والصلاة والسلام على محمد الهادي الامين وعلى آله الابرار الميامين ...
السلام عليكم ـ مستمعينا الاكارم ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً ...
مستمعينا الافاضل: ان من ابرز الخصال التي تميزت بها حياة الشيخ العارف رجب علي الخياط(رض) الايثار واعانة المساكين في الوقت الذي كان هو يعاني شخصياً من ضنك المعيشة، والاحاديث الشريفة تؤكدا ن الايثار والتواضع من افضل الاعمال واعلى مراتب الايمان ومكارم الاخلاق. ومع ان الشيخ كان يحصل على اجور قليلة من عمله في الخياطة لكنه كان يتمتع بنصيب وافر من فضيلة الايثار، والحقيقة ان حكايات هذا الرجل الرباني في الايثار والتضحية مثيرة للدهشة وتنطوي على مضامين تربوية سامية. نقل احد ابناء الشيخ قائلاً: ايقظني ابي ذات ليلة من النوم وحملنا كيسين من الرز حملت انا واحداً وحمل هو الآخر واخذناهما الى دار اغنى رجل في حارتنا واعطاه اياهما قائلاً: يا اخي لابد وانك تتذكر الانجليز دعوا الناس الى سفارتهم ووزعوا عليهم الرز ولكنهم اخذوا في مقابل كل حبة حفنة ومازالوا جاثمين على صدور الناس، وبعد هذه الملاطفة اعطيناه الرز ورجعنا الى الدار وفي صباح اليوم التالي ناداني ابي وقال: يا محمود اذهب واشتر لنا مقداراً من الرز مع زيت الالية بقيمة ريالين واعطه لوالدتك كي تطبخ لنا ـ دم بختك ـ وهو نوع من الطعام المتواضع في ايران يحضر من الرز ويضيف ابن الشيخ رجب علي الخياط قائلاً: كانت اعمال ابي غير واضحة بالنسبة لي في حينها، ولماذا حمل كل ما لدينا من الرز الى دار اغنى رجل في الحارة في حين كنا نشتري ارخص انواع المجروش لغداء ذلك اليوم؟! وعلمت بعد حين ان ذلك الرجل قد اصابته انتكاسة مالية وافلس، وكان قد دعا جماعة من اصدقائه لوليمة يقيمها يوم الجمعة، وبعدما اعطيناه الرز اقام في يوم الجمعة وليمة فاخرة لهم.
روي ان مندوب الاستكبار الفرنسي في الجزائر ـ ايام جهادها ـ هدد الشيخ المجاهد عبد الحميد الجزائري باغلاق المسجد اذا لم ينقطع عن التدريس فاجابه: لا تستطيع فقال المندوب الفرنسي: وكيف؟ فقال الشيخ الجزائري: اذا كنت في عرس علمت المحتفلين، واذا كنت في مأتم وعظت المعزين، وان جلست في قطار علمت المسافرين وان دخلت السجن انرت المسجونين، وان قتلتموني التهبت مشاعر المواطنين وخير لكم ان لا تتعرضوا للامة في دينها ولغتها.
مستمعينا الاعزء ـ قد يؤلف عالم ولم يأتي في تأليفه بشيء جديد للقارئ، فكتابه بحمل ذات المضامين والمحتويات التي سبقه فيها الاخرون، وتأليفه ليس الا اعادة لما سبق، وهذه صفقة خاسرة تؤدي الى:
1- هدر وقت العالم فيما لا ينفع.
2- تعطيل دوره عما يستطيع ان ينفع.
3- استهلاك وقت الآخرين والاموال في ذلك بينما الحاجة اليها في الامور الاخرى اكثر لو كان العالم يهتم بها.
هذه الحقيقة ادركها آية الله الشيخ محمد علي سيبويه(رض) وذلك حينما طلب منه آية الله العظمى السيد هادي الميلاني(رض) ان يؤلف كتاباً في المجالات الاسلامية فلم يقبل الشيخ سيبويه والسبب كما يقول ابنه آية الله الشيخ محمد حسين: هو كثرة الكتب الاسلامية في عصره وكثرة المؤلفين حيث كان يقول: ان في ذلك لكفاية المطلوب هو الانشغال بالامور التي زهد فيها الكثيرون او انصرفوا عن الاهتمام بها. ولما زاد عليه اصرار المؤمنين في كربلاء المقدسة كي يكتب آراءه الفقهية كعادة الفقهاء والمجتهدين استجاب لطلبهم فطبعت له الرسالة العملية التي امتازت عن بعض رسائل الفقهاء ببعض المسائل الجريئة في ذلك الوقت اهمها هاتان المسألتان الاولى لا يجوز الانتساب الى الدوائر الحكومية والتوظيف فيها واعانة الظالمين باي شكل من الاشكال، الا في حالة الضرورة التي جوازها يتوقف على اجازة الحاكم الشرعي والفقيه الجامع للشرائط. والمسألة الثانية يحرم وضع المال والذهب وامثاله من الاشياء الثمينة في الاضرحة المقدسة "مراقد أئمة اهل البيت(ع) والاولياء الصالحين" اذ لا يعلم الى اين تؤخذ هذه الاموال "عندما تكون الحكومة غير اسلامية" بل ان هذه النذورات كلها يجب تسليمها بيد الفقيه الجامع للشرائط او الوكيل عنه، ولا مانع من اعطائها لخدمة الحرم والعتبات المقدسة ولكن مع اذن الحاكم الشرعي ايضاً ذلك لان ولاية هذه العتبات تعود الى المجتهدين الفقهاء لا الى غيرهم.
اجل ـ مستمعي الكريم ـ ان هذا النوع من الفتاوى في ظل الحكومات الجائرة في العراق آنذاك وفي ايران "قبل قيام الجمهورية الاسلامية" تعبر عن شجاعة الفقيه وتفانيه في روح الشريعة الاسلامية والاخلاص لله تعالى.
مستمعينا الاكارم ـ قال حجة الاسلام والمسلمين الشيخ مصباح اليزدي "حفظه الله": قلت لآية الله الشيخ بهجت ذات يوم ان ذهابي لاحدى القرى ووجودي فيها للتبليغ له اثر كبير فالناس في هذه القرية رحماء جداً يستمعون القول فيتبعونه ولكنهم فقراء واضاف الشيخ فانهم لا يدفعون للمبلغ في شهري محرم ورمضان الا مبلغاً يسيراً جداً خلافاً للمناطق الاخرى التي هي اضعف من الناحية المعنوية واقوى من الناحية المادية، فقال الشيخ بهجت (حفظه الله تعالى) اذا كنت مشغولاً بخدمة الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فهل من الممكن ان يهملك الامام ولا يفكر فيك.
مستمعينا الافاضل ـ ان من اخلاق المؤمنين وبالخصوص العلماء منهم الاعتراف بالخطأ وعدم الاصرار عليه فالحكماء يقولون: الاعتراف بالخطأ فضيلة والاصرار عليه رذيلة. روي ان الشيخ العز بن عبد السلام افتى مرة بشيء ثم ظهر له انه اخطأ فنادى في القاهرة على نفسه، من افتى له ابن عبد السلام بكذا فلا يعمل به فانه اخطأ.
وفي الختام ـ ايها الاحبة الكرام ـ شكراً لكم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.