نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الامام المهدي، (عليه السلام) في تعقيبه لصلاة الفطر، حيث ورد: (أعوذ بحرمة وجهك الكريم، وحرمة نبيك، وحرمة الصالحين، ان ينصرم هذا اليوم، (اي: الفطر) ولك قبلي تبعة تريد ان تؤاخذني بها، او ذنب تريد ان تقايسني به، وتشقيني وتفضحني به، او خطيئة تريد ان تقايسني بها، وتقتصها مني لم تغفرها لي)، ان هذا النص ينطوي على نكات دلالية متنوعة منها: الفارق بين الذنب والخطيئة والتبعة، وقد اوضحنا الفوارق فيما بينها في لقاء سابق، اما الان فنحدثك عن جوانب اخرى منها: ان النص بدأ بالتعوذ بالله تعالى ونبيه وبالصالحين، هنا لامناص من الاشارة الى ان المقصود بـ(الصالحين) هم: فاطمة والائمة (عليهم السلام) بقرينة ان الدعاء منذ استهلاله جعل هؤلاء هم الواسطة بين الله تعالى ويين قارئ الدعاء.
اما النكتة الاخرى فتتمثل في صياغة مصطلحات متنوعة تتصل بما يترتب على المفارقات الصادرة من الانسان وهي: الذنب،الخطيئة، التبعة، اي: الجزاء المترتب عليها حيث نجد ان النص يقول حيناً: (او ذنب تريد ان تقايسني به، او تشقيني، او تفضحني)، فهنا نلحظ مصطلحات المقايسة، والشقاء، والفضيحة فيما يتعلق بالذنب، واما ما يتعلق بالخطيئة فيقول النص:(تريد ان تقايسني بها وتقتصها) واما بالنسبة الى (التبعة) فيقول: (تريد ان تؤاخذني بها)، هنا نحسبك تتساءل قائلاً: لماذا استخدم مصطلح (المقايسة) حيناً، ومصطلح (المؤاخذة) حيناً ثانياً والاقتصاص حيناً ثالثاً، بالاضافة الى استخدام كلمة (تشقيني)، وكلمة(تفضحني) اذن: نحن الان امام مصطلحات متنوعة، الا يجدر بقارئ الدعاء ان يحيط خبراً بهذه المصطلحات؟
ان قارئ الدعاء يعنيه ان يفهم هذه المصطلحات ولنقف عند اولها وهو: المقايسة ترى ما المقصود منها؟
الجواب: المقايسة هي من المقارنة بين طرفين، اي عندما تقيس مسافة معينة مثلاً: انما تريد ان تعرف قدرها، وعندما تقيسها مع مسافة اخرى: تتحدد الفوارق بينهما وبالنسبة الى الذنب، فان الدعاء تارة يهدف الى التوسل بالله تعالى بالا يقيس عدد ذنوبه حتى لا يرتب عليها اثراً، او لا يقايس بين الذنوب وبين ما يترتب عليها لان ذلك سوف يفضح العبد أو ان الله تعالى اذا استقصى ذنوب عبده فان العدل هو: معاقبة العبد، ولكن بما ان الله تعالى تسبق رحمته غضبه، حينئذ فان الاستقاء او مقايسة حجم الذنوب تصبح لغير صالح العبد، وهذا ما لاحظه الدعاء في توسله بالله تعالى بالا يقايسنا بذنوبنا بل يعاملنا برحمته لا بعدله.
في ضوء ماتقدم نفهم ماذا تعني عبارة (المؤاخذة، والاقتصاص) فالمؤاخذة مثل ان يرتب تعالى على الكذب مثلاً جزاءاً عاماً، اما الاقتصاص فهو النفس بالنفس، والجرح بالجرح الخ، بمعنى ان نمط الذنب يترتب عليه نمط العقاب من حيث التماثل بينهما: مع ملاحظة ان العذاب اخروياً لايقاس بما هو دنيوي بطبيعة الحال.
اخيراً ورد مصطلح (تشقيني) ومصطلح (تفضحني) (يشقيني) فيعني: ان يترتب عليه العذاب فعلاً وان كلا منهما قد توسل الدعاء بالله تعالى بأن لا يؤاخذ الله تعالى به عبده، بل يتعامل تعالى بالرحمة غير المحدودة، وهي ما يجسد حسن ظننا بالله تعالى.
ختاماً قبل ان نتجه الى مقطع جديد من الدعاء، نتوسل بالله تعالى ان يشملنا بما ورد في الدعاء من التوسل بالله تعالى، وان يعصمنا من الذنب، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******