البث المباشر

خصوصيات وآثار المنهج المحمدي في سير وسلوك إلى الله

الأربعاء 24 إبريل 2019 - 10:42 بتوقيت طهران

الحلقة 5

بسم الله وله الحمد والمجد غاية آمال العارفين وحبيب قلوب الصادقين، وأطيب صلواته الناميات الزاكيات على هداة السائرين إليه وقادة السالكين سبيله، المصطفى الأمين وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم مستمعينا الأكارم وأهلا بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نستنير فيها بأحد أهم نصوص مدرسة أهل بيت النبوة (عليهم السلام) في بيان خصوصيات وآثار المنهج المحمدي في السير والسلوك إلى الله، والنص هو كلمة لسيد البلغاء، مولانا الإمام علي (عليه السلام) ننقله لكم مع توضيحات وشرح جمال السالكين، العارف الرباني الشيخ كمال الدين بن ميثم البحراني، صاحب الشروح الثلاثة لنهج البلاغة.. تابعونا على بركة الله.
قال مولانا الإمام علي، مولا الموحدين وأميرالمؤمنين (عليه السلام)، في وصف السالك إلى الله في إحدى كلمات نهج البلاغة: "قد أحيا عقله وأمات نفسه حتى دق جليله ولطف غليظه وبرق له لامع كثير البرق فأبان له الطريق وسلك به السبيل وتدافعت به الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى ربه".
مستمعينا الأفاضل، العالم الرباني ابن ميثم البحراني، قدم في كتابه شرح نهج البلاغة، توضيحات قيمة لهذا النص العلوي، فقال (رضوان الله عليه):
هذا الفضل من أجل كلام له (عليه السلام) في وصف السالك المحقق إلى الله وفي كيفية سلوكه المحقق وأفضل أموره، فأشار بإحياء عقله إلى صرف همته في تحصيل الكمالات العقلية من العلوم والأخلاق، فأحيا عقله النظري والعملي بها بعد الرياضة بالزهد والعبادة وأشار بإماتة نفسه إلى قهر نفسه الأمارة بالسوء وتفريغها بالعبادة للنفس المطمئنة، بحيث لا يكون لها تصرف على حد طباعها إلا بإرسال العقل وباعثه فكانت في حكم الميت عن الشهوات والميول الطبيعية. وقوله (عليه السلام): حتى دق جليله عن بدنه فإنه أعظم ما يرى منه، ولطف غليظه إشارة إلى لطف بدنه أيضاً ويحتمل أن يشير به إلى لطف قواه النفسانية بتلك الرياسة وكسر الشهوة، فإن اعطاء القوة الشهوية مقتضى طباعها من الإنهماك في المآكل والمشارب مما يثقل البدن ويكدر الحواس ولذلك قيل: البطنة تذهب الفطنة وتورث القسوة والغلظة، فإذا اقتصرت على حد العقل بها لطفت الحواس عن قلة الأبخرة المتولدة عن التملي بالطعام والشراب ويصير ذلك اللطف مسببا لإتصالها بعالمها واستشرافها لأنوار من الملأ الأعلى.
أيها الاخوة والأخوات، وفي نهاية هذه الفقرة من شرح العارف البحراني لكلام أميرالمؤمنين (عليه السلام) إشارة إلى أثر تهذيب النفس في حصول السالك على العلم الإلهامي الذي يمتاز بقوة تأثيره في النفس.
ويتابع العارف ابن ميثم شرحه للكلام العلوي قائلاً: وقوله (عليه السلام) وبرق له لامع كثير البرق، أشار (عليه السلام) باللامع إلى ما يعرض للسالك عند بلوغ الإرادة بالرياضة به حدا ما من الخلسات إلى الجناب الأعلى فيظهر له أنوار الهية شبيهة بالبرق في سرعة لمعانة واختفائه، وتلك اللوامع مسماة عند أهل الطريقة بالوقت وكل وقت فإنه محفوف بوجد إليه قبله ووجد عليه بعده لأنه لما ذاق تلك اللذة ثم فارقها حصل فيه حنين وأنين إلى ما فات منها، ثم إن هذه اللوامع في مبدأ الأمر تعرض له قليلا، فإذا أمعن في الإرتياض كثرت فأشار باللامع إلى نفس ذلك النور وبكثرة برقه إلى كثرة عروضه بعد الإمعان في الرياضة ويحتمل أن يكون قد استعار لفظ اللامع للعقل الفعال ولمعان ظهوره للعقل الإنساني، وكثرة بروقه إشارة إلى كثرة فيضان تلك الأنوار الشبيهة بالبروق عنه عند الإمعان في الرياضة.
وقوله (عليه السلام): فأبان له الطريق، أي ظهر له بسبب ذلك أن الطريق الحق إلى الله هي ما هو عليه من الرياضة وسلك به السبيل أي كان سبباً لسلوكه في سبيل الله إليه.
ويتابع العارف ابن ميثم البحراني شرحه لكلام أميرالمؤمنين (عليه السلام) في وصف السالك الحق قائلاً: وقوله (عليه السلام) وتدافعته الأبواب، أي أبواب الرياضة أي أبواب الجنة أي تطويع النفس الأمارة والزهد الحقيقي والأسباب الموصلة اليهما كالعبادات وترك الدنيا، فإن كل تلك أبواب يصير منها السالك حتى ينتهي إلى باب السلامة وهو الباب الذي إذا دخله السالك تيقن فيه السلامة من الإنحراف عن سلوك سبيل الله بمعرفته أن تلك هي الطريق وذلك الباب هو الوقت الذي أشرنا إليه وهو أول منزل من منازل الجنة العقلية.
وقوله (عليه السلام): وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة فقرار الأمن متعلق بثبته وهو إشارة إلى الطور الثاني للسالك ما دام في مرتبة الوقت، فإنه يعرض لبدنه عند لمعان تلك البروق شدة اضطرابه وقلقه يحس بها خلسة لأن النفس إذا فاجأها أمر عظيم اضطربت وتقلقلت، فإذا كثرت الغواشي ألفتها بحيث لا تزعج عنها ولا تضطرب لورودها على البدن بل تسكن وتطمئن لثبوت قدم عقله في درجة أعلى من درجات الجنة التي هي قرار الأمن والراحة من عذاب الله.
وقوله (عليه السلام) بما استعمل قلبه وأرضى ربه تعالى فالجار والمجرور متعلق بثبتت أيضاً أي وثبتت رجلاه بسبب استعمال قلبه ونفسه في طاعة الله وإرضائه بذلك الإستعمال وبالله التوفيق.
وإلى هنا ننهي، أعزائنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، لقاء اليوم من برنامج (الطريق إلى الله) خصصناه لشرح نص لمولانا أميرالمؤمنين (عليه السلام) في وصف السالك الصادق لله تبارك وتعالى، نشكر لكم طيب الإصغاء وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة