نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "الليل والنهار يتسارعان في هدم الاعمار".
دلالة الحديث
النص المتقدم يجسد صورة استعارية تتمثل في اكساب الليل والنهار طابعاً يتدخل في مصير العمر ونهايته، طبيعياً: ان الليل والنهار ظاهرتان ابداعيتان من خلق الله تعالى وتدبيره، ولا علاقة لهما بالموت من حيث هويتهما، الا ان الامام عليا (ع) وظفهما بلاغياً بالنحو الذي لاحظناه وهو: انهما يتسارعان في هدم الاعمار، مكسباً هذه الظاهرة بعداً وعظياً له أهميته الكبيرة في تذكير الانسان بالموت وما يعقبه من الحساب، بالاضافة الى تداعيات ذهنية اخرى، نبدأ الآن فنوضحها في ضوء البعد البلاغي للاستعارة المذكورة.
من حيث الدلالة، نجد ان النص يتحدث عن (الموت) ولكن من حيث البلاغة نجده يتحدث عن الليل والنهار وما يجرانه من تداعي الاخطار، وهذا ما نلقي الاضاءة عليه الآن.
لقد سبق هذا النص، نص قبله يقول "من مشى على وجه الارض فانه يصير الى بطنها"، ولكن بما اننا تناولنا هذا النص في احد لقاءاتنا السابقة: حينئذ لا نحدثك عنه بقدر ما نعتزم لفت نظرك الى جمالية الصورة (الوجه والبطن) حيث يرمز (وجه الارض) الى الحياة، وحيث يرمز (بطن الارض الى الممات) وهكذا بالنسبة الى الليل والنهار وتسارعهما في هدم الاعمار، اذن: لنتحدث عن (الهدم) وعن (التسارع)، فماذا نستلهم؟.
بلاغة الحديث
التسارع هو التسابق الى الوصول لهدف ما، هنا رمز الامام (ع) المسابقة الى ان الموت حتم لا مناص منه من دون أن تشعر الشخصية بالمسارعة الا من أوتيت الوعي العبادي الحاد، ان حتمية الموت، يصوغها الامام (ع) من خلال (المسارعة) و(الهدم للاعمار)، اما المسارعة فقد لاحظناها، واما هدم الاعمار، فينطوي على نكتة بلاغية فائقة هي: ان الهدم للمنزل قد يتم في فترة زمنية قصيرة بحسب حجم المنزل الصغير، وقد يتم في فترة اكثر طولاً، ولكن في الحالتين، ثمة (عنصر) هادم، والنكتة هي: ان العنصر الهادم قد يتحقق من خلال الموت فجأة حيث يتساوق موت الفجأة مع تهديم بناء صغير أو حتى البناء الكبير، فان الزلزلة مثلاً او الاعصار او الطوفان من الممكن ان يقضي عليه، اي: يهدمه، ويزول المنزل وهكذا بالنسبة الى الموت الذي يتحقق سرعة من خلال الزلزلة والطوفان والاعصار او ما ترمز به هذه الحوادث من الموت فجأة بدون الاسباب المادية المتقدمة، واما في حالة العمر الطويل، فان الهدم للعمر: يبدأ مع اول نزول الانسان من بطن امه اي الدنيا، وهذا ماورد في الاحاديث المشيرة الى ان الانسان منذ اول نزوله من البطن: يبدأ هدم عمره، اي: مرور الزمن حتى يحسم في النهاية الى الموت.
اذن: ما أدق وأطرف واعمق هذا النص في تداعيه لاذهاننا الى ملاحظة الموت بكل مستوياته البطيئة والسريعة بالنحو الذي لاحظناه.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ذاكرين له تعالى وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.