بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النور المبين والصادق الأمين الذي سمي في السموات بأحمد وفي الأرضين بأبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام على حضرات المستمعين الأكارم هذه حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة، لقاء يجمعنا وإياكم إلى مائدة سماوية هي مائدة الوحي والتزيل.
نعم، بفضل من الله تعالى أنهينا في الحلقة الماضية تفسير سورة مريم (س)، نبدأ في هذه الحلقة تفسير سورة طه وهي السورة العشرون في القرآن الكريم.
وطه إسم مبارك للنبي الخاتم إضافة إلى إسميه الشريفين محمد وأحمد صلى الله عليه وآله وسلم.
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الأولى والثانية بعد البسملة من هذه السورة المباركة حيث يقول تعالى:
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
طه ﴿١﴾
مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ﴿٢﴾
يرى البعض أن طه من الحروف المقطعة التي ابتدأت بها 29 سورة من سور القرآن الكريم ومن هذه السور، سورة البقرة التي تبدأ بـ ألم، وسورة الأعراف التي تبدأ بـ ألمص.
وكما مر ذكره منا فإن الحروف المقطعة هي من رموز القرآن الكريم ومتى ما شاءت إرادة الله تعالى كشفت أسرارها؛ وطه كما أشرنا، من أسماء النبي (ص) وجاء الخطاب الإلهي عقب هذا الإسم الشريف "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" نعم، الله تعالى لم يرد للنبي أن يشقى وقد ورد في العديد من الروايات أن الرسول الأكرم (ص) كان يقضي الليالي بالصلاة وقراءة القرآن حتى تورمت قدماه الشريفتان بأبي هو وأمي.
وكان رسول الله (ص) يوظف كل كيانه الشريف من أجل تبليغ القرآن، الأمر الذي جعل الله تعالى ينزل هذا النص المبارك خطاباً لنبيه من أن القرآن ما أنزلناه عليك لتشقى.
والآن إلى ما يستفاد من هذا النص الشريف:
- إن الله تعالى لا يريد لعباده أن يقعوا في المشقة وهم يؤدون التكاليف الدينية، ذلك أن الإسلام دين يسر لا دين عسر، وليس فيه من حرج على الناس.
- ليس في القرآن الكريم تكاليف شاقة، فهو السهل اليسير ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
ولنصغي إلى تلاوة الآيتين الثالثة والرابعة من سورة طه:
إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ ﴿٣﴾
تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴿٤﴾
أجل، أيها الأكارم، إن القرآن الكريم هو تذكرة لمن يخشى الله تعالى وإنه قد نزل من خالق السموات والأرضين الرب الجليل، وثمة نقطة مهمة لابد من الإشارة إليها هنا وهي أن أسس الأديان فطرية، قد أودعت من قبل الذات الإلهية المقدسة في كل بني الإنسان، وبعبارة أخرى فإن آيات القرآن الكريم تذكر الإنسان بهذه الأمور الفطرية وتوقظ فيه نداء الفطرية السليمة، هذا النداء الذي قد يخبو إذا ما انشغل الإنسان بالدنيا وملذاتها.
وعلى أي حال فإن ما يفيده إيانا هذا النص الكريم في الإمكان إيجازه في النقاط الثلاث التالية؛
- إن الناس على الدوام في حاجة إلى التذكير وأفضل من يذكر هو القرآن الكريم.
- إن الذين يشعرون بثقل المسؤولية ومن أجل أداءها على الوجه الأحسن يلجأون إلى القرآن الكريم.
- إن منزل القرآن هو خالق الكون جل جلاله، إذن التشريع والتكوين من مصدر نوري واحد، هو الباري تباركت أسماؤه وعظمت آلاؤه.
ويقول تعالى في الآيتين الخامسة والسادسة من سورة طه المباركة:
الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ﴿٥﴾
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ ﴿٦﴾
يوضح لنا هذا النص القرآني أن الله تعالى هو خالق هذا الكون وهو المدبر والمدير له:
أزمة الأمور طراً بيده والكل مستمدة من مدده
على أن كلمة العرش التي وردت هنا، أو في موارد أخرى كناية على القدرة الإلهية، وليس المراد منها المعنى المادي، ذلك أن الله تعالى منزه عن الجسمانية.
نعم، الآيتان توضحان القدرة الإلهية ومديات نفوذها، بل الأفضل القول أنه ليس لقدرة الله من مدى، فقدرته نافذة في السموات والأرض، وهذا هو المعنى المستوحى من قوله تعالى في سورة البقرة "وسع كرسيه السموات والأرض"، لكن قدرة الله تعالى ليست توأماً مع السطوة، بل هي توأم مع الرحمة، كيف لا وقد عرف الله نفسه بقوله "الرحمن على العرش استوى".
والآن إلى الدروس المأخوذة من هذا النص فهي:
- إن تدبير أمور الوجود، ومن ذلك أمور الناس، يكون على أساس الرحمة الإلهية.
- إن قدرة الله تعالى نافذة في جميع أجزاء الكون والكل مطيع له.
غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم حضرات المستمعين الأفاضل ورحمة الله وبركاته.