وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين، السلام عليكم ـ ايها الاعزاء ـ وأهلاً ومرحباً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً ...
اعزائنا المستمعين ـ كان المرحوم الحاج العارف رجب علي خياط يتمتع بمقدرة عالية على تربية النفوس المؤهلة للتهذيب ونقل احد تلاميذه حكاية حول هذا الجانب قال فيها: كانت للحاج رجب علاقة وطيدة بالمرحوم آية الله محمد علي الشاه آبادي (استاذ الامام الخميني(رض))، وبينما كنا نسير في احد الايام انا والحاج رجب برفقة آية الله الشاه آبادي قرب ساحة تجريش باطراف طهران استوقفنا شخص وتوجه للمرحوم الشاه آبادي بالسؤال التالي: هل كلامك صحيح ام كلام هذا الحاج؟ واشار الى العارف رجب علي، فقال له: عن أي شيء تسأل؟ وماذا تريد؟ فقال الشخص: كلام ايُّكما صحيح؟
فقال له المرحوم الشاه آبادي: انا اقول الصحيح اما هذا الحاج فمهمته اعداد الانسان الصالح لاجل بناء المجتمع ومع ان هذا الكلام ينم عن غاية التواضع لدى هذا العالم الرباني فانه في نفس الوقت يدل على مدى تأثير كلام الشيخ ومقدرته التربوية وبراعته في بناء الانسان.
مستمعينا الاعزاء ـ لقد سلك علماء المسلمين المخلصون وعلى طول التأريخ مسلك الاعتماد على الذات "بعد التوكل على الله تعالى" والاستقلال الاقتصادي والاستمرار بمعزل عن الحكومات، وعلى المستوى الفردي يعلمنا الاسلام ان الغنى عما في ايدي الناس من مال وثراء امر في غاية الاهمية لمن يريد العيش بعزة وكرامة وحرية ... ولقد كان هكذا العالم الابي الزاهد المتحرر السيد ابو الحسن بن محمد الموسوي المعروف بالشريف الرضي(رض) جامع كلمات وخطب الامام علي(ع) في كتابه الرائع "نهج البلاغة" كان هذا السيد الشريف لا يقبل المساعدة المالية او الهدية وما شابه ذلك ازاء الجهود التي يبذلها خدمة للاسلام والعلم ولقد سعى ملوك بني بويه بشتى الاساليب لاجل ان يقبل عطية من عطاياهم فباء سعيهم بالفشل، وقد ذكر ان احد الوزراء المكنى بابي غالب انتهز فرصة رزق السيد الشريف الرضي لمولود، فارسل اليه هدية ومعها رسالة جاء فيها: من عادة الاصدقاء في مثل هذه المناسبات تقديم الهدايا للمرأة القابلة، ارجو ان تتقبلوها.
فما كان من الشريف الرضي الا ان ردها وارفقها بسالة جاء منها: ليس من عادتنا ان تطلع امرأة اجنبية على احوال العائلة، ونساؤنا هن يؤدين وظيفة التوليد ولا يأخذن اجرة ولا هدية.
فأعاد الوزير الهدية التي كانت عبارة عن "الف دينار" وهو مبلغ كبير في ذلك الزمان، وقال: انها هدية للمولود نفسه ولا علاقة لكم بها، فردها الشريف الرضي قائلاً للمبعوث: ان اطفالنا كذلك لا يقبلون شيئاً من احد، ومرة اخرى اعادها الوزير قائلاً: وزعها بين تلامذتك الذين يحضرون دروسك. ففتحها السيد الرضي امام الطلبة وقال: ليأخذ منها كل من يحتاج منكم، فقام بين اولئك الطلبة واحد فقط فأخذ نصف دينار، فسأله السيد الرضي: لم لا تأخذه كاملاً؟ قال التلميذ: لقد نفد عندي البارحة زيت المصباح فجئت الى خزانتك في المدرسة لآخذ شيئاً من الزيت فكانت مقفولة ولم يكن عندي المفتاح لذلك ذهبت الى البقال واستدنت منه زيتاً للمصباح، والان بهذه القطعة من الدينار اريد تسديد الدين ولا اريد اكثر. واخيراً كان مصير تلك الهدية انها عادة للمرة الثالثة الى الوزير ولم يؤخذ منها سوى نصف دينار.
وهكذا كان السيد الشريف الرضي(رض) قد زرع في نفوس طلابه ما في نفسه الابية من العزة والهمم العالية والنظر الى الدنيا بروح القناعة والحرية. ومن بعد هذه القضية صنع الشريف الرضي لكل واحد من طلبة العلوم الدينية مفتاحاً ليأخذ من بيت المال حاجته في أي وقت شاء وأراد.
والمدهش في الامر ان الطلبة لم يأخذوا الا مقدار حاجتهم الضرورية اذ كان السيد قد رباهم كيف ينبذون الحرص ويجسدون بعملهم مقولة ابي ذر الغفاري(رض): الحمد لله على القناعة.
وفي الختام شكراً لكم ايها الاعزاء ـ على حسن المتابعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.