وصلى الله على سيد الخلق اجمعين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين ..
السلام عليكم ـ مستمعينا الافاضل ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً ...
مستمعينا الاعزاء ـ كان مع الامام الحسين(ع) في كربلاء افراد من الانصار يملكون العذر المستساغ لو انصرفوا وانسحبوا وقد اعذر الامام بعضهم، ولكنهم رابطوا وجاهدوا حتى الرمق الاخير متمسكين بخلق الوفاء والايمان الراسخ بالحق والمبدأ وطاعة الامام المعصوم(ع)، ومن اولئك الرجال الافذاذ الذين سحقوا الاعذار واهملوها بشير بن عمرو الحضرمي وهو من أهل حضر موت اليمن، وهو في عداد كندة القبيلة اليمنية المعروفة ـ جاء من الكوفة بين صفوف الكتائب الاموية ثم مال ومعه احد اولاده الى جهة الامام الحسين(ع) بشجاعة وجرأة وجدارة فائقة قد سمع خطاب الامام(ع) في اصحابه والاذن لهم بالانصراف او الانسحاب، لكنه وطن نفسه على عدم الانسحاب ابداً لكن خبراً ما بلغه .. ومفاده ان ولده عمرو قد اسره الديلم بمدينة الري فلم يفت ذلك بعضده او يثبط من عزمه ورفض الانصياع لرغبة انقاذ ولده حتى سمع يقول: عند الله احتسبه ونفسي ما كنت احب ان يؤسر وان ابقى بعده. فكلمته تلك ممعنة بالايحاء الى كونه موطناً نفسه على الجهاد، شأنه في قوله شأن ـ خيثمة بن سعد ـ في قوله للرسول(ص) حينما طلب الاسهام بالجهاد مرة اخرى بقصد نيل الشهادة التي افلتت منه ببدر ورزقها احد اولاده فقال: "والله يا رسول الله اصبحت مشتاقاً الى مرافقته في الجنة".
وهذا لا يعني انه لم يجاهد من اجل الفكر والمبدأ واحقاق الحق وانما ذكر ولده تأكيداً لتصميمه على القتال في سبيل الله، لقد سمع الامام الحسين(ع) بقضية بشير الخضرمي، فأذن له بحكم عذره الكبير، فقال له: "رحمك الله انت في حلٍّ من بيعتي فاذهب واعمل في فكاك ابنك" فتصلب بشير واكد حتمية نصرته مهما بلغت حراجة الموقف فقال: "اكلتني اذن السباع حياً ان انا فارقتك، وأسأل عنك الركبان واخذلك مع قلة الاعوان، لا يكون هذا ابداً يا ابا عبد الله". وقيل ان ولده الذي كان معه وهو "محمد" سلمه الامام اثواباً ثمينة جداً وامره بفك اسر اخيه وقيل ان محمداً بن بشير هذا ممن استشهد بكربلاء أي انه لم يذهب لاطلاق سراح اخيه خشية فوات اوان الجهاد بين يدي الامام الحسين(ع)، وقد تلاحظ ـ مستمعي العزيز ـ شدة ارتباط بين الحضرمي(رض) بالقضية الحسينية العادلة ومدى تفانيه للحق الحسيني وحبه لشخص الامام القائد بالذات ... خصوصاً حين تخيل كونه يذهب لارجاع ولده وفي الطريق يظل يسأل من يصادفهم بلهفة عارمة وشوق مؤلم ممض عن خبر الحسين فلا يحصل على اطمئنان ابداً ولا يخبره أي راكب يصادفه بحقيقة الامر اذن فلن يترك موقفه ابداً "وأسأل عنك الركبان" فالموت احب الية من ذلك الخذلان "اكلتني إذن السباع حياً".
مستمعينا الاكارم ـ لقد تحلى اصحاب الحسين(ع) في احلك الظروف بمعنويات عالية جداً دلت على ايمانهم العميق بعدالة قضيتهم فلم يهابوا الموت ابداً، بل كانوا يبتسمون مسرورين على ما هم فيه، فهذا مثلاً الشيخ المجاهد حبيب بن مظاهر الاسدي يخرج من خيمته ضاحكاً فيبادره يزيد بن الحصين التميمي قائلاً: ما هذه ساعة ضحك! فيرد عليه حبيب مبتسماً هاشاً لما ينتظرهم: "أي موضع احق من هذا السرور؟! والله ماهو الا ان يميل علينا هؤلاء الطغاة فنعالجهم بسيوفنا ساعة ثم نعانق الحور العين" وهذا برير بن خضير الهمداني يداعب صاحبه عبد الرحمن الانصاري ويلاطفه هاشاً باشاً ضاحكاً فينكر عبد الرحمان عليه الضحك ظناً منه بانه يهزل فيقول له: "ما هذه ساعة باطل" فيرد عليه برير وكله ثقة وعزيمة ويقين: لقد علم قومي اني ما احببت الباطل كهلاً ولا شاباً، ولكني مستبشر بما نحن لاقون .. "والله ما بيننا وبين الحور العين الا ان يميل علينا هؤلاء باسيافهم، وددت انهم مالوا علينا الساعة".
وفي الختام ـ ايها الاعزاء ـ نسأله تعالى ان يجعلنا من انصار الحسين(ع) قولاً وعملاً انه سميع مجيب. شكراً لكم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم.