البث المباشر

فاطمة (ع) في آية المودة في القربى - ۲

الثلاثاء 1 أكتوبر 2019 - 10:11 بتوقيت طهران

اذاعة طهران - فاطمه في القرآن والسنة: الحلقة 50

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمدُ لله الرّؤوف الغفّار، وأفضل الصّلاة والسلام على النبيِّ المصطفى المختار، وعلى آله الطيبين الأخيار. إخوتنا الأعزّة الأفاضل السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم مرّةً أخرى في تأمّلٍ آخر حول آيةِ القربى، أو آية المودّة، قولُه تبارك وتعالى في سورة الشورى: "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى" وقد أوقفتنا الآية المباركة على أمرين عظمين: الأوّل، على المودّة ووجوبها، والثاني، على القربى. من هُم يا ترى؟!.
أمّآ الأمرالأوّل فيكاد المفسّرون يتسالمون عليه؛ إذ من الواجب العقليّ، بل الضميريّ .أن يفي الإنسانُ إلى من أحسن إليه، ورسول الله صلّى الله عليه وآله كان له الفضلُ الأعظم على العالم؛ حيث تحمّل عظيم الشدائد والنكبات، وعانى وجاهد أشدّ العناء والجهاد؛ فأتانا بأشرف الأديان وأسمى الكتب وأكرم الشرائع، لينقذنا من مهالك الجهالة، ومزالق الضّلالة، وليأخذ بأيدينا إلى شريف الرضوان، ودائم النعيم في الجنان. فكان لا أجر يطلب من هذه الأمّة، إلاّ المودّة في خاصّة قرباه، ابنته وبضعته الصديقة فاطمة، وابن عمّه ووصيه عليّ بن أبي طالب، وولديه وسبطيه وريحانتيه الحسن والحسين صلواتُ الله عليهم أجمعين.
بعد هذا ألا تكون المودّة المطلوبة فرضاً واجباً عليناً جميعاً؟ تعالوا معنا أيها الإخوة الأعزّة نتبين ذلك في حديثٍ خاصٍّ نقتطف منه موضع الشاهد في موضوعنا هذا، إلى ذلك بعد هذه الوقفة القصيرة.
إخوتنا الأكارم في كتاب (عيون أخبار الرضا عليه السلام) روى مؤلّفُه الشيخ الصدوق أنّ الإمام الرضا عليه السلام تلا في مجلس المأمون اثنتي عشرةَ آيةً من آيات الاصطفاء، كانت السادسة منهنّ قوله تعالى: "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى"، تلاها الإمام ثمّ كان له بيانٌ مفصلٌ في ظلّها، اخترنا منه هذه العبارات الشريفة، حيث قال سلامُ الله عليه حول آية المودّة: "وهذه خصوصيةٌ للنبيِّ صلّى الله عليه وآله يوم القيامة، وخصوصيةٌ للآلِ دونَ غيرهم". (إلى أن قال:) "فأحبَّ الله عزّوجلّ أن لا يكونَ في قلب رسول الله صلّى الله عليه وآله على المؤمنين شيء، ففرض عليهم الله مودّة ذوي القربى. فمن أخذ بها وأحبّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأحبّ أهل بيته، لم يستطع رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يبغضه. ومن تركها ولم يأخذ بها (أي مودّتهم)، وأبغض أهل بيته فعلى رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يبغضه؛ لأنّه (أي المبغض) قد ترك فريضةً من فرائض الله عزّوجلّ".
ثمّ قال الإمام الرضا سلامُ الله عليه مضيفاً وممجّداً: "فأيُّ فضيلةٍ وأيُّ شرفٍ يتقدّمُ هذا أو يدانيه؟! فأنزل اللهُ عزّوجلّ هذه الآية على نبيه صلّى الله عليه وآله: "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى"".
فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله في أصحابه، والحديث مايزال للإمام الرضا عليه السلام، فحمد اللهَ وأثنى عليه، "وقال: يا أيها الناس، إنّ الله عزّوجلّ قد فرض لي عليكم فرضاً، فهل أنتم مؤدُّوه؟ فلم يجبه أحد، فقال: يا أيها الناس، إنّه ليس من فضّةٍ ولا ذهب، ولا مأكولٍ ولا مشروب". فقالوا: هاتِ إذن. فتلا عليهم هذه الآية، فقالوا: أمّا هذه فَنَعَم.
قال الإمام الرضا: "فما وفى بها أكثرهم، وما بعث اللهُ عزّوجلّ نبياً إلاّ أوحى اللهُ إليه أن لا يسألَ قومه أجراً؛ لأنّ اللهَ عزّوجلّ يوفيه أجر الأنبياء. ومحمّدٌ صلّى الله عليه وآله فرض اللهُ عزّوجلّ طاعته ومودّة قرابته على أمّته، وأمره أن يجعل أجره فيهم ليؤدُّوهُ في قرابته، بمعرفةِ فضلهمُ الذي أوجب اللهُ عزّوجلّ لهم".
وهكذا أيها الإخوة الأحبّة توصّلنا إلى أن رسول الله صلّى الله عليه وآله من بين جميع الأنبياء عليهم السلام قد كان له أجرٌ على تبليغ الرسالة، وأنّ ذلك الأجر هو أجرٌ معنويٌّ شريفٌ اختصّ به، ذلك هو مودّةُ قرباه، ليس جميع قرباه، بل الأخصّون منهم، أهل بيته أصحاب الكساء: عليٌّ والزهراء والحسنان سلامُ الله عليهم، فهؤلاء هُم قرباه الذين عنتهم آيةُ القربى، وهم الذين فرض الله مودّتهم في آية المودّة، وذلك ما وقع عليه الاتّفاقُ والائتلاف، ولم يقع فيه إلاّ من الشّواذ أيُّ اختلاف. حتّى شاع عن الشافعيِّ صاحب المذهب بيتاهُ هذان:

