نص الحديث
قال الامام عليّ (عليه السلام) عن الدنيا: الّحرّ يدع هذه اللماظة.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم من النصوص الحافلة بدلالة كبيرة، وطريقة، وعميقة، انه (عليه السلام) يطالبنا بان لا نخضع لأسر هذه الحياة الدنيا، انها متاع عابر، انها زمن قصير، انها تافهة لا قيمة لها وقد رمز لتفاهتها بكلمة (لماظة) وهي: الباقي من اللقمة التي يمضغها الفم، حيث لا قيمة لها البتة، وهي رمز - الي اللماظة - بلاغي فائق يجدر بنا ان نحدثك عنها الآن.
بلاغة الحديث
من البين ان الدنيا لوقيست بالآخرة، حينئذ فان النص القرآني الكريم يقول وما متاع الدنيا في الآخرة إلّا قليل وما يعيننا بلاغياً هو: ان نلفت نظر القارئ الي نقطة مهمّة هي: ان الحياة هي (متاع) اي: يستمتع لها الانسان، ولكن هذا المتاع يتميز بكونه عابراً، وبكونه حاجزاً عن الوصول الي المتاع الاكبر ألا وهو رضاه تعالي والجنة.
وفي ضوء هذه الحقيقة قدّم لنا الامام عليّ (عليه السلام) وهو امام البلاغة صورة للدنيا لا تحسب ان احداً يتأملها الّا وهو ينبهر دهشةً لهذا النمط من الكلام الفني، وقد تتساءل وتقول: كيف ذلك؟
الجواب: اللماظة - كما قلنا - هي: البقية من الطعام الذي تمضغه في فمك، حيث يتلاشي الاصل وتبقي البقية من الممضوغ الذي لا يحمل طعم الغذاء الاصلي، ولكنه علي اية حال: له امتاعه ولو قليلاً.
والنكتة البلاغية هنا هي: ان الامام علياً (عليه السلام) لا ينفي متعة الحياة الدنيا، حيث يقرّها (عليه السلام)، ولكنه ينصحنا أو يلفت نظرك الي ان هذا الامتاع القليل لا قيمة حقيقية له، انه من خلال المضغ يفقد الكثير من بهجته ومادته، بالاضافة الي تحولّه ذراتٍ غير مستساغة منظراً، الا قليلاً من الطعم غير المثير، واذن: فلماذا نتشبث بالحياة الدنيا وهي لماظة اي بقية من الطعام الممضوغ؟
اخيراً نلفت النظر من جديد الي اهمية هذه الصورة الي جاءت رمزاً اولاً، ثم جاءت بصيغة تساؤل، ثم جاءت بمخاطبة الأحرار.
اذن الا يحدر بنا ان ندع هذه اللماظة: كما قرر الامام علي (عليه السلام)؟