البث المباشر

جائحة كورونا تُبرز حاجة العالم إلي منجي

الثلاثاء 5 مايو 2020 - 13:33 بتوقيت طهران
جائحة كورونا تُبرز حاجة العالم إلي منجي

أكد الباحثون والعلماء المشاركون في ندوة "كورونا؛ جدليات الخلاص" عبر الفضاء الافتراضي أن تفشي فيروس كورونا المستجد جعل العالم يشعر بضعفه ويشعر أكثر من أي وقت مضي بحاجته إلي منجي يخلصه ممّا هو فيه.

ونظمت المستشارية الثقافية الإيرانية في لبنان بالتعاون مع وكالة (إكنا) ندوتها الفكرية الثالثة ضمن سلسلة «جدليات كورونية عبر الفضاء الإفتراضي»، تحت عنوان «كورونا: جدليات الخلاص» (مقاربة فكرية حول مفهوم النجاة والإنتظار بعد التأثيرات والتداعيات التي ولدتها جائحة كورونا على الإنسان والمجتمع).

وأقيمت هذه الندوة عصر الجمعة، الأول من شهر مايو / أيار 2020 للميلاد في تمام الساعة الثالثة عصراً بتوقيت بيروت عبر تطبيق Zoom Cloud Meeting الذي يمكن تحميله عبر الهواتف والأجهزة اللوحية والكومبيوترات، وذلك بالتعاون مع وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إكنا).

وشارك في هذه الندوة كلّ من: الباحث الاسلامي "الشيخ محمد سعيد النعماني" للحديث عن "المنجي في الفكر البشري والكتب السماوية في ظل تداعيات كوورنا"، ومطران جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس "مار ثيوفيلوس جورج صليبا" للتطرّق إلى "إنتظار المنجي والاستعانة بالله والسيدة العذراء والأولياء الصالحين في زمن كورونا"، ومؤسس ومدير المركز العلمي للدراسات والأبحاث القرآنية في لبنان "الشيخ الدكتور أحمد محمد قيس" الذي تحدّث عن "القلق الانساني المعاصر وأسئلة العودة الى الفطرة الدينية"، بالإضافة إلى المفتي السابق في أستراليا ونيوزيلندا "الشيخ تاج الدين الهلالي" الذي تحدث عن أنماط الخلاص واتجاهاته في زمن كورونا.

للانتظار فلسفةٌ لم تنفك تصاحب التفكير البشري
في بداية الندوة، ألقى المستشار الثقافي الإيراني في لبنان د. عباس خامه يار متوجهاً بالشكر للمشاركين في اللقاء، ومشدداً على أن "الندوة ستحاول تقديم مقاربة فكرية أولية حول مفهوم النجاة والإنتظار بعد التأثيرات والتداعيات التي ولدتها جائحة كورونا على الإنسان والمجتمع، فالإنتظار مفهومٌ قديم لطالما صاحب فكرة العدالة المؤجل تحقيقُها بفعل الشر الموجود في الجماعة وفي الفرد، لكنها لا بد أن تتحقق وإن يكن في عالمٍ آخر، هي فكرة الخلاص التي تتجسد في الديانة المسيحية وشخصية المسيح المخلص عندها، وثقافة انتظار القائم في الإسلام، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً".

وأضاف خامه يار: للإنتظار إذاً فلسفةٌ لم تنفك تصاحب التفكير البشري منذ عهد الفلسفة الهيلينية واليونانية وحتى الحداثة وأن الكون لطالما كان في تصور الفلاسفة مدينةً ينتصر فيها الخير بحكم الأخلاق أو العقل العملي كما يعبّر "كانت".

وقال خامه يار: ونحن في جدلية الخلاص من مخلفات الكورونا، نرى فلسفة الإنتظار والتدبير تطفو على سطح التفكير الإنساني الراهن، انتظار الخلاص السماوي من هذه الأزمة والتدبر والتدبير للخروج من هذه الحقبة الوبائية بأقل الخسائر الممكنة، سواءً على صعيد الإقتصاد أو المعنوية.

واعتبر خامه يار أنه إذا سلّمنا بأثر الوباء السلبي في إيجاد التباعد الإجتماعي، غير أننا لا ننكر تقاربنا الأسري وتعاطفنا الإنساني مع أخينا الإنسان، هذا التعاطف الذي يعد أنبل المشاعر الإنسانية.

وختم خامه يار كلامه بالقول: إن الإيمان هو العامل المجهول خلف ستارة الإنتظار، إذ لا ينتظر النجاة إلا من آمن بوجود المنجي، أكان مخلصاً أو إماماً، أو إلهاً واحداً أحداً.. وفي ذلك كُنهُ التسليم والتوحيد واليقين.

الإسلام أكثر من غيره إلتفت الي قضية الظهور
من جهته تحدث الباحث الإسلامي والعضو في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران من مدينة قم  الشيخ "محمد سعيد النعماني" فاعتبر أن هناك ضحايا لجائحة الكورونا بمئات الآلاف ونري سقوط الضحايا لم يتوقف في أمريكا وإسبانيا وكافة أوروبا.

واستطرد الشيخ النعماني قائلاً: البشرية قد مرت طوال تاريخها بكوارث عديدة وكان لهذه الأحداث آثار سلبية وأخري إيجابية بحيث أن الإنسان يلتفت إلي نفسه ويري كيف يقف ضعيفاً عاجزاً أمام فيروس صغير جداً.

وأضاف الشيخ النعماني: فيروس كورونا المستجد أخذ الكثير من الضحايا ولكنه في نفس الوقت له إيجابيات منها أننا وجدنا أن الكثير أصبح يهتم بالدعاء، ووجدنا أن بعض الدول أصبحت تسمح ببث الأذان بعد أن كانت تمانع من ذلك لأنها وجدت فيه جرعة من الإيمان تساهم في الخلاص من الجائحة.

وأكد أن "السؤال هو كيف يمكن أن نستفيد من الجائحة؟" وأجاب قائلاً: إن الدعاء والتوجه إلي الله المنقذ الأول والأخير هما في فطرة الإنسان التي فطر الناس عليها وقد إتخذهما الإنسان سبيلاً لمواجهة الكورونا.

وختم الشيخ النعماني كلامه بالقول أن كورونا فرضت علي الناس الجلوس في البيوت وأن ذلك أدي إلي عنف أسري مطالباً العلماء والمصلحين بالإهتمام بظهور هكذا ظواهر.

الوباء أظهر ضعف البشر / اللجوء الي الله خير سبيل
بعدها تحدث مطران جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس "مار ثيوفيلوس جورج صليبا"، فأكد على أن "فيروس كورونا أظهر ضعف البشر وإننا أمام هذا الداء الكبير أمام كورونا نري أفضل شيء هو اللجوء إلي الله.

وشرح المطران صليبا الرؤية المسيحية حول جائحة كورونا، مشيراً إلى أن  ما نتكلم عنه هذه الأيام هو الداء الخبيث الذي شل البشرية من أقصاها إلي أقصاها، والإنسان هو جنس بشري خلقه الله ومتعه الله بكل الصفات.

وأوضح المطران صليبا أن "كورونا أظهرت الضعف البشري ومحدودية الإنسان، ولكن الله يوجد من المحنة خلاصاً، هكذا نحن نعلم في ديننا وفي أخلاقياتنا وفي رسالتنا الدينية المسيحية ونحن أبناء دين سماوي نلتقي علي عبادة الله الذي خلق لنا كل ما يري وما لايري".

وأضاف المطران صليبا  أن "هذه التجربة سمح الله بها كيلا يرتفع جنس البشر فوق ما هو، عقل البشر يستوعب أشياء كثيرة امتدت آفاقه وعلومه ومعرفته إلي أجزاء كثيرة من العالم، وأحياناً كثيرة بلغ السهي بتفقد الكواكب والوصول إلي المجرات وكل ما له علاقة بالعلم وذلك بنعمة ومواهب من الله لأن الإنسان لن يعطي من حكمة إلا من الله".

وختم صليبا كلامه قائلاً: نحن عندما نمر بالتجارب نفكر في الله ونحن في راحتنا وحياتنا نهمل أو نتكاسل في ذكر إسم الله، وطلب رحمته ونعمته ومحبته علينا، أننا الآن أمام هذا الداء الكبير أمام كورونا نري أفضل شيء هو اللجوء إلي الله.

الإستقراء لتاريخ الإنسانية الديني يظهر أن البشرية قد تعرّضت الى الكثير من الإبتلاءات
بدوره، تحدث مؤسس ومدير المركز العلمي للدراسات والأبحاث القرآنية في لبنان "الشيخ الدكتور أحمد محمد قيس" عن "القلق الإنساني المعاصر وأسئلة العودة إلى الفطرة الدينية" مؤكداً على أن على الإنسان أن يتعرّف على كيفية تعاطيه مع الإبتلاءات والأزمات كمدخل أوّلي حتى يستطيع أن  يتعرّف على ما يجب علينا فعله في أزمتنا الحالية وغيرها.

