نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام) حيث حدثناك عن أحد ادعيته الخاص بقراءته بعد زيارته، وانتهينا من الحديث عن استهلال الدعاء المتضمن لمصطلح النور حيث جاء قوله (عليه السلام): (وان تملأ قلبي نور اليقين، وصدري نور الايمان، وفكري نور الثبات، وعزمي نور العلم، ولساني نور الصدق، …)، ان كلمة او مصطلح النور المتكرر هنا له نكاته ودلالاته واسراره المتنوعة، وقد سبق ان اوضحنا (في لقائنا السابق) بأن هذا المصطلح (تناص) او تضمين قرآني مشير الى انه تعالى: نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وان النور ايضاً قد استخدم في سياقات مشيرة الى ان الاسلام او الايمان أو مبادئ الله تعالى هي (نُورُ) قبالة الظلمات التي تعني كل ما هو بمنأى عنه تعالى.
في ضوء الحقائق المتقدمة نتجه الان الى مقطع الدعاء ونبدأ بعبارة: (ان تملأ قلبي نور اليقين) ، ثم عبارة (وصدري نور الايمان)، هنا نواجه عبارتين تنطويان على اسرار دلالية مثيرة لامناص من الوقوف عندها ولذلك نتساءل اولاً: ما هو الفارق بين (القلب)و(الصدر)؟
ثم ما هو الفارق بين (اليقين) و(الايمان)، ثم: لماذا قال (نور اليقين) بالنسبة الى القلب بينما قال: نور الايمان بالنسبة الى الصدر ؟
اذن ثمة تساؤلات في غاية الأهمية والدقة والطرافة لابد لقارئ الدعاء (اذا كان جادّاً أو داعياً لقارئ الدعاء ان يتبينها والا كانت القراءة نشاطاً لسانياً لا فاعلية فيه، اذن لنجب عن الاسئلة المتقدمة؟
السؤال الاول هو: مالفارق بين (القلب) و(الصدر) ؟
الجواب: قال ابراهيم (عليه السلام): «وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» وهذا يعني ان القلب يطلب الاطمئنان او الثبات ونحوهما بينماالصدر هو مخزن للافكار أو العواطف أو مطلق الظواهر ولذلك ورد قوله تعالى: «مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ»، حيث نلحظ ان استخدام الصدر هنا ورد في سياق الحذر من تقبل الافكار الشيطانية بينما ورد استخدام القلب في سياق اليقين وهو: ظاهرة وجدانية بينما الصدر ظاهرة أعم من الفكر أو العاطفة، وفي ضوء هذه الفوارق نستخلص بان عبارة:(وان تملأ قلبي نور اليقين) ، انما يهدف منها الى الاطمئنان التام غير المشوب بالشك الا وهو: القناعة الكاملة بمبادئ الله تعالى وان عبارة: (وصدري نور الايمان) هو: الوعي الكامل بمبادئ الله تعالى وبهذا يكون (القلب) قد اقترن بما هو برهان يقتنع به والصدرقد اقترن بما هو وعي ومعرفة بذلك الايمان.
بعد ذلك نواجه عبارة: (فكري نور الثبات)، فماذا نستلهم من العبارة؟
ان الفكر هو المهارة الادراكية للانسان بمعنى ان العقل وهو الجهاز الذي يتلقى به معرفة الظواهر من خلال ما يبديه من مهارة ادراكية خاصة تنتهي بتشكيل هذه المعرفة او تلك ولذلك فان (الفكر) يظل هو الحصيلة النهائية لما يتلقاه الانسان من المعرفة وهذا ما يتناسق وقوله (عليه السلام) (وفكري نور الثبات)، فالثبات هو: السكون والاستقرار مقابل الحركة او الترجرج او التأرجح بين هذه المعرفة او تلك … من هنا يطلب الدعاء متوسلاً بالله تعالى بان يجعل تعالى فكر قارئ الدعاء ممتلئاً بنور الثبات على معرفة مبادئ الله تعالى.
اذن ادركنا جانباً من الاسرار الكامنة وراء العبارات التي تتحدث عن القلب والصدر والفكر، والتناسب بين هذه المصطلحات وما يقترن بها من ظواهر اليقين والايمان والثبات، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة طاعته والتصاعد بها الى النحو المطلوب.