البث المباشر

من تاريخ الثورة الإسلامية.. الاعتصام الذي أعاد الإمام الخميني إلى ربوع الوطن

الأربعاء 2 فبراير 2022 - 09:35 بتوقيت طهران
من تاريخ الثورة الإسلامية.. الاعتصام الذي أعاد الإمام الخميني إلى ربوع الوطن

قرار الإمام الخميني (قدس سره) بالعودة إلى إيران، دفع النظام البهلوي إلى اتخاذ إجراءات ألهبت نيران الثورة في أعماق الناس وضاعفتها. كان التاريخ المُعلن هو الخامس والعشرين من كانون الثاني عام ١٩٧٩ لكن الأخبار كانت تحكي وجود نقصٍ فني في الطائرة المقرر إقلاعها إلى باريس وإغلاق مدرج مطار مهرآباد بواسطة دبابات وشاحنات الجيش؛

 وأخيراً تم الإعلان عن إلغاء كافة رحلات مطار مهرآباد على مدى ثلاثة أيام. قرر علماء الدين الثوريون الاعتراض على حركة النظام هذه واتخذوا قراراً يقضي بالاعتصام في مسجد جامعة طهران. كان الإمام الخامنئي حينها عضواً في شورى الثورة، وقد تكفل بمسؤولية لجنة الاعتصام الإعلامية.

مع إغلاق المطار وبعد انطلاق مسيرات شعبية واسعة غداة يوم الخامس والعشرين من كانون الثاني الذي كان قد أُعلن سابقاً أن الإمام سيعود فيه إلى إيران (الذي صادف ٢٨ صفر)، اجتمع القادة الثوريون في مقر لجنة استقبال الإمام الخميني في مدرسة رفاه لكي يتناقشوا حول هذه القضية. تم اقتراح إطلاق اعتصام. ”لم تكن فكرة الاعتصام في طهران غير مرتبطة بتجربة الاعتصام في مشهد، أي أن تجربة الاعتصام الناجح في مشفى الإمام الرضا (عليه السلام) في مشهد، شكلت حافزاً لهذا الاعتصام الذي انطلق في طهران.“(١)

 

بعد إقرار أصل فكرة إطلاق الاعتصام، جرت مباحثات حول مكانه: ”جرت مباحثات لمدة معينة حول المكان المقرر لهذا الاعتصام، فالبعض كانوا يقولون في مسجد البازار، ومسجد الإمام الذي كان حينها يُدعى بمسجد الشاه، والبعض الآخر كانوا يقترحون أماكن أخرى واقتُرحت الجامعة فجأة فشعرت بأنه اقتراح رائع للغاية وجيدٌ من النواحي كلها.“(٢)

 

يقول المرحوم آية الله طاهري خرم آبادي في هذا الشأن: ”كانت إحدى الآراء أن يكون الاعتصام في مكان ديني. ولذلك تم تعيين مسجد الشاه سابقاً. كان الأصدقاء يقولون أن ذلك المكان هو أفضل الأمكنة للاعتصام. كان المسجد يقع في البازار وكان الناس يترددون إلى المسجد وأطرافه. كانت هناك أيضاً وجهة نظرٍ مغايرة كان ينحاز الشهيد مطهري لها أيضاً وهي الاعتصام في الجامعة. كان المؤيدون لوجهة النظر هذه يعتقدون أن اسم الجامعة هو اسمٌ عالمي سوف يتم تداول خبر هذا الاعتصام على المستوى العالمي من خلال هذه الطريقة وسوف تتحدث عنه وسائل الإعلام العالمية أيضاً؛ إضافة لهذا الأمر سوف تتكون علاقة وثيقة مع شريحة الجامعيين.“(٣)

 

مع اختيار جامعة طهران ”ذهب الإخوة إلى الجامعة في الصباح الباكر… وللإنصاف فقد عرقلوا الأمور ووضعوا عوائق عديدة في طريقنا لكن باب المسجد كان مفتوحاً لحُسن الحظ، ودخلنا نحن إلى المسجد وحولنا على الفور تلك الغرفة الصغيرة في المسجد إلى مركز لإدارة الأعمال ونشرنا بياناً على الفور؛ أي أن أول ما فعلناه كان كتابة بيان.“(٤)

مسجد جامعة طهران

 

وهكذا انطلق الاعتصام وأُصدر البيان الأول لعلماء الدين المعتصمين في مسجد جامعة طهران بتاريخ ٢٨ كانون الثاني عام ١٩٧٩. جاء في قسم من هذا البيان: ”إننا واعتراضاً على الأعمال العدائية ضد الإنسانية التي تمارسها حكومة بختيار غير القانونية نعلن عن اتخاذنا القرار بالاعتصام في مسجد جامعة طهران منذ الساعة التاسعة صباحاً يوم الأحد الواقع في ٢٨ كانون الثاني حتى عودة سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (دام ظله) إلى الوطن وكنف شعبه المفعم بالمحبة وسوف نُبلغ من هذا المكان المقدس وإلى جانب إخواننا الجامعيين نداء مطالبتنا بالحق إلى أسماع العالم.“(٥) ومع بداية الاعتصام، تدفقت سيول الجموع إلى جامعة طهران. وكان مختلف علماء الدين يوصلون أنفسهم بأي نحو كان إلى مسجد الجامعة وينضمون إلى المعتصمين.