وأضاف الشيخ قيس "بحسب الإستقراء لتاريخ الإنسانية الديني وغيره، نجد أنها قد تعرّضت إلى الكثير من الإبتلاءات وبأشكال متعددة ومتغايرة إلاّ أن النتيجة لشكل التعاطي الإنساني معها يبدو إلى حدٍ ما واحداً لا سيّما في مرحلة العجز النهائي وخاصة لجهة المضمون أو الإعتبار الغيبي.

وقال الشيخ قيس: إذا ما أردنا أخذ بعض الأمثلة القرآنية على ذلك وفق تلك المنهجية التي أوردها المولى عزّ وجلّ في كتابه العزيز، نجد أن الإبتلاء ظهر بأشكال وأنواع متعددة: منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي ومنها ما هو خاص ومنها ما هو عام ومنها ما هو تاريخي ومنها ما هو مستقبلي ومنها ما هو ردعي وتأديبي، ومنها ما هو عقوبة وغضب.

وبعد أن استعرض الشيخ قيس عدداً من الشواهد القرآنية التي تُظهر كيفية  تعاطي الناس مع هذه الإبتلاءات بأنواعها المتعددة، قال: بناءً على كل ذلك، نجد أن القاسم المشترك لدى هؤلاء كافة كان هو الدعاء للغيب والتوسل بتلك القدرة مع اختلاف موقع الداعي بين مؤمن به أو غير ذلك. وعليه، يكون المنهج البشري قد اعتمد على الدعاء للغيب عند فقده للحلول المادية كما مرّ معنا سابقاً.

وسأل في حديثه: أمّا في أزمتنا الحالية المتشعبة بين (وبائية صحية) و (مالية إقتصادية) وتحديات عسكرية وأمنية وثقافية وغير ذلك، فكيف لنا مواجهة كل ذلك وبأي منهج؟

فقال الشيخ قيس: لا بدّ من القول بأنّه من حق الناس أن يخافوا وأن يرتعبوا وأن يتساءلوا وهذه كلها أحاسيس ومشاعر طبيعية، وخلاف ذلك إدّعاء فارغ. أما عن طريقة ومنهج التعاطي مع هكذا أزمات وغيرها فهو يتلخص بالعودة إلى الله سبحانه واعتماد المنهج الذي شرّعه لنا في محكم كتابه.

وختم الشيخ قيس حديثه: بناءً على ما تقدم، أي من خلال الإيمان بالله سبحانه وتعالى والتوجه بالدعاء إليه في السّراء والضرّاء، والأخذ بالأسباب التي سببها الباري عزّ وجلّ نصل إلى شاطئ النجاة. ولكن تبقى معنا مسألة نحتاجها في رحلة النجاة هذه إن أحسنّا العمل معها وصلنا بأمن وأمان وسلام، وإن لم نحسن التعامل معها زاد الهم والبلاء.

كورونا يتحدث بإسم المستضعفين
بعد ذلك تحدث الشيخ تاج الدين الهلالي المفتي السابق في استراليا ونيوزلند فقال: نحن والعالم كله مقبلون على متغيرات جذرية، وهذه التغيرات إن لم يكن لنا دور فيها ستؤول الأمور ضدنا. إن من الثمار الإيجابية التي أثمرتها الغزوة الكورونية عن طريق دكتاتور العدالة الكونية (كورونا) هي إغلاق مساجد المسلمين (وهذا ما يحزننا كثيراً)، وذلك من أجل أن تعيد حساباتها وتجدد خطاباتها وتصلح سماعاتها وتنهض بتبعاتها وبرمجة مشايخها ودعاتها، لا بد علينا كمسلمين أن نجعل من هذه المساجد في الأيام القادمة خصوصاً في بلاد الغرب، لا بد أن يكون عندي خطاب ديني في البلاد المهجرية، وخطاب ديني جديد على الساحة الإسلامية حيث أن هناك قاذفات صواريخ في الفتنة المذهبية، بعض المساجد كانت وسيلة تخريبية وليس كلها.