يا أهلَ بيتِ رسولِ اللهِ حُبُّكم

فرضٌ من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفخر أنّكم

من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له


ولقد أورد هذين البيتين ابنُ حجر المكيُّ الشافعيّ في (الصواعق المحرقة)، والزَّرقانيُّ في (شرح المواهب اللّدُنية)، والشّبراويُّ الشافعيّ في (الإتحاف.. بحبِّ الأشراف)، وابنُ الصبّانِ المصريُّ الشافعيّ في (إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين). أمّا الشيخ إسماعيل بن محمّد العجلونيّ، فقد كانت له هذه الأبيات:

لقد حاز آل المصطفى أشرف الفخر

بنسبتهم للطاهر الطيّب الذّكرِ

فحبُّهُم فرضٌ علي كلِّ مؤمنٍ

أشار إليهِ اللهُ في محكمِ الذّكر


وما بلغ العلماء والمحبّون هذا الأمر إلاّ بعد أن وفدوا علي وافر روايات كتب الحديث، ممّا أخرجه ابنُ حنبل في (مناقب الصحابة)، وابنُ المغازليّ الشافعيّ في (مناقب عليّ)، والجوينيُّ الشافعيّ في (فرائد السمطين)، والهيثميُّ الشافعيّ في (مجمع الزوائد)، وابنُ الصبّاغ المالكيّ في (الفصول المهمّة)، والگنجيُّ الشافعيّ في (كفاية الطالب)، وعشراتٌ غيرهم أنّ الصحابة لمّا نزلت آية المودّة سألوا رسول الله صلّي الله عليه وآله: يا رسول الله: من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتُهم؟ فقال: "عليٌّ وفاطمة وابناهُما". وهنا تعيّن وبوضوحٍ أمران: أنّ القرابة القربي هؤلاءِ لا غيرُهم، وهم الذين عنتهم الآية الشريفة، وأنّ مودّتهم فريضةٌ واجبة، وذاك ما صرّح به أحمدُ بن محمّدٍ القسطلانيّ في كتابه (المواهب اللَّدُنيّة في المنح المحمّدية) حيث قال معلّقاً علي الحديث: لقد ألزم اللهُ مودّةَ قربي النبيِّ كافّةَ بريّته، وفرض محبّة أهل بيته المعظّمِ وذريّته، فقال تعالي: "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى".

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة