البث المباشر

الفجر الصادق ۳

الثلاثاء 8 أكتوبر 2019 - 11:33 بتوقيت طهران

اذاعة طهران – قصص الصالحين : الحلقة : 40

 

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان

خلاصة القسم الأول والثاني

عشنا في الحلقة الأولى مع صورة للحياة الجاهلية بقسونها وهمجيتها، بتعطشها للدماء، بجهالتها وبلادتها وإنغلاقها الفكري ولاحظنا في طرف من الحوار الذي سيق هناك إحتفاء العرب بأيامهم تلك التي تمثل في غالبها غارات قتل وسبي ونهب وسلب. وفي وجه آخر من تلك الصورة الجاهلية رأينا جانباً لايقل عتمة وظلامة، رأينا الطفولة البريئة تنتزع من احضان الأمومة الدافئة الحنونة لتدس في التراب فالبنت مجلبة للعار وهي لهذا لاتستحق الحياة. وكالملاك الطاهر عندما يهبط بلباسه النقي الناصع البياض من السماء ليخطو على الأرض كان هناك رجلان يتناجيان بحديث جميل يلذ للآذان سماعه، إنه حديث السماء، حديث الخلاص، حديث الثورة على الواقع الجاهلي المظلم. لقد كان الحوار ذاك إرهاصاً لإعلان الرسالة المنقذة، أجل الإعلان الذي أقلق على قريش ومكة نومها وأيقظها من سباتها العميق.