وأضاف الشيخ الهلالي "إن علينا أن نعيد حساباتنا في المساجد ولا بد أن نحمل مفهوماً عاماً للإسلام، ولا بد أن نعمق الفهم الكامل لمعنى كلمة الإسلام، الإسلام بين العبد وربه، الإسلام بين العبد ونفسه، الإسلام بين العبد وأخيه الإنسان، الإسلام بين العبد وسائر الأجناس التي تشاركه الوجود، كله متغير، فيها رب وليس ترامب، ولا يقع في ملكه إلا ما أراد.  وختم الشيخ الهلالي كلامه بالقول: نحن نطالب أخواننا الدعاة إلى الإسلام، أن نعيد حساباتنا وأن نبرمج أفكارنا ونعيد نظرة مستقبلية كيف نعرض بضاعتنا على المستوى العالمي والداخلي والخارجي.

ثم كانت مداخلات لعدد من المشاركين، ومن بينها مداخلة للمفكر المسيحي الدكتور أنطوان بارا من الكويت والذي اعتبر أن علينا أخذ عبرة من هذا الوباء، وأنه اخترق أبعاداً صحية وفقهية وعقلية وأخلاقية وسياسية واقتصادية، كلنا لمسناها وعايشناها، وأن هذا الوباء علّم الناس كيف يبتعدون عن السرف في الإنفاق ومضارّه واحترام نعمة الله سبحانه وتعالى وعلمنا كيف نحافظ عليها.

وأضاف بارا: الزعماء المتجبرون أيقنوا بأنه لا محيص لهم من الإصابة في هذا الوباء، وآخرهم رئيس وزراء بريطانيا أصيب بهذا الفيروس، حيث  التجأوا إلى سياسة القطيع، ترك الناس تختلط بعضها ببعض فمن يموت يموت ومن.....".

وأشار الدكتور انطوان بارا إلى أن هذا الوباء هو بلاء من الله تعالى للبشرية وهو بمثابة طُعم بشري لو لم يبلوهم الله به لهلكوا، وهو بمثابة محطة للرجوع إلى النفس والإبتعاد عن الإسراف في الإنفاق.

من جهتها الدكتورة ليلى شمس الدين من لبنان تساءلت: هل هي نعمة أم نقمة، أقول أن وضعنا اليوم في العالم ككل وضع المترّقب الذي يجب عليه أن يحوّل هذه الأزمة إلى فرصة.

أضافت شمس الدين: دون شك أن أزمة كورونا هي أزمة نعمة. لن أدخل في التحديات والتفاصيل التي تفضّل بها الأساتذة الأفاضل قبلي، لكن أريد أن أقول: نحن ربما نكون عاملين في هذا العالم كمثقفين أو كـ..الخ، كل هذه التوصيفات التي من المفترض أن يكون لنا دور فيها، ليس فقط دور المتلَقي أو دور المراقب، إنما دور العامل الفاعل، أقولها من المنطلق الإيماني وهو بدوره لا ينفصل عن المنطلق الديني – الإنساني، وهذا الوقت الذي نحن موجودون فيه يعتبر فرصة للبشرية جمعاء. إننا أصحاب ديانة، دين سماوي هو لخير البشرية.

ثم كانت مداخلة للإعلامي اللبناني ناجي أمهز الذي اعتبر أن "هناك تناغم في قضية كورونا، وهناك وحدة بين الأديان أصبحت متكاملة في ظل هذه الأزمة التي تعصف العالم. وكحكم عملي في الإعلام ومجال الكمبيوتر، أود الإختصار وأقول: أكثر شيء يشدني في هذه الفلسفة هي مقولة الإمام علي "ع" يقول: (نعمتان مجهولتان الصحة والأمان). اليوم العالم كله يعيش هذه الأزمة، أزمة فقد الصحة، لذلك كل هذه الدراسات الموجودة على المستوى العالمي إن كانت طبية أو فلسفية أو استراتيجبة أو اقتصادية أو حتى اجتماعية تدور في هذا المجال.

وأضاف أمهز: أعتقد أن هذه المنظومة الراسخة في الوجدان الإنساني وحتى السماوي هو ما قاله الإمام علي"ع": نعمتان مجهولتان الصحة والامان، لذلك أتمنى أن نذكر في أي حلقة نتحاور حول هذا المصطلح".

بعدها كانت تعقيبات وتوصيات من عدد من المشاركين في الندوة التي أدارها أستاذ علم الكلام والفلسفة في الجامعة اللبنانية الدكتور خضر نبها.

الجدير ذكره أن الندوة الرابعة ستقام الجمعة المقبل في 8 أيار الثالثة بتوقيت بيروت تحت عنوان "كورونا: جدليات القرية الكونية والقرية الآمنة".

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة