تحتفل الكثير من الدول بهذا العيد من بينها ايران والعراق وأفغانستان وتركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان ومقدونيا وجنوب القوقاز والقرم ومنطقة البلقان وكشمير وكوجارات وشمال غرب الصين وغيرها من الأقوام في غربي آسيا.
حيث يحتفل مئات الملايين حول العالم بدءاً من اليوم الجمعة 20 مارس/ آذار، بعيد النوروز ورأس السنة الفارسية، خاصة في الجمهورية الاسلامية الايرانية، حيث يعتبر النوروز احدى اكبر مظاهر وحدة الشعب الايراني العظيم رغم اختلاف قومياته وأديانه وثقافاته وألسنته، وبعد دخول الاسلام ارض إيران، تعامل بلطف مع سائر الأديان والعادات والتقاليد ومنها عادات الإيرانيين الدينية، الأمر الذي جعل تلك العادات لا تندثر او تزال من المجتمع بالكامل.
احتفال النوروز (جشن نوروز)
وكلمة "جشن" أو "يسن - يسنه" في اللغة الافستية و "يزشن" في اللغة البهلوية هي بمعنى الثناء والمديح في حالة الفرح، والنوروز أو "نوغ روتش" و"نوك روز" في اللغة البهلوية بمعنى أول يوم من شهر فروردين (الشهر الاول في السنة الايرانية).
كان الايرانيون يسمون كل يوم من أيام الشهر بإسم محدد، وكان يطلق على اول يوم في الربيع أو شهر فروردين اسم "هرمزد"، حيث كان يقام احتفال كبير في هذا اليوم تتخلله اجواء من الفرح والثناء للخالق، وكانت تبدأ قبل ايام من النوروز مراسم وتقاليد خاصة وتستمر الى بعده بعدة ايام ايضا.
كانت تقام مراسم خلال الايام الاولى من النوروز بشكل جماعي، وبعد اليوم السادس كان الكبار يستمرون به في منازلهم، لكن السمة البارزة التي كانت واضحة هي الفرح والثناء.
أسس احتفال النوروز
يتمتع النوروز بطابع مذهبي وروحي يصحبه ثناء ومديح للجميع، كانت تنسب اسس النوروز في الاسطورات والكتب القديمة الى الملك الاسطوري "جمشيد"، كما نسب الشاعر الايراني الكبير الفردوسي النوروز في كتابه الشاهنامة لجمشيد، فعندما جلس جمشيد على العرش ووضع تاجه المرصع وسطع نور الشمس عليه، اطلق الجميع على ذلك اليوم "اليوم الجديد" والنوروز" واقاموا الاحتفالات والولائم.
وفي رواية أخرى حول تسمية النوروز، انه روي ان عيد النوروز كان ذلك اليوم الذي عثر فيه النبي سليمان بن داوود (عليهما السلام) على خاتمه بعد ان كان قد فقده.
كما قال المتخصص الدنماركي المعروف بعلوم ايران "كريستيان سين" اعتقد ان احتفال النوروز جاء متأثرا ببعض احتفالات الامم القديمة ومنها الاعياد البابلية والاشورية، لكنه من الواضح جيدا ان النوروز الايراني نابع من الثقافة الايرانية حيث يقام منذ قرون مديدة عبر تقاليد الثقافة الفارسية.
مائدة "هفت سين" السينات السبعة
"هفت سين" القسم الاكثر سحرا في عيد النوروز، ان الرقم سبعة وهو حاصل الجمع بين الرقمين ثلاثة واربعة كان يوحي عند علماء الرياضيات الى الكمال او الكثرة نظرا للشكل الهندسي للمثلث والمربع. فعندما كان يرد حديث عن العدد سبعة او سبعة الاف و... فان المقصود هو الوفور والكثرة.
كان هذا العدد مباركا لدى الاقوام الهندواوروبية وكذلك في الهند وايران. كما ان دور هذا العدد هو دور ايجابي في ثقافة الشعوب.
خلق العالم على ست مراحل وفي اليوم السابع انتهى خلقه وكانوا يعقدون مجالس الفرح والسرور والدعاء والعيد.
وتضم هذه المائدة سبعة أوعية تبدأ تسمية جميع محتوياتها بالحرف سين، ان ترتيب مائدة هفت سين هي احدى المناسبات الجميلة والرائعة في النوروز وترمز الى السرور والنضارة، كما انها حجة لتجمع افراد العائلة لحظة تحويل العام الجديد.
وهذه السينات السبعة على الشكل التالي:
1. "سبزه" الخضرة أو براعم القمح أو العدس ترمز الى ولادة جديدة والكثرة والبركة والخضرة وارتباط الانسان بالطبيعة.