القسم الثالث


كانت هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وأتباعه من مكة الى يثرب مفاجئة كبيرة أذهلت قريش وزعامات الشرك وأثارت أحقادهم وضغائنهم الى أبعد حد أما وقد يجد المسلمين وأصبح لهم كيانهم وقاعدتهم القوية التي ينطلقون منها في تحركهم فقد أطال ذلك صوابهم وفجر مخزون أحقادهم اللئيمة. فماذا يفعلون ومحمد وأتباعه ليسوا في متناول أيديهم هل هناك من سبيل آخر للتنفيس عن نيران الأحقاد المضطرمة في نفوسهم غير أن يصبوا أسواط عذابهم على المسلمين المستضعفين الذين لم يتمكنوا من اللحاق بركب الرسول او أن يغروا على بيوت المسلمين المهاجرين ينهبونها ويخلفوا لعوائلهم الحرمان والمعاناة. وفات الزعامة القرشية أن عواقب اللعبة التي إختارتها ستهدد فريش نفسها وتجارتها وثروتها فالموقع الجغرافي للمدينة المنورة قد خولها لأن تتلاعب بمصير مكة متى شاءت وتقطع عليها طرق قوافلها وهكذا كان.
ففي احد الأيام أقبل أحد المسلمين تشتد به فرسه ولما بلغ مسجد الرسول قفز من على ظهر جواده فإعترضه آخر سائلاً: خير؟ ماذا وراءك ياأخاه؟
قافلة كبيرة لقريش مقبلة من الشام وعلى رأسها أبو سفيان.
يا الله اذن إسرع وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله.
ويتجهز المسلمون لإعتراض القافلة غير أن الأمور تسير على نحو آخر فتبتعد القافلة عن الطريق الرئيس وتتسامع قريش بالنبأ فتعبء جيشاً كبيراً لحرب المسلمين.
تقدم رجال من معسكر المشركين ليحملوا قتلاهم الثلاثة فيما حمل البطلان المسلمان رفيقهم الجريح. كانت خسارة المعسكر القرشي فادحة فقد فقد في لحظات ثلاثة هم خيرة مقاتليه ولم يعد بوسع قادته وقد خشوا من أن تدب الهزيمة المعنوية الكاملة بين صفوف جيشهم إلا أن يعطوه شارة الإلتحام. ومع حركة الجيشين إختلطت أصوات المقاتلين وصهيل الخيل ورغاغ الابل وإرتفعت سحابة كبيرة من الغبار ثم تعالت قعقعة السلاح معلنة عن صدام ضري بين الجيشين. دارت الحرب وإضطرمت وحمى وطيسها وتداعت الأصوات وتجاوبت الأصداء وزلزلت أقدام وثبتت أخرى. وسواعد المسلمين تضرب بقوة الايمان وتعلو أسيافها في جماجم ورقاب العدو بثبات وصلابة تحسد عليها. بدت الكفة تميل بوضوح لصالح الجيش النبوي وشيئاً فشيئاً أخذ الإضطراب يدب في الجيش الوثني وعمت الفوضى ثم وقعت الهزيمة المنكرة وإنهزم الجمع وولوا الدبر. ورددت الأفواه بقين وقوة: الله أكبر.... الله أكبر
وتجاوبت سهول ووديان بدر مع هذه الصرخة المدوية وظلت هاتان الكلمتان الربانيتان تتماوجان في الفضاء كنغمتين أبديتين تبعثان على الشعور بالجلال والخشوع.
دخل غلام أبي سفيان أحد أندية قريش ليهمس في أذن سيده بضع كلمات وينسحب وعلى الأثر ودع أبو سفيان جلساءه وخرج. وعند الباب قال لغلامه الذي وقف ينتظره: تقول إنه حيي بن أخطب؟
أجل ياسيدي!
وأين تركته؟
أدخلته الدار وقلت له إن سيدي سيحضر حالاً.
حسناً فعلت!!
هههه أهلاُ بك يابن أخطب. كيف هو حال إخوتنا من يهود يثرب؟
وهل يبقي لنا محمد حالاً نحمد عليها؟
لك الحق خصوصاً بعد أن ركبه الغرور فأبعد إخوانكم من بني النظير عن ديارهم.
إسمع يابن حرب إنني ما جئتك إلا في أمر هذا الرجل، فهل أنتم صارمون وحازمون في رأيكم بإجتثاث دعواه وإخماد جذوته أم أنكم سئمتم الحرب؟
هات ما عندك يابن اخطب فإنك أعلم أننا أحرص على هذا الأمر.
الأمر عندي هين وهو أن أقنع اليهود على حربه وتساعدني في إقناع قبائل العرب واذا ما إستطعنا جمع أمرهم على القتال فهل ترى لمحمد بعد ذلك من باقية؟؟
أطلق الرجلان ضحكة عالية وعلق أبو سفيان قائلاً: نعم الرأي ما رأيت.
ينجح اليهود في تأليب القبائل العربية على النبي صلى الله عليه وآله وتجيء الأحزاب بكيدها وخلف أبي سفيان تخفق رايات قريش وبني خزاعة وأشكع ومرة وسليم وبني سعد وبني أسد وغيرهن من قبائل العرب. ويحمل النبأ للنبي صلى الله عليه وآله: أنهم عشرة آلاف مقاتل يارسول الله!!
"كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله الله مع الصابرين" ويعلن الرسول بعدم مغادرته المدينة والتحصن فيها لمواجهة العدو. ووقف صلى الله عليه وآله يخطط للمعركة، يلقي نظرة متأنية فيستوعب الموقف بكامله. كانت المنازل القائمة على الجبهتين الشرقية والغربية للمدينة عالية كأنها سور منيع ومن الجنوب حيث يقع حي يهود بني قريظة يتكون المدينة آمنة ايضاً لو أنهم حافظوا على عهدهم مع رسول الله. اذن فلم تبق امام العدو إلا ثغرة واحدة يمكنه النفوذ منها وهي الجهة الشرقية. إلتفت رسول الله الى اصحابه وسألهم أن يشيروا عليه، عمّ الصمت للحظات إلا أن رجلاً تقدم وقال: إنا كنا بفارس اذا حوصرنا خندقنا علينا!!
بان البشر على ملامح رسول الله وعرف المسلمون أن النبي إستحسن إقتراح سلمان الفارسي فإندفعوا يحفرون والقائد بينهم يضرب بمعوله كأحدهم.
عاد الرجل يكرر دعوته بزهو وخيلاء وتبجح: هل من مبارز؟
وعاد شاب أسمر يمتلأ قوة ورجولة أن يقول: أنا له يارسول الله!
ردّ الرسول للمرة الثانية بالقول: إجلس إنه عمرو!
أجال رسول الله نظرة في المسلمين وهو يقول: من له؟ وله الجنة!!
كان الحصار المفروض على المسلمين على أشده خصوصاً وقد نقض بني قريظة عهدهم مع الرسول وكان الخوف قد إستبد بالمسلمين فطأطأت الهامات المرفوعة وإنكمشت وبلغت القلوب الحناجر ولاذ الجميع بالصمت إلا صوتاً واحداً أجاب رسول الله...
وإن كان عمرواً؟؟؟
وتقدم! تقدم علي ليكتم انفاس عمرو بن عبدود العامري ويعود حاملاً رأسه. وهكذا فك علي الطوق عن اسلامه المحاصر ينطلق الى الآفاق، الآفاق البعيدة، يحرر النفوس والعقول ويعيد للإنسان كرامته التي منجه الله إياها ويرسم للبشرية المستقبل المشرق الوضاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة