الخطبة ۹۰: من خطبة المعروف عليه السلام بالاشباح في وصف الله تعالى
قَد رَمَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِيرَهُ، ودَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِيرَهُ، ووَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ، ولَمْ يَقْصُرْ دُونَ اَلاِنْتِهَاءِ إِلَى غَايَتِهِ، ولَمْ يَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ، فـَكَيْفَ وإِنَّمَا صَدَرَتِ اَلْأُمُورُ عَنْ مَشِيَّتِهِ، اَلْمُنْشِئُ أَصْنَافَ اَلْأَشْيَاءِ، بِلاَ رَوِيَّةِ فِكْرٍ آلَ إِلَيْهَا، ولاَ قَرِيحَةِ غَرِيزَةٍ أَضْمَرَ عَلَيْهَا، ولاَ تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ اَلدُّهُورِ، ولاَ شَرِيكٍ أَعَانَهُ عَلَى اِبْتِدَاعِ عَجَائِبِ اَلْأُمُورِ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ، وأَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ، وأَجَابَ إِلَى دَعْوَتِهِ، لَمْ يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ اَلْمُبْطِئِ، ولاَ أَنَاةُ اَلْمُتَلَكِّئِ، فَأَقَامَ مِنَ اَلْأَشْيَاءِ أَوَدَهَا، ونَهَجَ حُدُودَهَا، ولاَءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضَادِّهَا، ووَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا، وفَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِي اَلْحُدُودِ واَلْأَقْدَارِ، واَلْغَرَائِزِ واَلْهَيْئَاتِ، بَدَايَا خَلاَئِقَ أَحْكَمَ صُنْعَهَا، وفَطَرَهَا عَلَى مَا أَرَادَ وابْتَدَعَهَا.
ومنها في صفة السماء:
قال عليه السلام:
ونَظَمَ بِلاَ تَعْلِيقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا، ولاَحَمَ صُدُوعَ اِنْفِرَاجِهَا، ووَشَّجَ بَيْنَهَا وبَيْنَ أَزْوَاجِهَا، وذَلَّلَ لِلْهَابِطِينَ بِأَمْرِهِ، واَلصَّاعِدِينَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا، ونَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخَانٌ فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا، وفَتَقَ بَعْدَ اَلاِرْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا، وأَقَامَ رَصَداً مِنَ اَلشُّهُبِ اَلثَّوَاقِبِ، عَلَى نِقَابِهَا، وأَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تَمُورَ فِي خَرْقِ اَلْهَوَاءِ بِأَيْدِهِ، وأَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لِأَمْرِهِ، وجَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا، وقَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَيْلِهَا، وأَجْرَاهُمَا فِي مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا، وقَدَّرَ سَيْرَهُمَا فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا، لِيُمَيَّزَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِهِمَا، ولِيُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ، بِمَقَادِيرِهِمَا، ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّهَا فَلَكَهَا، ونَاطَ بِهَا زِينَتَهَا، مِنْ خَفِيَّاتِ دَرَارِيِّهَا، ومَصَابِيحِ كَوَاكِبِهَا.