البث المباشر

الشيخ صالح الكواز

الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 09:18 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- مع الصادقين: الحلقة 431

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن الصادقين في خدمة اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم هو الشاعر والعالم وناصر اهل البيت بلسانه وشعره المرحوم الشيخ صالح الكواز رحمة الله تعالى عليه، هو من مواليد الحلة الفيحاء في العراق عام 1233 هجرية، ولد من عائلة بسيطة وابوه كان فلاحاً وهو من قبيلة شمر ونشأ يبيع الكيزات او ما نسميه باللهجة الشعبية في العراق شراب، شربة، له اخ ايضاً من اعلام الشعراء سبق ان تحدثت عنه في حلقة سابقة لكن هذا الفتى كان دؤوب على مصاحبة اهل العلم وكان في زمانه تواجد كبير للعلماء والخطباء في الحلة فكان يصحبهم في الاسفار خصوصاً لزيارة كربلاء، زيارة ابي عبد الله الحسين، لما يكون بصحبة العلماء والخطباء كلامهم كله اما مسألة فقهية او مسألة تاريخية او شواهد ادبية او نصائح وهذا كان معهم وهو في مقتبل العمر وكما يقول الادباء: 

من صاحب العليا علم

من صاحب السفلى ندم

الشاعر يقول: 

صاحب اخا ثقة تحظى بحصبته

فالطبع مكتسب من كل مصحوب

هذه الصحبة حولته من بائع كيزان الى عالم فذ سبحان الله في تطوراته وتحصيلاته المدرسية والدراسية وكان له شوق واذا الشيخ صالح الكواز يشار اليه بالبنان في الادب والعلم والتقوى، واشتهر في الحلة بشكل عجيب وكان من البكائيين على مصاب آل الرسول، لما يحضر في المجلس يتجاوب ويتفاعل مع المصيبة - اعوذ بالله من عين لا تدمع - ويجدر ان اذكر هنا انه كانت الحلة اذا غاب بعض ائمة المساجد عن امامة الصلاة لمرض او لسفر، المصلين يعوضون ذلك الامام العالم ويستعيضون بالشيخ صالح الكواز يأتمون به في الصلوات الخمس. ثم تدرج واصبح يعرف بانه شاعر متقدم خصوصاً التوفيق كان يلازم شعره واصبح شعره يعرف بانه من القلب الى القلب لانه كان ينظم لله أسأل الله ان يجعل اعمالنا لله ومن اشهر قصائد الشيخ صالح الكواز الموفقة قصيدته في الزهراء فاطمة وهي تنتهي بالحسين عليه السلام هذه القصيدة من يوم طفولتي والى الان اسمعها تقرأ ايام وفاة الصديقة الزهراء سلام الله عليها مطلع هذه القصيدة هو: 

هل بعد موقفنا علي يبريني

احيا بطرف بالدموع طنيني

ثم يقول: 

قد كدت لولا الحلم من جزعي

لما القاه اصفق بالشمال يميني

وانا الذي لا اجزعن لرزية

لولا رزاياكم بني ياسين

ويأتي بعد ذلك مقطع مروع للقلوب لما يذكر مأساة الزهراء ومصائبها ويقول:

ومجمع حطب على البيت الذي

لم يجتمع لولاه شمل الدين

ويقول اقرانه انه امر بان تكتب هذه القصيدة على كفنه كما اوصى دعبل الخزاعي ان تكتب قصيدته التائية على كفنه او الازري رحمه الله قصيدته الهائية امر ان تكتب على كفنه او تدفن معه، هذه قصيدة الشيخ صالح الكواز.
هل بعد موقفنا علي يبريني جاراه بها احد علماء كربلاء وخطبائها وشعراءها وهو الشيخ محسن ابو الحب رحمة الله عليه ايضاً بنفس القافية ونفس الوزن وبنفس الاداء يقول: 

ان كنت مشفقة علي دعيني

مابال لومك في الهوى يؤذيني

قالوا التوجد قلت ما هو مذهبي

قالوا التجلد قلت هذا ديني

ثم يقول: لا في رباب ولا في سعاد، ثم يذكر ويتخلص بمصائب الحسين الشيخ صالح الكواز رضوان الله عليه له قصائد كثيرة في اهل البيت لكن هذه القصيدة موفقة بشكل غريب، له مثلاً قصيدة في رثاء زي الشهيد رضوان الله عليه مطلعها:

