نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها أدعية الامام الخاص بتعقيب صلاة الفطر، وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه التوجه الى الله تعالى بمحمد وآل محمد (عليهم السلام) بهذا النحو: (فاجعلني بهم وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فانك مننت علي بهم بمعرفتهم فاختم لي بالسعادة والسلامة والأمن، والايمان والمغفرة والرضوان، والسعادة والحفظ، …).
واضح أن عبارة: (اجعلني بهم وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)، انما تعني ذا موقع له قيمته الاجتماعية، وهنا قد يتساءل قارئ الدعاء هل ان المؤمن بحاجة الى موقع اجتماعي: غير التقرب الى الله وحده تعالى؟
نجيب على السؤال المتقدم بشيء من التوضيح.
مما لا ترديد فيه ان الوجه الاجتماعي يرتبط بأهم سمات الشخصية الاسلامية الا وهي (العز)، ولذلك ورد أن المؤمن يستطيع أن يعرض عليه اي عارض الا اذلال نفسه، لانه عزيز، وعزته تتمثل باعتزازه بالله تعالى، اي: المؤمن يتعزز بالله تعالى، وهذا يعني: ان البعد الاجتماعي سواء اكان في الدنيا او الاخرة، يأخذ مشروعيته من خلال عز الشخصية، وكم ورد من الاحاديث التي تتوسل بالله تعالى ان لا يفضح عبده المؤمن امام الملأ وان يستره بستره.
هذا فيما يتصل بعز الدنيا والاخرة، واما ورد بعد ذلك من عبارة: (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) فتظل مرشحة بدورها تشمل القرب دنيوياً واخروياً، اما دنيوياً فان ممارسة الطاعة هي التي (تقرب) الى الله تعالى اما اخروياً فيشمل الموقع الذي يحتله العبد في منازل الاخرة من حيث القرب عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ مع المعصومين (عليهم السلام) وسائر الشخصيات المصطفاة والمنتخبة التي مارست الطاعة في أرفع مستوياتها.
بعد ذلك نواجه عبارة: (فأنك مننت علي بهم بمعرفتهم)، هذه العبارة امتداد لما سبقها من العبارات التي حدثناك عنها حيث تعني ان عطاء الله تعالى يظل من اللطف ومن السعة الى درجة لا يمكن احصاء أهميتها، وذلك لانه تعالى اولاً من علينا بمعرفتهم، والافأن المنعزلين عن المعصومين (عليهم السلام) محرومون من نعمة (المعرفة) بهم ومن ثم يحرمون من درجة القرب من الله تعالى.
بعد ذلك نواجه الفقرات الآتية: (فأختم لي بالسعادة، والسلامة، والامن والايمان، والمغفرة والرضوان، والسعادة والحفظ، ...)، هنا نواجه جملة نكات، منها: ان التوسل ينحصر بحسن العاقبة، اي اختتام حياة قارئ الدعاء بالخير، حيث وزعه الدعاء في ثمانية امور، كل اثنين منها في خانة، ونتساءل ما هي الثنائيات المذكورة؟
الجواب:
الثنائية الاولى: تطلب السعادة والسلامة. اي: معايشة السعادة المقترنة بختام العمر، حيث تعني: السرور بالطاعة وتعني: السلامةمن الذنب.
اما الثنائية الثانية فهي: الامن والايمان. فالاولى هي من اهم الدوافع المركبة في الانسان، لانه من دون الامن والاستقرار النفسي يظل الاضطراب والخوف والقلق والتمزق مواكب لحياة الانسان، واما الايمان فواضح، اي: الايمان الذي اقترن بنا من الشخصية، طالما نعرف ان عدم الامن قد يتسبب في التقليل من درجة الطاعة نظراً للشدة النفسية التي يعانيها المضطرب.
والثنائية الثالثة: تتمثل في المغفرة للذنوب، اي: سترها ثم رضوانه تعالى في ختام العمر.
واما الثنائية الرابعة: فتتمثل في السعادة (من جديد) حيث جاءت عبارة (السعادة) مرتبة، الاولى في قوله (عليه السلام): (السعادة والسلامة)، اما الان فتعني السعادة المقترنة باستمراريتها مع الحفظ بمستوى التوفيق الذي يطال الشخصية.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.