البث المباشر

المقاتل الحسينية -۹

الأربعاء 12 يونيو 2019 - 09:09 بتوقيت طهران
المقاتل الحسينية -۹

بسم الله، والحمد لله، وأطيب الصلاة وأزكى السلام على المصطفى حبيب الله وعلى آله الهُداة أولياء الله.
إنّ الاقلام الغيورة التي انتصرت للامام الحسين بن علي (عليهما السلام)، وذكرت مظلوميته وشهادته، كانت اقلاماً متعصبة إما للحقّ، وإما للحقيقة، واما لكليهما.
وإنْ كانت جميعها لا تخلو إما من العواطف أو التعاطف؛ فأن قصة شهادة ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه قد استأثرت بالقلوب، وعملت في الضمائر، وأحزنت النفوس، ولذلك نرى آثارها عند الشيعة والسنة، وعند اليهود والنصارى، وعند كثير من الاقوام والاديان، تحيرّهم كيف يُقتل رجل تلك خصاله الشريفة بتلك القتلة الغريبة! ولذلك انطلقت في البيان والتدوين أقلام المحدثين والمؤرخين، وأقلام السيرة والخبر والرواية.
كلّ يُصوّر المنظر من زاوية خاصة، وبأسلوب خاصّ، فكُتبت المقاتل بصيغ تاريخية، وأدبية، وروائية خبرية وبدوافع عقائدية، ووجدانية.. وحيادية؛ تعصباً للشهيد السبط المظلوم مرّة، وتعصبا ً للحقائق التي يُخشى أن تندثر أو تضيع ـ مرّة أخرى-.
وكان من بين تلك المقاتل (مقتل الحسين (عليه السلام)) للمؤرخ الشهير (ابي مخنف) فلنقف عنده هذه الدقائق القليلة.
لقد عالج المؤرخ أبو مخنف كثيراً من الحوادث التأريخية بكتب صغيرة ومفيدة، تناولت ـ عن طريق الرواة القدماء ـ أموراً تتعلق بجوّ العراق السياسي في العصر الاموي عامة، وبجوّ الكوفة بصورة خاصة.
ومن هنا لم يفُت أبا مخنف تلك الواقعة العظمى التي هزّت الدنيا وأقامتها ولم تـُقعدها، وهي واقعة كربلاء الحسين، فسجلها بتفاصيلها من أفواه الرجال، وممن كان شاهداً للواقعة عن قرب، أو سمع بها عن قرب، أو ينقلها عن قريب منها، مسافة ً أو زماناً.
ومما يؤسف له أنّ معظم كتب ابي مخنفٍ قد ضاعت أو أضيعت، وتُلفت أو أتلفت؛ لاسباب يعرفها المؤرخون والمطلعون. وربما يرجع الفضل الاكبر في حفظ كتب ابي مخنف وروايتها وتوريثها للاجيال الى المؤرّخ والنسّابة محمد بن السائب الكلبيّ، ثم جاء الطبري فروى روايات ابي مخنف بحسب رواية الكلبي ّ.
على ان ابا مخنف يذكر احيانا رواة أقدم من الكلبي او معاصرين لهم ويعتمد عايهم، مثل: عامر الشَّعبيّ، وابي المخارق الراسبي ّ ومجالد بن سعيد. أما غالباً فإنه لم يأخذ ما رواه الكلبيّ عن أقرانه، بل جمع ابو مخنف رواياته من سماعه لها بنفسه، ومن السؤال عنها في مختلف مظانها، وعند كل من استفادها من مصادرها، أو حضرها بنفسه من الناس. وعلى هذا فإنّ الاسناد الذي تقوم عليه روايات أبي مخنف كان لا يزال عنده شيئا ً حقيقيا ً، ولم يكن مجرد صيغة ادبية، أو تخيلية، أو ظنّيّة أحتمالية. وكانت سلسلة الرواة الذين يذكرهم أبو مخنف هي دائماً سلسلة قصيرة جداً؛ نظراً الى ان المسافة التي تفصل بين ابي مخنف وبين الحوادث التاريخية التي روى اخبارها، كانت مسافة قصيرة جداً.
إنّ ابا مخنف دوّن كثيراً من المصنفات والتواريخ، حتى بلغت كتبه ستين كتاباً ربّما أُشير اليها بـ(التاريخ الكبير لابي مخنف)، منها: كتاب السقيفة، والشورى، ومقتل عثمان، والجمل، وصفّين، وكتاب اهل النهروان والخوارج، والغارات، وأخبار محمد بن ابي بكر ومقتله رضوان الله عليه، وكتاب مقتل امير المؤمنين علي (عليه السلام)، واخبار عبيد الله بن ابيه، ومقتل الحسن ومقتل الامام الحسين (عليهما السلام)، وكتاب اولاد مسلم بن عقيل، وواقعة الحرّة، وكتاب التوابين، وأخبار المختار بن ابي عبيد الثقفي، وأخبار الحجاج، وكتاب زيد بن علي، والخطبة الزهراء لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وسيرة الامام الحسين (عليه السلام) وغيرها كثير، جُمعت من ستة وعشرين كتابا ً تناثرت اخبارها ورواياتها فيها، منها: الارشاد للمفيد، والاستيعاب لأبن عبد البر، وامالي المرتضى، وأنساب الاشراف للبلاذريّ، وبحار الانوار للمجلسيّ، وتاريخ الطبريّ، وخزانة الادب للبغداديّ، وتاريخ دمشق لأبن عساكر، والعقد الفريد لأبن عبد ربّه، ومقاتل الطالبيّين، وفتوح البلدان للبلاذري ّ، ووقعة صفّين للمنقريّ وغيرها؛ لأن معظم كتب التاريخ وجلها كانت عيالاً على تواريخ ابي مخنف، لا سيّما في كتابه (مقتل الامام الحسين بن علي (عليه السلام)) الذي أصبح مرجعاً رئيسياً لمن يُريد ان يذكر واقعة الطف العظمى سنة احدى وستين للهجرة، فقد تناولها كبار المؤرخين كالطبريّ، وابن الاثير وأشارت اليه جميع الفهارس الرجاليّة والمعجمية، مثل رجال النجاشي، وفهرست ابن النديم، وفهرست الطوسي، ومعجم الادباء لياقوت الحمويّ، وفوات الوفيات للكُتبيّ، وايضاح المكنون للبابائي، والذريعة الى تصانيف الشيعة لآغا بزرك الطهراني وغيرها.
وقد احتلّ (مقتل الامام الحسين (عليه السلام)) في كتاب (تاريخ ابي مخنف مئة ً وتسعة صفحات في مئة وواحد وعشرين رواية، جمعها وحققها ونسقها، واستخرج المصادر التي روت عنها: الاستاذ كامل سلمان الجبوري وقد فصلّ خلالها في المقاتل والمصارع، وذكر الاخبار المهمة حول الوقائع التي سبقت واقعة كربلاء من رحيل ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) عن المدينة، حتى عودة السبايا الى المدينة، وقد بدأ ابي مخنف كتابه (مقتل الحسين (عليه السلام)) بهذا الخبر: عن عبد الله بن قيس قال: كنت مع من غزا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفيّن، وقد أخذ ابو ايوب الاعور السَّلميّ (من عسكر معاوية) الماء وحرزه عن الناس، فشكا المسلمون العطش، فأرسل الامام علي (عليه السلام) فوارس لكشفه فانحرفوا خائبين، فضاق صدره، فقال له ولده الحسين (عليه السلام): أمضي له يا أبتاه؟!
قال: أمضِِ يا ولدي. فمضى الحسين مع فوارس فهزم أبا ايوب عن الماء، وبنى خيمته وحط ّ فوارسه، وأتى الى ابيه علي ٍّ فأخبره.
فبكى عليُّ(ع)، فقيل له: ما بكيك يا أمير المؤمنين وهذا أول غتح ببركة الحسيين؟!
فقال: ذكرت انه سيُقتل عطشاناً بطفّ ِ كربلاء، حتى ينفُرَ فرسه ويحمحم ويقول: «الظليمة الظليمة لأمّة ٍ قتلت أبن بنت نبيّها.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة