البث المباشر

قصيدة المؤنسة لقيس بن الملوح

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:40 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين. أيها الأخوة والأخوات في كل مكان السلام عليكم ويسرنا أن نلتقيكم من جديد عند واحة أخرى من واحات الشعر العربي حيث القصائد الخالدة والأشعار الرائعة وحيث الكلمة الملتزمة والصورة الفنية الجميلة آملين أن يروق لكم ماإجتنيناه لكم لهذا الأسبوع من بستان الشعر العربي الحافل بكل ما لذ وطاب وأمتع وأفاد من بليغ الكلام وجميل المعاني، تابعونا على بركة الله.
المحاورة: أيها الأحبة قصيدتنا لحلقة هذا الأسبوع هي القصيدة التي عرفت بين قصائد الغزل العذري بإسم المؤنسة لمجنون العاشقين والموله المستهام والهائم على وجهه على عرض الصحراء قيس بن الملوح زعيم العاشقين وقائد الولهى المتيمين، الشاعر الذي تحول الى رمز للحب العذري المخفق الذي لم يتوج بلقاء الحبيب حيث ذاق المحبان لوعة الفراق وأسى البعد ولم ترتض لهما العادات والتقاليد الاجتماعية القاسية التي لاتقيم للمشاعر والعواطف الانسانية وزناً أن يعيشا معاً وأن ينعما ببرد الوصال.

تذكرت ليلى والسنين الخواليا

وأيام لانخشى على اللهو لاهياً

بتمدين لاحت نار ليلى وصحبتي

بذات الغظى تزجي المطي النواجيا

فقال بصير القوم ألمحت كوكباً

بدا في سواد الليل فرداً يمانياً

فقلت له بل نار ليلى توقدت

بعليا تسامى ضوءها فبدا ليا

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما

يظنان كل الظن أن لاتلاقيا

اذا ما جلسنا مجلساً نستلذه

تواشوا بنا حتى أملّ مكانيا

خليليّ لا والله لاأملك الذي قضى

الله في ليلى ولاما قضى ليا

قضاها لغيري وإبتلاني بحبها

فهلا بشيء غير ليلى إبتلانيا


المحاورة: أطيب وأحلى التحيات لكم من جديد مستمعينا الكرام وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد. معنا في الستوديو خبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، السلام عليكم دكتور وأهلاً ومرحباً بكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم وبالمستمعين الكرام ونحن نجدد اللقاء بكم في ظل هذه الأجواء الرومانسية ..
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا دكتور شكراً لحضورك. نعم دكتور كما ذكرت شاعرنا لهذه الحلقة هو قيس بن الملوح، حبذا لو تحدثنا عن لون شعره اذا صح التعبير الذي شاع في العصر الأموي بشكل خاص.
الشحمان: في الحقيقة هذا الغرض من الشعر وهوالغزل كان موجوداً وشائعاً في الشعر العربي منذ العصر الجاهلي ولكنه كان في العصر الجاهلي من النوع التقليدي الذي يبدأ به الشاعر او يستهل قصيدته من خلال الوقوف على الأطلال واذا ما تتبعنا مسيرة الغزل نراها يجنح الى الضعف في عصر صدر الاسلام ثم يعود ليزدهر مرة اخرى ويبلغ ذروة تطوره في العصر الأموي نتيجة لعدة عوامل إزدهر الغزل في العصر الأموي، من هذه العوامل عدم وجود التشدد الديني الذي كان سائداً في ذلك العصر ومنها حالة الرخاء والهدوء والاستقرار الأمني نتيجة الفتوحات التي قام بها الحكام في ذلك الوقت فإتجه الناس الى هذا اللون من الشعر وإزدهر في هذه الفترة. ويمكننا أن نقسم هذا الغزل الذي ظهر وإزدهر في ذلك الوقت الى ثلاثة أقسام حيث يقف في مقدمتها الغزل البدوي او الغزل العذري العفيف الذي كان يقتصر فيه الشاعر على حبيبة واحدة وكما تعلمون سمي بهذا الأسم نسبة الى قبيلة بني عذرة التي كانت معروفة بهذا النوع من الحب وإشتهر به شعراء كثر، نستطيع أن نذكر منهم كثيّر الذي تعلق بعزة وشاعرنا الذي نحن بصدده وهو قيس بن الملوح وايضاً قيس الذي عشق لبنى وكذلك جميل بن معمر وكمثال على هذا الحب العفيف الذي يقتصر الشاعر فيه على حبيبة واحدة قول جميل بن المعمر:

يهواك ما عشت الفؤاد فإن أمت

يتبع صداك صداي بين الأقبر

الشحمان: وايضاً كان هناك الغزل من النوع الحضري الذي ظهر في المدن ولاشك أن زعيم هذا اللون من الغزل كان عمر بن أبي ربيعة وهذا النوع من الغزل كان غزلاً أباحياً الى حد ما وعلى عكس الغزل العذري لم يكن الشاعر يقتصر على حبيبة واحدة وإنما كانوا يعبثون بالنساء من خلال هذا اللون من الشعر كما يشير الى ذلك هذا الشاعر عمر إبن أبي ربيعة في قوله:

سلام عليها ما أحبت سلامنا

فإن كرهته فالسلام على اخرى

الشحمان: وايضاً كان هناك الغزل التقليدي الذي أشرنا اليه وهو الغزل الذي كان يقلد فيه الشاعر العصر الجاهلي وإشتهر بهذا اللون من الغزل جرير والفرزدق. وأما بالنسبة الى شاعرنا الذي نحن بصدده في هذه الحلقة وبصدد قصيدته التي عرفت بالمؤنسة لأن الشاعر كان يأنس بهذه القصيدة وكان يكثر من ترديدها وهو قيس بن الملوح، الشاعر الشهير المعروف الذي كسبت شخصيته بعداً عالمياً وإنتشر صيته بين الشعوب وخاصة الشعوب في الشرق حيث نعرف أن قصته تجاوزت الحدود وإنتقلت الى ايران والهند والى بلاد الأفغان والى بلاد اخرى..
المحاورة: ولاتزال تنشد قصائده..
الشحمان: نعم لاتزال تنشد ولاتزال حية رغم بعض الإضافات التي لحقتها في العصور المتأخرة إلا أننا نلاحظ أن أحد الشعراء الإيرانيين وهو النظامي الكنجوي نظم قصته في أحد دواوينه وهو ديوان "بنج كنج" أي كتاب الكنوز الخمسة. على كل حال لانريد أن نطيل الحديث. يعتبر قيس بن الملوح أحد الهائمين والمتيمين في الحب وكما قلنا عاش في العصر الأموي وأحب ووله بفتاة من قبيلته هي ليلى العامرية وبعد أن رفضت أسرتها تزويجها منها نتيجة للتقاليد، لأن التقاليد كانت تقضي بأن الرجل اذا ذكر المرأة في شعره كانوا يحرمونها عليه. فهام على وجهه في بادية الشام بل في بلدان اخرى وكانوا يجدونه مرة في نجد ومرة في الشام ومرة في العراق، كان يهيم على وجهه حتى قضى نحبه ووجد ملقى بين الأحجار وهو ميت فحمل الى أهله. ومن أبياته في حبيبته ليلى ونذكر بعض الأبيات، من الأبيات الشهيرة يقول:

أمر على الديار ديار ليلى

أقبل ذا الجدار وذا الجدار

وماحب الديار شغفن قلبي

ولكن حب من سكن الديار


وقوله ايضاً:

فياليت اذا حان وقت حمامها

وحكموا في عمري لقاسمت عمري

فحلّ فينا الفراق في ساعة معاً

فمت ولاتدري وماتت ولاأدري


الشحمان: وكانت ليلى ايضاً تبادله الحب والعشق وقالت فيه:

كلانا مظهر للناس بغضاً

وكل عند صاحبه مكين

تحدثنا العيون بما أردنا

وفي القلبين ثم هوى دفين


الشحمان: ونحن نتمنى أن يكون الحب دائماً من النوع العفيف والذي يرضي الله سبحانه وتعالى وأشكركم على هذه الإستضافة.
المحاورة: شكراً جزيلاً لهذه التوضيحات دكتور وأقدم لك شكري على هذه الإضاءات التي تقضلت بها والتي أنارت لنا بعض النقاط الغامضة التي تكتنف موضوع الغزل العذري، شكراً لكم دكتور. والآن ندعوكم مستمعينا الكرام الى مرافقتنا مع أبيات اخرى من قصيدة المؤنسة لمجنون ليلى.

فإن تمنعوا ليلى وتحموا بلادها

عليّ فلم تحموا عليّ القوافيا

أحب من الأسماء ما وافق إسمها

او أشبهه او كان منه مدانيا

يقول أناس علّ مجنون عامر

يروم سلواً قلت أنى لما بيا

فأنت التي إن شئت أشقيت عيشتي

وأنت التي إن شئت أنعمت باليا

وأني لأستغشي ومابيّ نعسة

لعل خيالاً منك يلقى خياليا

هي السحر إلا أن للسحر رقية

وأني لاألفي الدهر لها راقيا

لأن ضعن الأحباب ياأم مالك

فما ضعن الحب الذي في فؤاديا

فياربي اذ صيرت ليلى هي المنى

فزني بعينيها كما زنتها ليا

وإلا فبغضها اليّ وأهلها

فإني بليلى قد لقيت الدواهيا

على مثل ليلى يقتل المرء نفسه

وإن كنت من ليلى على اليأس طاويا

خليليّ إن ظنوا بليلى فقربا

لي النعش والأكفان وإستغفرا ليا

وإن مت من داء الصبابة فأبلغا

شبيهة ضوء الشمس مني سلاميا


المحاورة: أيها الأحبة على أمل أن تكونوا قد أمضيتم معنا أوقاتاً حافلة بكل ماهو ممتع ومفيد إسمحوا لنا أن نودعكم راجين أن تكونوا بإنتظارنا في حلقة الأسبوع المقبل عند قصيدة اخرى وعند شاعر آخر من حدائق الشعر العربي، في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة