نص الحديث
قال الامام العسكري (عليه السَّلام): من ركب ظهر الباطل، نزل به دار الندامة.
دلالة الحديث
الحديث المشار اليه يجسد صورة بلاغية هي: الاستعارة، وتعنينا اولاً دلالتها ومن ثم بلاغتها، ونحدثك الآن عن دلالتها فنقول: الباطل هو كل ما نهي الله تعالي عنه: كالكذب والخداع والغش والسرقة والزنا واللواط والغيبة والبهتان.
ومما لا ترديد فيه، ان ممارسة هذه الانماط المنهي عنها، تقترن بما هو امتاع او لذة او اشباع لحاجة ما، ولكن هذا الاشباع هو غير مشروع لأن الله تعالي عندما ركب الحاجات في الشخصية انما جعلها (مشروعة) ورسم طرائق اشباعها، لكن خارجاً عن ذلك فإن الحاجات الاخري تظل غير مشروعة، كالنماذج التي اشرنا إليها، وبذلك تكون طرق اشباعها غير مشروعة ايضاً، وبذلك اطلق الحديث عليها مصطلح (الباطل). اذن الباطل هو كل سلوك غير مشروع، حيث يترتب عليه الندم دون ادني شك لأن الله تعالي توعد عباده بالعقاب علي كل من يمارس العمل غير المشروع.
والسؤال هو: ما هي النتائج المترتبة علي العقاب الأخروي؟ لا شك هي: الندم علي ما مارسه الانسان من العمل غير المشروع.
وقد نسج الامام (عليه السَّلام) هذه الدلالة في صياغة استعارية هي: "من ركب ظهر الباطل، نزل به دار الندامة" وهذا ما يتطلب شيئاً من توضيح دلالته في ضوء المبادئ البلاغية. فماذا نستلهم من ذلك؟
بلاغة الحديث
لقد خلع (عليه السَّلام) طابع (الركوب علي الظهر) او (ركوب الظهر) علي ممارسة الباطل، اي: جعل الباطل ظهراً يركبه الممارس لما نهت عنه الشريعة، بمعني جعله حيواناً يركبه، ومن البين ان مجرد جعل الباطل حيواناً، يكفي استخلاص دلالته المشينة والقبيحة والمخزية، حيث ان الحيوان يرمز الي انعدام العقل والانصياع الي الشهوة الوحشية او البهيمية، ولا ظاهرة اكثر خزياً من الانصياع لما هو حيواني، كما هو واضح.
وهذا هو: الطرف الاول من الاستعارة.
اما طرفها الاخر فيقول: (نزل به دار الندامة) اي: من انصاع او ركب الحيوان فإنه ينزل به في النهاية الي المكان الذي ينتهي الحيوان اليه، ولا بدَّ ان يكون متناسباً مع طبيعة الحيوان ألا وهو: المكان الذي اعده تعالي للعاصين، ونعني به جهنم (اعاذنا تعالي منها).
ويلاحظ ان الحديث خلع علي (الندم) علي المعصية طابع (الدار) اي: نزول العاصي في دار هي الندامة، ولا ظاهرة اكثر دقة من هذه الاستعارة التي تجعل من الندم علي المعصية داراً ينزل بها العاصي وهي جهنم اعاذنا تعالي منها.
اذن ما أدق واعمق وابلغ من هذه الاستعارة التي تتحدث عن المعصية وما يعقبها من الندم في اليوم الآخر؟