نص الحديث
قال الامام علي (عليه السلام): حبّ الله نار لا يمرّ علي شيء الّا احترق.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم، يجسّد صورة بلاغية هي: تمثيل ورمز في آن واحد والمهم من حيث كونه (ناراً) نحدثك عن دلالته اولاً وثم بلاغته ثانياً.
من حيث دلالته يتناول علاقة المؤمن بالله تعالي طبيعياً: العلاقة هنا ليس بين مطلق المؤمن وبين الله تعالي بل المؤمن العارف أو السالك، اي: الشخصية التي تمارس عملها العبادي الذي خلق الله تعالي الانسان من أجله، ألا وهو: العمل بمباديء الله تعالي في احسن ادائه، مع ذوبان (الأنا) نهائياً والتعامل موضوعياً فحسب مع الله تعالي ومع مبادئه.
لذلك يشبّه الحديث هذا النمط من التعامل بالنار، بمعني ان المؤمن يمارس (الحب) حيال الله تعالي فحسب، فاذا مارس بهذا النحو حينئذ لا يري العبد في دنياه غير الله تعالي، انه (يفني) في حب الله تعالي، ومن ثم: فأن محبة غير الله تعالي تظل متلاشية لا وجود لها في قلبه.
يبقي ان نحدثك عن الصورة التمثيلية او الرمزية وهي: (النار) ووظيفتها في تجسيد الدلالة المذكورة.
من الواضح ان (النار) تحرق الحطب وسواه، فاذا احترق الحطب لا يبقي وجود للشيء، وتبقي النار (وحدها) هي: الفارضة وجودها.
من هنا، فان الامام علياً (عليه السلام) (وهو ممن جعل حبّ الله تعالي ناراً في شخصيته) يظل عارفاً ومتذوقاً هذا الحبّ، ولذلك فان صياغته للعبارة المتقدمة تظل كلاماً او ناراً في قلبه من حيث الصدق: كما هو بيّن.
بلاغة الحديث
لقد ورد بالنسبة الي ابناء الدنيا وعشقهم لهذا المتاع العابر حديث يقول بما مؤداه: ان عشّاق الدنيا قلوبهم خلت من المحبة لله تعالي فابتلاها بحب غيره واذا قارنا بين حبّ الغير الذي ورد في حديث الامام عليّ (عليه السلام) بعبارة (الشيء) اي: عبارة (حبّ الله نار لا يمرّ علي شيء الا احترق)، فهذا يعني: ان كل ما عدا الله تعالي من الأشياء تحترق وتتلاشي عند من عرف الله تعالي، وعرف اهل بيت النبوة (عليهم السلام) (وهم ممن جسّد المعرفة العبادية في أتمّ مستوياتها).
اذن ما اجدر بنا ان نجعل محبة الله تعالي ناراً لا تمرّ علي شيء إلا احترق؟ فنسأله تعالي ان يوفقنا الي ممارسة العمل العبادي، وممارسة الطاعة، والتصاعد بها الي النحو المطلوب، انه سميع مجيب.