2. "سمنو" السميد أو سكر القمح يرمز الى مهارة الايرانيين بالطبخ ونمو النباتات.
3. "سيب" التفاح يرمز الى السلامة والجمال والولادة.
4. "سنجد" الغبيراء ترمز الى العشق واسس الولادة، كما ان البعض يعتقد ان رائحة الغبيراء تحرك العشق في الانسان.
5. "سير" الثوم يرمز الى السلامة والصحة والتداوي ودافع للسرور في الحياة.
6. "سماق" السماق يرمز الى لحظة طلوع الشمس حيث تذهب الشرور فورا.
7. "سركه" الخل يرمز الى الصبر.
كما يضع الايرانيون على مائدة الهفت سين أنواع أخرى ولها رموزها الخاصة، كالبيض الذي يرمز للولادة والسمك الى البركة، كما نرى الكثير الكثير لاسيما اغصان السرو والسنبل وحبات الرمان والشمع والكتاب المقدس يعتبر من اسس مائدة النوروز، حيث تضع كل عائلة كتابها المقدس فالمسلمون يضعون القرآن الكريم والزرادشتيون الافستا واليهود التوراة.
سيزده بدر (يوم النحس)
وفي اليوم الثالث عشر لعيد النوروز (2 إبريل) المسمى بالفارسية "سيزده بدر" تخلو غالبية البيوت الإيرانية من ساكنيها -إن لم نقل جميعها-؛ ذلك أن الاعتقاد السائد لديهم هو أن اليوم الثالث عشر من العام الإيراني الجديد يجلب النحس، ومن يبقى في المنزل خلال هذا اليوم ستحل عليه مصيبة أو كارثة ما خلال السنة، وجرت العادة منذ القدم على أن يغادر جميع أفراد الأسرة المنزل في هذا اليوم، وتمضية الوقت خارجه في المتنزهات والحدائق العامة حتى حلول المساء؛ الأمر الذي يؤدي إلى حالة ازدحام شديد لا تعرف المدن الإيرانية نظيرا لها في بقية أيام السنة.
وإمعانا في محاربة "النحس" وطرده من سنتهم الجديدة يقوم الإيرانيون برمي باقات الأزهار أو سنابل القمح على الحشائش والساحات الخضراء، وإخلاء الأواني التي ضمت أسماك الزينة في أحواض نافورات المياه لتواصل الأسماك حياتها الطبيعية. ويقول علماء الاجتماع الإيرانيون: إن هذا "السلوك الجمعي" يرمز إلى الرغبة في الانسجام مع صفاء الطبيعة في مطلع الربيع وطرد "النحس" من زمن العام الجديد.
صلاة النوروز
صلاة عيد النوروز تشتمل على قراءة سورة الحمد وسور اخرى، مثل سورة القدر وسورة الكافرون وسورة التوحيد، وسورة الفلق وسورة الناس، وهذه الصلاة تشبه كثيراً الصلاة التي وردت في اعمال يوم الجمعة واعمال يوم عيد غدير خم، الثامن عشر من شهر ذي الحجة.
ومع الأخذ بنظر الإعتبار استحباب قراءة سورة القدر في صلاة عيد النوروز، يمكن القول ان هذا العيد وكسائر الأعياد الإسلامية الاخرى مقرون بنزول البركات الإلهية.
كما ان التأكيد على قراءة سورة الكافرون وسورة التوحيد والمعوذتين، اي سورة الفلق وسورة الناس، يمكن ان يكون فيه دلالة على الدعاء وطلب درء الشرور والسيئات عن النفس.
دعاء النوروز
يبدأ الدعاء الخاص بعيد النوروز بالصلاة والسلام على الرسول الأكرم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى الله الطيبين الطاهرين والأوصياء وجميع الأنبياء والرسول (عليهم السلام).
ومما جاء في هذا الدعاء "يا مقلب القلوب والابصار... يا مدبر الليل والنهار... يا محول الحول والاحوال... غير حالنا الى احسن حال"، وكذلك "هذا الذي فضلته وكرمته وشرفته وعظمت خطره" وهذا النص مع شىء من التغيير قد ورد في دعاء خاص بشهر رمضان شهر نزول القرآن.
وفي نهاية الدعاء الخاص بعيد النوروز نقرأ "اللهم .... ما فقدت من شيء فلا تفقدني عونك عليه حتى لا اتكلف ما لا احتاج اليه يا ذا الجلال والأكرام" ويلاحظ في هذا النص الدعائي كلام حول الفقدان وضياع الأشياء، وهو ما يدعو الى التأمل، ذلك انه روي ان عيد النوروز كان ذلك اليوم الذي عثر فيه النبي سليمان بن داوود (عليهما السلام) على خاتمه بعد ان كان قد فقده.