وصلى الله على عبده ورسوله محمد الأمين وعلى آله الهداة الميامين.
السلام عليكم - أيها الأكارم- ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين أن تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الأعزاء: اشتهر بعض العلماء بالبكاء الشديد حين الدعاء وعند استماعهم لمصائب أهل بيت النبي المظلومين (عليهم السلام) وكان السيد محمد باقر الشفتي المتوفى سنة 1260هـ (رحمه الله) واحداً من أولئك البكائين، وقد قيل: ان القاريء الحسيني كان يمتنع من صعود المنبر اذا كان السيد الشفتي جالساً وذلك خوفاً من بكائه الشديد الذي كان يؤثر على صحته فيمرض بعده، سيما أن الأطباء كانوا قد منعوه من البكاء.
هذا ولهيبته في قلوب الناس وحبهم الشديد له حسده الحاكم فأعد اربعة من المرتزقة لقتله في الليل المظلم، وقيل انهم نزلوا من فوق الجدار الى ساحة البيت بهدوء واختفوا وراء الأشجار مع أسلحتهم فرأوا السيد الشفتي جالساً على سجادة الصلاة تحت ضوء بسيط وأمامه كتاب يقرأ فيه الدعاء ودموعه تجري على خديه.
حاول أحد المرتزقة ان ينفذ الجريمة فصوب بندقيته باتجاه صدره الشريف وهو من وراء الشجرة فارتعشت يداه من هيبة السيد الجليل فكادت البندقية تسقط من يده، فتلقفها زميله، وكلما حاول هذا الآخر ان ينفذ الجريمة ايضاً لكنه لم يستطع بسبب هيبة السيد التي من الله تعالى بها عليه، وهكذا ادت الانعكاسات الروحية والقوى المعنوية للسيد الشفتي (رحمه الله) الى هداية المرتزقة وتوبتهم الى الله عزوجل فعادوا وهم مهتدون.
كان المرحوم آية الله السيد اسماعيل الصدر عازماً على أن لا يقترض من أحد مالاً مدى العمر وكان وفياً بعهده رغم معاناته في أيام دراسته في النجف الأشرف من الفقر والفاقة الى أن صادف يوماً أن اصبحت والدته المسنة في حالة صحية صعبة فخاف السيد (رحمه الله) على سلامتها وذهب الى الصحن الشريف وهو حائر بين امرين: بين التكليف الشرعي الذي يطالبه بالمحافظة على أمه والذي قد يكون متوقفاً على الاقتراض، وبين عهده الذي عاهد نفسه عليه من عدم الاقتراض مدى العمر.
فجلس جلسة المتحير المتفكر في أمره امام حجرة من حجرات الشمال الغربي واذا برجل غير معروف لديه يقف أمام السيد ويسأله: هل أنت سيد موسوي النسب؟
فأجابه: نعم فأعطاه خمسة توامين «وهو مبلغ يفي بما كان يحتاجه السيد آنذاك» وقال: هذا نذر للسيد الموسوي النسب فأخذها السيد وبقي وفياً بعهده مدى العمر، وكان السيد الصدر (رحمه الله) يحدث أبنائه احياناً بأمثال هذه القصص والحكايات بهدف تهذيب نفوسهم وتربيتهم على مكارم الأخلاق.
واليكم - مستمعينا الأفاضل- هذه القصة الرائعة حول التنافس في الشهادة حيث حدثت قرعة بين سعد بن خيثمة وبين أبيه قبيل غزوة بدر فأصابت القرعة الابن فطلب منه أبوه أن يتنازل له، فقال له ولده (رضوان الله تعالى): «يا أبتاه لو كان ما تريد غير الجنة لأجبت» ثم استشهد سعد في المعركة، وفي السنة القادمة حدثت غزوة احد فأسرع خيثمة بالذهاب الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلاً:
لقد رأيت ابني البارحة في المنام في أحسن صورة ينعم في الجنة ويقول: لقد وجدت يا أبي ما وعدني ربي حقاً فالحق بنا ترافقنا في الجنة، وقد أصبحت يا رسول الله مشتاقاً الى مرافقة ولدي ولقاء ربي فادع الله ان يرزقني الشهادة فدعا له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم دخل المعركة فاستشهد في احد. وهنيئاً لكل شهداء الاسلام الأبرار الفوز العظيم برضا الرب الكريم.
روي أن الظاهر بيبرس لما خرج الى قتال التتار بالشام اخذ فتاوى من العلماء بأنه يجوز له اخذ المال من الرعية ليستنصر به على قتال العدو، فكتب له فقهاء الشام بذلك فقال: هل بقي أحد؟
فقيل له: نعم بقي الشيخ محي الدين النووي فطلبه فحضر فقال له: اكتب خطك مع الفقهاء فامتنع، فقال: ما سبب امتناعك؟
فقال الشيخ: «انا أعرف أنك كنت في الرق للأمير (بند قدار) وليس لك مال، ثم من الله عليك وجعلك ملكاً، وسمعت أن عندك ألف مملوك: كل مملوك له حياصة من الذهب وعندك مئتا جارية، لكل جارية حق من الحلي، فاذا أنفقت ذلك كله وبقيت مماليكك بالبنود الصوف بدلاً من الحوائص وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي، أفتيتك بأخذ المال من الرعية...»!
فغضب الملك من كلامه وقال: اخرج من بلدي - يعني دمشق- فخرج الشيخ محي الدين النووي (رحمه الله) الى مدينة (نوى)، فقال الفقهاء للملك: ان هذا من كبار علمائنا وصلحائنا وممن يقتدى به فأعده الى دمشق، فأمر برجوعه فامتنع الشيخ وقال: لا أدخلها والظاهر بها، فمات الظاهر بيبرس بعد شهر.
وفي الختام - أيها الأحبة الكرام- نشكركم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم.