمي وأبي قالوا لي صل هكذا وانا أصلي بهذه الكيفية هذه عبادة غير ناتجة عن تأمل وتفكر وتدبر لا، هذه ناتجة عن تقليد الآخرين، هذه العبادة مقدارها في الأجر والثواب مقدار قليل جداً. ومعروفة قصة ذلك العابد من بني اسرائيل الذي تعجبت الملائكة من عبادته فأرسل الله له ملاكاً وقال الله يريد أن يكافأك على هذه العبادة، هذه عبادة من غير تفكير ومن دون تأمل يعني الملائكة تعجبت من ركوعه وسجوده فقط لامن فكره وتوجهه الى الله فجاءه ذلك الملاك وقال انا ملك من السماء أرسلني الله اليك يريد أن يكافأك. ماذا تريد؟ قال لاأريد شيئاً ولكن لو أرسل الله حماراً يأكل هذا البرسيم! أنظر الى الفكر الضيق يعني تفكيره في العبادة تفكير ضيق لايعرف من هو المعبود؟ من هو الباري جل وعلا؟ لأجل ذلك النصوص والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين حثوا بالروايات الواردة عن الأئمة صلوات الله عليهم حثوا على أن نتأمل، نتفكر. وبالطبع الباري جل وعلا مدح وأثنى على الذين يتفكرون ليصلوا الى حقيقة وهي "ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً" بالتفكر والتأمل يصل الى العبادة الحقيقة والى الإرتقاء في مفهوم العبادة الحقيقية ولأجل ذلك أمير المؤمنين سلام الله عليه خير من تأمل وتفكر كما ورد عنه في مضمون ما يقول " عبدتك لاطمع في جنتك ولاخوفاً من نارك ولكن وجدتك أهل العبادة فعبدتك" هكذا تكون عبادة الأحرار، العبادة التي يرتقي بها الإنسان المؤمن الممزوجة بالتأمل والتفكر والتدبر. جعلنا الله وإياكم من المتدبرين والمتأملين والمتفكرين في طاعة الله عزوجل.
إذن الإسلام يحث المسلم على ممارسة التفكير المنتج، يقول تعالى:
"وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (سورة الجاثية :۱۳)
لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتفكر في بديع خلقه، وفي عظيم صنعه في هذا الوجود، وفي هذا الكون الرحب بسمائه وأرضه وكواكبه ونجومه وجباله وبحاره وأنهاره، وتعاقب الليل والنهار وتعاقب الفصول وجمال الحياة في الربيع وفي نمو النبات وأنواع الفواكه والثمار مع أنها تسقى بماء واحد وأمرنا بالتفكر في نظام الحياة والمجتمع والإقتصاد وما يصلح الحياة.
قال تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ". (سورة البقرة:۲۱۹)
وقال سبحانه: قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون.(سورة الأنعام:٥۰)
قال عزوجل: "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ".(سورة آل عمران:۱۹۱)
وقال تعالى: "وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ". (سورة ابراهيم:۳۳)
وإنه تعالى أمرنا أن نفكر في تنظيم حياتنا وندبر وتنظم علاقاتنا في الأسرة والمجتمع، ونعيش في سلام ومودة مع من نعاشرهم.
قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ". (سورة الروم:۲۳)
وأمرنا القرآن الكريم أن نفكر في اختلاف البشر إختلافهم في الصور والأشكال واختلافهم في اللغات، هناك مآت اللغات في العالم ولا يوجد إثنان يتشابهان تماماً، خصوصاً في الإبهام، هناك أكثر من سبعة مليارات إنسان يعيشون على الأرض ولا يوجد إثنان يتطابقان تماماً في الأنامل.
قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ" (سورة الروم:۲۲)
إلى هنا نصل إلى ختام حديثنا في هذه الحلقة على أمل اللقاء بكم في حلقة أخرى نقول وداعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة