وصلى الله على الرسول الكريم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم رحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تفضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
ممقان قرية تبعد عن مدينة تبريز الايرانية خمسة فراسخ وقد ولد فيها - محمد حسن- بتاريخ 22 شعبان من عام 1238 وبعد شهر انتقل مع أبيه العلامة الشيخ عبد الله الممقاني )رحمه الله( الى كربلاء المقدسة وصار من اول صباه يدرس العلوم الدينية في حوزتها، ولم يكمل الثامنة من عمره حتى دخل في امتحان اليتم اذ ماتت امه بمرض الطاعون الذي اجتاح العراق آنذاك ثم التحق بها والده العالم الجليل بعد ستة أشهر.
وتوفي وصي أبيه وكفيله بعد أشهر أيضاً، ولم تؤثر على روحيته الوثابة تلك المصائب المتواترة بالاضافة الى غربته وصغر سنه فانتقل الى مدرسة - حسن خان- عند حرم الامام الحسين (عليه السلام) وجد في دراسته وتفوق على أقرانه، يقول الشيخ محمد حسن الممقاني (رضوان الله تعالى) وهو يصف حال طلاب مدرسته آنذاك:
«لو كان أحد ينظر الى الساعات الأخيرة من تلك الليالي العطرة بالنفحات المعنوية ونسائم الدعاء والعبادة لكان يسمع ترنم الطلبة في آناء الليل كدوي النحل يخرج من غرفهم بعضهم كان يتلو القرآن وبعضهم يقرأ الدعاء وآخرون في المناجاة وآخرون في حال الصلاة والتهجد».
ونبقى مستمعينا الاعزاء مع العلامة المجاهد المرحوم محمد حسن الممقاني حيث يقول الذين ارخوه: لقد كانت علامات النبوغ ظاهرة على شخصيته منذ طفولته لذا طلب منه آية الله الايرواني (رضوان الله تعالى) أن ينتقل الى حوزة النجف الأشرف، فذهب اليها وكان في سن السابعة عشرة وكانت الأوضاع مضطربةً اثر الهجوم الذي شنه الطاغية نجيب باشا على العراق.
حيث ارتكب مجزرةً عظيمةً بأمر الحكومة العثمانية وقتل من أهالي كربلاء وزوار الامام الحسين (عليه السلام) مقتلة عظيمة وصادف في يوم الفاجعة ان جمعاً من أهالي قرية ممقان كانوا قادمين لزيارة حرم الامامين الكاظم والجواد (عليهما السلام) فهرعوا الى النجف فور سماعهم النبأ لينقلوا سماحة الشيخ الممقاني (الشاب النابغة) الى ممقان، لكنه لم يوافق اذ كان مشدوداً الى طلبا لعلم والرقي المعنوي فذهبوا الى المرجع الديني الشيخ صاحب الجواهر (رضوان الله تعالى) ليأمره بالرجوع الى قريته ويعود بعد أن تخمد الفتنة في العراق فقام المرجع بنفسه الى المدرسة ودخل غرفة الشيخ الشاب وطلب منه ذلك عندئذ وافق الممقاني وخرج الى ايران، ثم عاد الى النجف بعد مضي أكثر من عشر سنين قضاها في التبليغ والتدريس، فواصل دروسه العالية في علم الأصول عند الشيخ الأنصاري والسيد الكوه كمري، وفي علم الفقه عند الشيخ راضي النجفي والشيخ مهدي آل كاشف الغطاء وفي علم الرجال عند المولى علي الخليلي (أعلى الله مقامهم).
وكان المرحوم الشيخ الممقاني يكتب تقريرات أساتذته وذلك في عصر لم تكن الطباعة والاستنساخ مثل ما هو موجود في عصرنا هذا، ولقد امتدحه كبار مراجع زمانه على تلك التقريرات العلمية الأنيقة كما أثنوا على زهده وتقواه ورفيع منزلته واستمر هو يفتح أبواب النجاح والتقدم باباً تلو باب حتى اجتمعت الآراء في مرجعيته وزعامته بعد وفاة المجدد الشيرازي (رضوان الله تعالى) ولم يتغير في زهده ومظاهر حياته بعد توليه المرجعية وعاش حتى آخر عمره في بيت يدفع ايجاره مثل أكثر الناس الفقراء وقد حاول أهل الخير أن يقنعوه لشراء منزل له فلم يوافق.
وكذلك لم يقبل المرجع الممقاني هدايا السلاطين ورجال السياسة كما لم يصرف من الحقوق الشرعية (الخمس) في حاجاته الشخصية رغم الأموال الكثيرة التي كانت ترد اليه من مختلف الجوانب ورغم جواز اخذه منها على قدر حاجته، وقد وضح السبب في ذلك لولده الشيخ عبد الله (رحمه الله) قائلاً: «ان الأمين على الحقوق الالهية يجب ان لا يمد يده اليها لأنه في البدء يأخذ منها على قدر حاجته الملحة ثم يتجرأ أن يأخذ لفضول معيشته وكمالياتها فالذي يريد ان لا يتورط في المعصية ينبغي له أن يلتزم بعدم الأخذ منها حتى في حاجاته الجائزة المباحة».
وفي هذا الاطار بعث اليه الملك مظفر الدين شاه 2500 تومان وهو مبلغ كبير قياساً لذلك العصر وقال: 1500 تومان منه للسادة من ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) وألف تومان للطلبة العاديين فوزعه المرجع الممقاني في اليوم نفسه ولم يبق منه شيئاً ثم استدان لمصرفه العائلي والشخصي من موارد أخرى، وكتب العلامة الكبير أقا بزرگ الطهراني (رضوان الله تعالى) في موسوعته نقباء البشر عن الشيخ الممقاني قائلاً: «لقد رأيته وشاهدت بعيني سلوك هذا الرجل العظيم، وما نقلته من زهده و تقواه كان من مشاهداتي الشخصية وليس نقلاً عن هذا وذاك، وان كان احد يتجراً أن لا يراه اعلم أهل زمانه فانه لا يتجرأ أبداً ان لا يراه اورع أهل زمانه».
وفي الختام - أيها الأعزاء- نتقدم لحضراتكم بالشكر الجزيل على حسن المتابعة. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم.