نص الحديث
ورد عن الامام الصادق (عليه السلام): الحديث القدسيّ الآتي: لو لا ان يحزن المؤمن لجعلت للكافرعصابة من حديد، لا يصرع رأسه أبداً.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يستهدف الاشارة الي عدم أهمية الدنيا عند الله تعالي، بحيث انّ الكافر (وهو ألدّ اعداء الله تعالي) سمح له الله تعالي بان يرتاح ويفرح بها الي درجة ان الله تعالي لوشاء لعصبه بعصابة بحيث لا يصيبه حتي الصداع، لو لا ان المؤمنين يحزنون علي رؤيتهم اعداء الله تعالي، وهم في اشباع كامل لحاجاتهم الدنيوية.
والآن مع ملاحظة هذا الحديث القدسي يجدر بنا ان نتبين مدي طرافته البلاغية، وهذا ما نبدأ به الآن.
الحديث المتقدم نطلق عليه - في المصطلح البلاغي - (صورة فرضيّة)، ومعني الصورة الفرضية هو: احداث علاقة بين طرفين من خلال جعل أحدهما مجرّد فرضية لا واقع لها، اي: (لو فرض حصول هذا الشيء) كما: لو لاحظنا قوله تعالي: «لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا».
بلاغة الحديث
والمهم - من الزاوية البلاغية - ان الحديث القدسي المذكور قدّم لنا صورة فرضية لها طرافتها وعمقها من حيث النظر الي الدنيا وانعدام أهميتها، وضرورة ان يتحمل العبد المؤمن شدائد الحياة، ولا يجزع منها، لانها شدائد عابرة، يعقبها اشباع أخروي لا حدود لمستوياته بحيث لا عين رأت ولا اذن سمعت بمثله.
والنكتة الثانية هي: طبيعة الصورة المتجسدة في العصابة من الحديد، اي: ان النص قد انتخب (الحديد ) من حيث صلابته التي تمنع اختراقه، اي: ان العصابة من الحديد تمنع وصول الصداع الي رأسه، وهو تعبير عن الاشباع الذي لا حدود له في الدنيا القصيرة التي يتمتع بها االكافر، وما يتخذ المائة سنته مثالا وهي عمر الكافر حيال الحياة الأخروية التي لا حدود لها من حيث الزمن، ولا حدود لها من حيث الاشباع، هنا لا مناص ايضاً من الاشارة الي ان الصورة المذكورة قالت بما مؤداه : لو لا حزن المؤمن لعصبّ الله تعالي الكفار بعصابة من حديد، حيث ان المؤمن قد يحزن لما يشاهده من النعيم للكافر، ولكن الله مراعاة لذلك، لم يعصبّ الكافر بعصابة من حديد.