كأن السماء والارض فيه تنافسا

فقال الفضا منه اعز المراتب

هذا معنى بديع لم يسبق لاحد ان اشار اليه، الشيخ صالح الكواز رضوان الله عليه، اذكر عنه بعض النوادر وبعض النكات طبعاً هو مظهره لا يتفق مع محتواه ونحن عندنا قاعدة اجتماعية الرجال مخابر لا مناظر فهو كسب شهرة عالية في العراق بكله في المنطقة وكان لما يسافر ملابسه ومنظر مظهره عادي واقل من عادي فلا يصدق احد حينما يراه ان هذا رقم عالي من فطاحل الادب والفقه حتى صادف مرة في هذا السياق انه كان اتى الى بغداد، في بغداد كان هناك منتدى ادبي في بيت الشاعر عبد الباقي الموصلي العمري، داره كانت ديوان للشعراء ويحضر الشعراء منهم واحد يعرف بناطق بغداد، واحد شاعر بغداد، عبد الباقي العمري وغيره كان يسمعون بالشيخ صالح الكواز ولكن لم يروه وكان يقرؤون شعره، دخل الشيخ صالح الكواز الى هذا المنتدى وبوضعه البسيط جلس وكأن هؤلاء تضايقوا وسألوا هل هذا عابر سبيل، هل هو يتكدى، من المساكين الذين تقطعت بهم السبل، احدهم سأل عبد الباقي فقال لا اعرفه، عبد الباقي طلب ماءً، قام شاباً جميلاً في المجلس واتى بالماء لعبد الباقي كان الاناء من البلور وماء دجلة الصافي والساقي شاب جميل فلما شرب عبد الباقي الماء سأله ما اسمك فقال الشاب اسمي مالك، عبد الباقي كأديب وشاعر ارتجل وقال:

ونديم قل ما اسمك

يا حبيبي قال مالك

الشيخ صالح الكواز الصعلوك في نظر هؤلاء اكمل البيت على سبيل البديهة وارتجالاً هادءاً قال:

قلت صف لي حسنك الزاهي

وصف حسن اعتدالك

قال كالبدر او الغصن

او ما اشبه ذلك

واذا عبد الباقي العمري انقلب مئة وثمانين درجة فقال له من انت الذي لديك هذا الاستعداد والارتجال والاريحية؟ ما هذه السرعة والبديهية عندك؟ 
تبسم الشيخ صادق قال: ألم تعرفني؟ 
قال: لا والله. 
قال: انا ذلك الرجل. 
قال: أي رجل. 
قال: انا الذي اخرست ناطق بغداد وشاعرها وما تركت لعبد الباقي من باقي، الجالسين احدهم شاعر بغداد وواحد ناطق بغداد واذا عبد الباقي صعق وصاح كأنك الشيخ صالح الكواز وثب عليه والحضار عانقوه بحرارة واعتذروا اليه وفرحوا به واستغفروا له لعدم الاحتفاء به وبعد ذلك قابلوه باجلال واستفادوا منه، هذا ما حدث للشيخ صالح الكواز نتيجة عدم توافق شكله ومظهره مع باطنه، المرحوم الكواز له ابيات في الموعظة والحكمة قرأت له بيتين يعرب بهما ما في صدره من ذكريات وكيف ان الشيب يهدد ذلك بالنسيان يقول رحمه الله:

قلبي خزانة كل علم كان في عصر الشباب

فأتى المشيب فكدت انسى فيه فاتحة الكتاب

له كثر من المآثر والذكريات ولكن الوقت انتهى له بيت يجسد فيه او يشبه فيه الحسين بنبيين من اولي العزم:

كأن جسمك موسى اذ هوى صعقاً

وان رأسك روح الله اذ رفعا

توفي المرحوم الشيخ صالح الكواز عام 1290 في الحلة ونقل جثمانه الى النجف الاشرف ودفن في وادي السلام أسأل الله له الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة