قال رسول الله – صلى الله عليه وآله -: "من أتى الحسين عليه السلام عارفاً بحقه كتبه الله في أعلى عليين ".
السلام عليكم أعزاءنا ورحمة الله.
أهلاً بكم في الحلقة الحادية عشرة من هذا البرنامج ولنا فيه وقفة مع معنى معرفة حق الحسين – عليه السلام – المؤكد عليها في كثير من الأحاديث الشريفة وذلك وسط الحديث عن قضية أخرى ترتبط بالشهادة الحسينية وارتباطها بالتكليف أو العهد الإلهي لأئمة العترة المحمدية عليهم السلام. مستمعينا الأعزاء لقد وجدنا في علم الرواية والرجال تحرّي العلماء موضوع الوثاقة والصدق والعدالة في كثير من المواضع والمواقف والأحكام والسّير، وقد وضعوا لذلك معايير ومقاييس وضوابط، ونحن نرى أصحاب أهل البيت الذين رووا عن الأئمة عليهم السلام أوثق طريق الى الحديث النبويّ، أوالحديث القدسيّ.
وفي مجال التعرّف على إمامة أبي عبدالله الحسين عليه السلام وبيان أنّ مهمّات الإمامة هي وظائف وتكاليف عينها الله تعالى لأوصياء النبيّ صلى الله عليه وآله. فقد روى الكلينيّ في (الكافي) والصدوق في (أماليه) بسند ينتهي إلى الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله عزّوجلّ أنزل على نبيه كتاباً قبل أن يأتيه الموت، فقال: يا محمّد، هذا الكتاب وصيتك الى النجيب من أهل بيتك. فقال: ومن النجيب من أهلي يا جبرئيل؟ قال: عليّ بن أبي طالب. قال الإمام الصادق عليه السلام مضيفاً: وكان على الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبيّ صلى الله عليه وآله إلى عليّ عليه السلام، وأمره أن يفك خاتماً منها ويعمل بما فيه، ففك عليه السلام خاتماً وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى ابنه الحسن عليه السلام، ففك خاتماً وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى الحسين عليه السلام ففك خاتماً فوجد فيه، أن اخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلّا معك، واشر نفسك لله عزّوجلّ، ففعل، ثمّ دفعه إلى عليّ بن الحسين عليه السلام...".
وروى هذا أوقريباً منه: الشيخ الطوسيّ في كتابه (الغيبة)، وكذا النّعمانيّ في كتابه (الغيبة) أيضاً برواية أخرى، كذلك عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "الوصية نزلت من السماء على رسول الله صلى الله عليه وآله كتابا مختوماً، ولم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله كتاب مختوم إلّا الوصية، فقال جبرئيل: يا محمّد، هذه وصيتك في أمّتك، إلى أهل بيتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيّ أهل بيتي يا جبرئيل؟ فقال: نجيب الله منهم، وذريته، ليرثك علم النبوة، كما ورّثه من قبل إبراهيم. وكانت عليها الخواتيم، ففتح عليّ عليه السلام الخاتم الأوّل، ومضى إلى ما أمر به فيه، ثمّ فتح الحسن عليه السلام الخاتم الثاني ومضى إلى ما أمر به، ثمّ فتح الحسين عليه السلام الخاتم الثالث، فوجد فيه: أن قاتل واقتل وتقتل، واخرج بقوم للشهادة لا شهادة لهم إلّا معك ففعل، ثمّ دفعها الى عليّ بن الحسين عليه السلام ومضى، ففتح عليّ بن الحسين عليه السلام الخاتم الرابع..".
أعزاءنا.. نعود الى الحديث المحمدي الشريف الذي افتتحنا به هذا اللقاء ونتساءل عن معني عبارة (عارفاً بحقه) أي الحسين – عليه السلام – التي وردت فيه وفي كثير من الأحاديث الشريفة المبينة لعظمة ثواب وبركات زيارته – عليه السلام –؟ يجيبنا عن هذا السؤال ضيفنا الكريم سماحة الدكتور (الشيخ علي العلي الاستاذ في فلسفة القوانين والتشريعات (قم المقدسة))، نستمع معاً لإجابته.
العلي: اذا اردنا ان نقف على ما يتعلق بالامام الحسين من حيث ماورد من كلمات فيما يخص ذكره الشريف والوقوف على مواقفه نجد ان معظم الاعمال المستحبة على سبيل المثال مرتبطة بالحسين عليه السلام سواء زيارته، سواء الدعاء فيما يتربط بعرفة، سواء الثواب لمتعلق بها، سواء امور كثيرة مرتبطة بشخصية الحسين عليه السلام هذا يدعونا الى التساؤل لماذا هذه الكثرة وهذه الاشارات الى الحسين عليه السلام؟ لعل الوقوف على مضامين بعض الادعية والزيارات هو الذي يكشف لنا دلالات هذا الامر، عندما نقف على كلمة "عارفاً بحقه" نجد انه لايمكن التعاطي مع الحسين الا من جهة اساسية هو انه ليس الوقوف على معرفة الحسين ماهو الا المعرفة العامة او المعرفة التاريخية او المعرفة العاطفية بل لابد ان يكون من خلال تداول هذه الادعية وغيرها من خلال الوقوف عليه معرفة حقيقية فالمعصومين من اهل البيت كرروا ذلك عن طريق الاعمال المستحبة ومايرتبط بها لكن ليس هدفهم هو التعريف العاطفي او التعريف التاريخي انما نظرهم الى شيء ابعد من ذلك وهو ان الحسين عليه السلام لابد لكي تلتقي الاعمال المستحبة ولكي يلتقي الانسان مع الكمالات الوجودية وخصوصاً بتوصيات المعصومين عليهم السلام لأكثر من قرنين ونصف من الزمن انه لابد ان يكون هناك وقوفاً حقيقياً على معرفة هذه الشخصية ولايمكن معرفة هذه الشخصية الا بمعرفة ابعادها من هنا نستطيع ان نستشف انه عندما نزور الحسين عليه السلام ونقول او عندمل نقف عند عبارة "عارفاً بحقه" حقيقة نحن نريد ان نقف على عارفين لقيمة المبدأ الذي خرج عنده الحسين عليه السلام وخرج الحسين فأذا تلقينا هذا المبدأ عند ذاك ندرك عظمة المسؤولية في التعاطي مع الحسين عليه السلام وندرك الدور الذي قام به الحسين عليه السلام لأثراء المنظومة القيمية والمنظومة في المبادئ الانسانية على مستوى التاريخ لذلك نجد في كلماتنا ونجد في الكثير من الدراسات انه اذا اردت ان تختزل تاريخ العدل والظلم تجده في واقعة كربلاء واذا اردت ان تبسط تاريخ العدل والظلم تجده ايضاً مختزلاً في كربلاء وبلا شك ان العنصر الابرز في كربلاء هو الحسين وموقفه وكذلك كلماته وماجاد به من تضحية عالية المضامين وهذا ايضاً يدعونا للتساؤل ان هذا الامر لم يتم الا بعد نصف قرن من وجود النبي يعني الامة تحتاج الى مخزون قيمي يقوم به شخصية متكاملة حتى تكون الى مرحلة القدوة في ارساء القيمة وهذا المبدأ، من هنا عندما نكرر كلمات وردت عن اهل البيت في اكثر من قرنين ونصف القرن من الزمان على لسان متعدد وعبر دويلات تختلف سواء كان منحاها اموي او منحاها عباسي بتشتت آراءها، بطبيعة اولوياتها تجد انه في كلمات الحسن العسكري حضور، في كلمات الامام الصادق حضور، في كلمات الامام الباقر حضور، في كلمات الامام الكاظم سلام الله عليه حضور، هذا التنوع في العرض يبين على ان القيمة ثابتة والشخص الذي ادى هذه القيمة وقام بهذا المبدأ واحياه ايضاً ممكن ان يكون ثابتاً اذا وصل الى مرتبة مثل ان يعرف الحسين عليه السلام فهنا معرفة للقيمة وللمبدأ ويمكن ان تعرف القيمة والمبدأ من خلال الاداء ولكن لايمكن ان تعرف الا من خلال قياسها، لابد ان نحتاج الى ضابطة وهذه الضابطة تشخصت بالقيمة كتطبيق خارجي عبر شخص معصوم وهو سيد شباب اهل الجنة الامام عليه وعلى آباءه وعلى اهل البيت عموماً من نسله الشريف افضل الصلاة والسلام فلذلك نجد ان الحسين عليه السلام أصبح هو المحور الاساسي في ارساء القيمة الانسانية ليس على مستوى الاخلاق وليس على مستوى التعاطي وانما على مستوى التضحية فهو وضع لنا، الامام الحسين وذكر ائمة اهل البيت كيف تكون القيمة نظرياً وعملياً من خلال الحسين وهذا ما نستشفه من كلمة "عارفاً بحقه" التي وردت في الكثير من المضامين سواء على مستوى الزيارات او على مستوى الادعية.
نشكر لسماحة الدكتور (الشيخ علي العلي الاستاذ في فلسفة القوانين والتشريعات (قم المقدسة)) هذه الإجابة ونتابع من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلاميه في ايران الحلقة الحادية عشرة من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام).
وقد عرفنا فيما تقدم من الأحاديث الشريفة أن الشهادة الحسينية جاءت بعهد من الله عزوجل.
وأمّا خبر شهادته وقاتله ومدفنه وزيارته، فقد جاء ذلك كلّه أيضاً عن طريق أحاديث سماوية قدسية تعلو إلى درجات الوثاقة والقطع، فقد روى الشيخ الحرّ العامليّ في مؤلّفه (الجواهر السّنية في الأحاديث القدسية) عن كتاب (عيون أخبار الرضا عليه السلام) للشيخ الصدوق بسند متّصل إلى الإمام عليّ بن موسى الرضا يروي عن آبائه عليه وعليهم أفضل صلاة وسلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: "إنّ موسى بن عمران سأل ربّه عزّوجلّ: يا ربّ، إنّ أخي هارون مات فاغفر له – فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى، لوسألتني في الأوّلين والآخرين لأجبتك، ما خلا قاتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فإنّي أنتقم له من قاتله!".
وروى الشيخ المجلسيّ في الجزء الرابع والأربعين من موسوعته الروائية القيمة (بحار الأنوار) أنّ الإمام الحسن حدّث أخاه الحسين عليه السلام قبيل شهادته قائلاً: أخبرني جدي (أي رسول الله صلى الله عليه واله) قال: لمّا دخلت ليلة المعراج روضات الجنان، ومررت على منازل أهل الإيمان، رأيت قصرين عاليين متجاورين، على صفة واحدة، إلّا أنّ أحدهما من الزّبرجد الأخضر، والآخر من الياقوت الأحمر، فقلت: يا جبرئيل، لمن هذان القصران؟ فقال: أحدهما للحسن والآخر للحسين، فقلت: يا جبرئيل، فلم لم يكونا على لون واحد؟! فسكت ولم يردّ جوابا، فقلت: لم لا تتكلّم؟ قال: حياءً منك، فقلت له: سألتك بالله إلّا ما أخبرتني، فقال: أما خضرة قصر الحسن، فإنّه يموت بالسمّ، ويخضرّ لونه عند موته، وأمّا حمرة قصر الحسين، فإنّه يقتل ويحمرّ وجهه بالدم!