البث المباشر

الزيارة والرثاء

السبت 10 يوليو 2021 - 16:56 بتوقيت طهران
الزيارة والرثاء

إذاعة طهران- أدب الإمام علي (ع):

الزيارة ‌شكل فني يماثل الاشكال الفنية الاخرى من حيث ادوات الصياغة: لفظياً وايقاعياً وصورياً وبنائياً. لكنها تتميز عنها بكونها تتضمن (بعداً وجدانياً) يتجه الى النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) بصفتهم شفعاء ووسائل الى الله تعالى من جانب، وبصفتهم شخصيات منتقاة قد مارست الوظيفة العبادية ‌بالنحو المطلوب من جانب آخر، مضافاً الى ان تقويم شخصياتهم من قبل الداعي يعد نمطاً من (الوفاء) الانساني، فالميت العادي طالما يتجه اليه ذووه وجيرانه واصدقاؤه وحتى من لم يرتبط معه بعلاقة اجتماعية مباشرة: يتجهون الى تجديد ذكراه وقراءة الفاتحة عليه الخ، وحينئذ فان التوجه الى النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) يظل حاملاً مشروعيته بطريق أولى...
والمهم، أن الامام علياً (عليه السلام) قد توفر على صياغة بعض الزيارات التي تخص النبي (صلى الله عليه وآله) والزهراء (عليها السلام)، كما ان الائمة (عليهم السلام) توفروا على صياغة الزيارات بعضهم للآخر، وحتى لذاته: يهدف جعلها نموذجاً للآخرين في ممارستهم لعمل الزيارة... وسوف نرى ان «الزيارة» تقترن صياغتها الوجدانية عادة بالثناء على الله، ثم السلام على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم الامام المزور: مع عرض لمواقفه العبادية، الدعاء للزائر ذاته... لكن ينبغي ان نشير الى أن هناك عدة‌ اشكال مأثورة عن الامام (عليه السلام) في ذكره للنبي (صلى الله عليه وآله) أو الزهراء (عليها السلام) احدها يتصل بمجرد المدح، والآخر يتصل بالرثاء، والثالث يتصل بالزيارات ... مع ملاحظة ان هذه المستويات تتماثل في صيغها الفنية والمضمونية، واليك نماذج منها:
۱- (اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك على محمد عبدك ورسولك، الخاتم لما سبق... اللهم افسح له مفسحاً في ظلك واجزه مضاعفات الخير من فضلك، اللهم وأعل على بناء البانين بناءه واكرم لديك منزلته... اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيش وقرار النعمة ومنى الشهوات، وأهواء اللذات ورخاء الدعة ومنتهى الطمأنينة وتحف الكرامة...) (۲۰)
۲- (بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء، وأخبار السماء .. الخ) (۲۱)
۳- (السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورق عنها تجلدي... الخ) (۲۲)
فالملاحظ في هذه النماذج: تضمنها للزيارة والرثاء والمدح، لكنها جميعاً تخضع لصيغ فنية وفكرية متماثلة. فمن حيث (الفكر) هناك: عنصر (ذاتي) (بأبي أنت وأمي) (قل يا رسول الله عن صفيتك صبري) ،‌ وهناك عنصر (موضوعي) (انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة...) (اللهم: أعل على بناء البانين بناءه واكرم لديك منزلته) ، مع ملاحظة ان (الذات والموضوع) هنا لا ينفصل احدهما عن الآخر، فذاته (عليه السلام) ذائبة في (الله تعالى) لأن محمداً (صلى الله عليه وآله) والزهراء (عليها السلام) تجسيد للنموذج العبادي وليس للنموذج (النسبي) والا لتعرض الى سواهما ايضاً ممن يرتبط به (عليه السلام) نسباً: كما هو واضح.
ومن حيث الفن: فان النصوص المشار اليها تجمع بين الترسل وبين العبارة الايقاعية والمصورة: لكن دون ان تحشد بما هو مكثف من الصور والايقاع،...
وذلك بسبب من كونها (خواطر) تتحدث الى الله تعالى أو الى الرسول (صلى الله عليه وآله) والى الزهراء (عليها السلام)، وليس الى الناس ممن يخاطبهم بعواطفهم التي تتطلب صياغة تصويرية وايقاعية، بل يتحدث الى من خلقه، ثم الى من عرفه تماماً، فيما لا حاجة الى أية لغة غير مباشرة يراعى ما يتطلبه الناس بنحو عام.

*******


(۲۰) نهج البلاغة: ص ۱۲٦،۱۲۸.
(۲۱) نفس المصدر: ص ٤۲٥،٤۲٦.
(۲۲) نفس المصدر: ص ۳۹٥.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة