وصلى الله على حبيبه محمد المصطفى وعلى آله الهداة المعصومين ...
السلام عليكم ـ ايها الاخوة والاخوات ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعيناً الافاضل ـ كان العلامة الشيخ محمد كاظم الخراساني(رض) الى جانب نبوغه العلمي الباهر ومواهبه الفكرية العظيمة يتحلى بسجايا اخلاقية وصفات نبيلة متميزة ونحن نذكر نماذج منها تقديراً لتلك الشخصية الفذة وتذكيراً لمن يريد ان يحذو حذوها ... لقد كان هذا العالم الجليل يعيش حياة التواضع والبساطة على الرغم من انه كان يحضر بين الطلبة كأحدهم .. وكان مؤدباً حييَّاً في سلوكه، يحترم أهل الفضل وينزلهم منازلهم ولا ينتقص احداً، وكان "رحمه الله" قليل الأكل لا يأكل في اليوم والليلة اكثر من مرتين لا تتجاوز وجبته سوى لقيمات معدودة، كما كان قليل النوم وكان سخياً لا يبخل عن صرف الوجوه الشرعية في محلها، وكان مخالفاً لهواه يتجنب الترويج لنفسه، ويحب الحقيقة ويتعشقها، وكان الآخوند الخراساني(رض) يقول: ان تدين ابنائي انما يثبت لديَّ اذا قلدوا غيري لانهم ما داموا يقلدونني لا يمكنني ان اميز هل دفعهم الى تقليدي تشخيصهم غير المتحيز للواجب والوظيفة الدينية ام ان اهوائهم هي التي دفعتهم الى ترويج امر والدهم، وكان هذا العالم الرباني مطمئن النفس لا يتزعزع امام اية هزة او حادثة عاصفة، وقد اكسبه ايمانه قوة نفسية وشجاعة كبرى لايخاف معها أي امر رهيب ولم يكن يترك واجبه الشرعي بحجة جلب منفعة وهمية او دفع ضرر خيالي بل يمضي في اداء واجبه دون تردد.
وكان الشيخ الخراساني(رض) رفيقاً مع من عارضوه في حركته لاقرار الحياة الدستورية الى درجة كبيرة فيقضي حوائجهم ويحترمهم ولا يسمح بالتعرض لهم بسوء، وكأنه ليس بينهم وبينه شيء. وكان هناك شخص يهاجمه في المحاضرات وعلى المنابر فاحتاج ذات مرة الى مال لتردي احواله الاقتصادية فحضر عند الآخوند الخراساني مع جماعة من مقلديه ومعهم مبلغ كبير من الحقوق الشرعية فطلبوا منه بان يسمح لهم باعطاء المبلغ المذكور لذلك الشخص فالتفت اليهم وقال: اني لاعجب منكم كيف اتيتم الي ولديكم مثل هذا الشيخ الفاضل الا تعلمون ان يده بمنزلة يدي وان ما تعطونه من سهم الامام(ع) مهما كان مقداره موضع قبول من قبلي.. قوموا وقدموا له هذا المبلغ، وانا اعطيكم ايصالاً به ثم كتب الشيخ الآخوند(رض) الايصال المتعارف ووشحه بتوقيعه وسلمه اليهم، وحاول احد الحضور ان ينبهه على ماهية ذلك الشخص ظناً منه بان الشيخ لا يعرفه فاتى باسم شخصية علمية كان يعارض الآخوند في بعض تفاصيل حركته السياسية وسأل ذلك الرجل عن حاله، وقد كان من اتباع تلك الشخصية، كل ذلك ليعرف الآخوند ان هذا الشخص مخالف له في مواقفه فبادر الآخوند وقال: لا حاجة الى هذا السؤال فأنا التقيت بتلك الشخصية العلمية اليوم في الطريق وتعرفت على صحته وهي ولله الحمد على ما يرام، ثم لما قام الرجل المذكور مع مرافقيه ليخرج من منزل الآخوند نهض "رحمه الله" وودعه الى الباب احتراماً وتأدباً وفي اليوم الآخر حضر الرجل المذكور الى منزل الآخوند وقال له: مولاي انا من الذين يعارضونكم وبقيت اهاجمكم في محاضراتي وعلى المنابر وانت مع ذلك تحسن اليَّ، فقال الآخوند(رض) انا لم اجد في الكتب الفقهية ان استحقاق شخص لأخذ الحقوق الشرعية مشروط بممالاة الآخوند الخراساني ومودته.
ويذكر المترجمون للآخوند "رحمه الله" ان احد معارضيه وخصومه الالداء احتاج ذات مرة الى تأييد من الآخوند فاغتنم فرصة خروج الآخوند من درس الاصول وكان درساً متعباً مضنياً، ولما خرج الآخوند من المجلس وصار في الطريق تقدم اليه الشخص المذكور وقدم له ورقة وطلب من الآخوند ان يوقع عليها ويؤيده فوقف الشيخ الآخوند احتراماً له وتصور الجميع ان الشيخ سيسلم الورقة الى صاحبه ليوقع عليها في البيت ... ولكنه فاجأ الجميع اذ طلب من ابنه ان يحضر القلم والدواة من فوره، ووقع على الورقة وهو في الطريق رغم انه كان تعباً من المحاضرة، ورغم انه كان من الدّ خصومه ومعارضيه.
كان الآخوند(رض) قد قطع شوطاً كبيراً في طريق السلوك المعنوي والارتقاء الروحي، وكان مليئاً بالحب الالهي عظيم الانشداد الى محبوبه، وكان يكتم ـ مع ذلك ـ عن الآخرين حالاته العرفانية وما حازه من مراتب معنوية عليا الا ان وجهه كان يعكس صفاء نفسه وعظمة روحه وسمو معناه ...
وفي الختام نشكركم ايها الاعزاء ـ على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله والسلام عليكم.