 

”لو لم تكن الخطابات والبيانات لم يكن ليتم إدراك ما جرى، لما كان الناس علموا بما يحدث وكان بإمكان أجهزة النظام الدعائية إظهار الأمر بنحوٍ آخر لذلك كان يتم تنفيذ برامج عديدة في الجامعة. إحداها هي الخطابات التي كانت تتم بشكل متواصل في مسجد الجامعة وقد قمنا جميعاً بإلقاء خطاب هنا وكان الآخرون يلقون الخطابات. ومن البرامج الأخرى كانت البيانات، وإحداها كانت مجلة، كنا ننشر نشرة يومية.“(٦)

الإمام الخامنئي قبل الثورة الإسلامية

 

لكن الغرفة الصغيرة المحاذية للمسجد تحولت إلى مقر لقيادة الاعتصام في طهران. تشكلت بعض اللجان الأساسية المعنية بالاعتصام وبعضها كان: لجنة العلماء القرويين ولجنة الدعم؛ وكانت هناك لجنة أخرى هامة تُدعى لجنة الإعلام. وكان تحمل مسؤولية هذه اللجنة على عاتق آية الله خامنئي الذي كان ينشر مجلة في تلك الأيام: ”لا أنسى ذلك اليوم عندما جئنا أنا والمرحوم السيد بهشتي ودخلنا من باب الجامعة الشرقي. كان أحد الأصدقاء الأعزاء والعلماء الأجلاء … قد سبقنا إلى هناك، وأجرى التنسيقات وفتح باب الجامعة الشرقي -لأن الباب الجنوبي الذي كان الباب الأساسي، [كان يقع تحت سيطرة النظام] ولم يكن ليُفتح لنا- وقد دخلنا نحن إلى الجامعة من هناك، دخلنا إلى مسجد الجامعة، وتوجهت أنا العبد إلى الغرفة الواقعة خلف المسجد -وقد كانت غرفة صغيرة، لست أعلم الآن إن كانت موجودة أو لم تعد موجودة- جلسنا هناك وأطلقنا منذ اليوم الأول مجلة للاعتصام، وقد انتشرت بعض أعدادها في يوم الاعتصام الأول.“(٧)

 

فرض اعتصام العلماء الذي كان ذكياً وفي محله وارتداداته الواسعة ضغطاً قوياً على بختيار (آخر رئيس وزراء في إيران تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي) وأربكه بشدة. بحيث لجأ بختيار إلى التفاوض غير المباشر مع قيادات الاعتصام أيضاً؛ ولو أنه كان عاجزاً عن دفعهم إلى مصالحة وتنازل. يقول آية الله جمي في هذا الصدد: ”لقد كنا على علم بأن بختيار مُرتبك، وأنه يُجري اتصالاتٍ مع بعض قيادات الاعتصام ولجنة الاستقبال. فقد كان على تواصل مع سادة مثل الشهيد بهشتي والشهيد مطهري لكي يقوموا بفعل شيءٍ ما. وقد كانا يجيبانه بصلابة وقوة أن لا سبيل غير هذا السبيل وينبغي أن يعود الإمام الخميني حتماً وسوف يستمر الاعتصام حتى عودة الإمام.“(٨)

 

على أي حال عندما أدرك بختيار أنه لا يستطيع دفع قادة الاعتصام للاستسلام ومن جهةٍ أخرى لا يستطيع الصمود أمام الضغوط المتزايدة التي سببها الاعتصام، استسلم في نهاية الأمر لإرادة المعتصمين والشعب الداعم لهم وأعلنت الحكومة أن لا يوجد مانعٌ فيما يخص دخول الإمام الخميني إلى الوطن وأدى هذا الاعتصام إلى أن يتحقق ركن أساسي (أي عودة الإمام الخميني إلى البلاد) في انتصار الثورة في تلك المرحلة. ولذلك ينبغي أن ننظر إلى ذلك الاعتصام على أنه شكل إحدى أهم وقائع الثورة الإسلامية.

-----

الهوامش:

 

١- حوار القناة التلفزيونية الثانية مع الإمام الخامنئي حول ذكريات ١١ شباط، ٣١/١/١٩٨٥

٢- حوار القناة التلفزيونية الثانية مع الإمام الخامنئي حول ذكريات ١١ شباط، ٣١/١/١٩٨٥

٣- ذكريات آية الله طاهري خرم آبادي، دار نشر مركز وثائق الثورة الإسلامية، المجلد ٢، الصفحات ٢٨٣ و٢٨٤

٤-حوار القناة التلفزيونية الثانية مع الإمام الخامنئي حول ذكريات ١١ شباط، ٣١/١/١٩٨٥

٥- جريدة كيهان، ٢٩ كانون الثاني ١٩٧٩، الصفحة الأولى

٦- حوار القناة التلفزيونية الثانية مع الإمام الخامنئي حول ذكريات ١١ شباط، ٣١/١/١٩٨٥

٧- كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه بوزير العلوم وأساتذة جامعة طهران، ٢/٢/٢٠١٠

٨- ذكريات آية الله جمي، الصفحة ١٨١

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة