السَّلام علي وليّ اللهِ وحبيبِه، السّلامُ علي خليلِ اللهِ ونجيبِه، السّلامُ علي صفيِّ اللهِ وابنِ صفيّه، السّلامُ علي الحسينِ المظلوم الشهيد. اللّهمَّ إنيّ أشهدُ أنّه وليّك وابنُ وليّك، وصفيُّك وابنُ صفيُّك، الفائزُ بكرامتِك، جعلتَه حجّةً علي خَلقِك من الأوصياء، فأعذَرَ في الدعاء، ومَنَح النُّصحَ وبَذَل مُهجَته فيك، ليستنقِذَ عبادَك من الجَهالة، وحَيرةِ الضَّلالة).
السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته، آجركم الله تعالي وآجرنا بالمصاب الحسينيّ الذي أحزنَ العوالم، كما أحزَنَ من قَبلِ وقوعه أهلَ المدينة يومَ غادرها الحسينُ (عليه السلام)، وقد أعدّ ركبَه للرحيل إلي حيث الملحمةُ الإلهيّةُ العظمي.
أجل، فحينما تغفو الأُمّةُ وتنامُ عن دينها وعن مهمّاتها، وحتي عن شخصيّتها وكرامتها، حتي يتسلّط عليها من يستهين بمعتقداتها وحُرماتها، يكون عند ذلك تكليفٌ لا بدَّ منه، وهو النهوضُ لا غير!
وحينهَا يكون الدينُ قد مات في نفوس أبناءِ الأمّة أو كاد، ويكون الخطرُ الكبيرُ إذا مات المعروف واستشري المنكر، فيتسع الشرّ، ويُهيمنُ الانحراف، ويطغي الظلمُ والفسادُ والضَّلال، وتكون الشريعةُ قد عُطّلت أحكامُها وأخلاقها، ومبانيها وأهدافها، ويكون الناسُ قد ماتت فيهم نخوةُ الشهامة، وعزّةُ الكرامة، والغيرةُ علي الدِّينِ وعلي بلاد الإسلام ومستقبل الرسالة التي جاهدَ في تبليغها رسولُ الله (صلّي الله عليه وآله)، وضحيّ من أجلها أهلُ البيت (عليهم السلام)، والصحابةُ المنتجَبون.
وهنا يكونُ مماّ لابدّ منه، ذلك هو أن تنهض الأمّةُ نافضةً عن وجهِها غُبارَ الذُّلّ، وعن نفسِها أُخطبوطَ الخوف والخنوع للظالمينَ المفسدين، والجاهليّينَ المتآمرين. وقد سَمِعت هذه الأمّةُ دويَّ البيانِ الحسينيِّ الجليل، يصدَعُ في الآفاق، ويقرَع الأسماعَ والقلوب، (لا واللهِ لا أُعطيهِم بيدي إعطاءَ الذَّليل، ولا أَفرُّ فرارَ العبيد)، كما سَمِعت هذه الأمّةُ الخطابَ الحسينيّ يُجَلجِل في سماء مكة يكشف لها عن المسؤوليّة والتكليف معاً: (أيُّها الناس، إنّ رسولَ الله (صليّ الله عليه وآله) قال: (من رأي سُلطاناً جائراً، مُستحّلاً لحرام الله، ناكثاً عهدَه، مخالفاً لسنّةِ رسولِ الله، يعملُ في عبادِ اللهِ بالإثمِ والعُدوان، فلم يُغيّر عليه بفعلٍ ولا قول، كانَ حقّاً علي اللهِ أن يُدخِلَه مُدخَلَه).ألا وإنّ هؤلاءِ قد لزِموا طاعةَ الشيطان، وتركوا طاعةَ الرحمان، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء ، وأحلُّوا حرامَ اللهِ وحرّموا حلالَه).
*******
المحاور: ورغم وضوح الحقيقة المتقدّمة تطالعنا بين الحين والآخر فتاوي مشائخ التكفيرين قائلة بمشروعية خلافة يزيد بن معاوية وعدم صواب الإمام الحسين (عليه السلام) في رفضه مبايعته كما صرح مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ في صفر سنة ۱٤۳۰ للهجرة في حين أن عدم شرعية بيعة يزيد من الواضحات طبق المعايير المتفقه عليها بين المذاهب الإسلامية.
المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة نستمع له من سماحة الشيخ الدكتور عبد الناصر الجبري عميد كلية الدعوة الاسلامية من بيروت:
الشيخ الدكتور عبد الناصر الجبري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه ومن ولى عندما نطلع على موضوع البيعة للامام عند الفقهاء نجد ان البيعة ينبغي ان تكون اولاً من باب الشورى وليس من الباب الوراثي والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اشار الى ان بعد الاربعين سنة من الخلافة الراشدة سيتحول الحكم السياسي في هذه الامة من حكومة او من خلافة راشدة الى ملك عضول اذن هناك اشارة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الى ان هذا الحكم ليس من مواصفات المشروع الاسلامي الذي اتى به النبي عليه الصلاة والسلام، المسألة الثانية ان الامام ينبغي ان يكون الاعلى والاقرب وكذلك ان يكون من التقوى ومن العلم ما يؤهله لكي يكون اماماً على المسلمين وعندما نقرأ في شخصية يزيد لم تكن هذه الصفات موجودة فيه وعندما نودي للناس ان بايعوا يزيداً لم يأتي كل الامة وعلماءها انما جاءت بشكل قهري لأن التسلط على رأس الدولة الاسلامية لابد وان يكون بموافقة جميع الانصار وكذلك ان يكون علماء الامة واهل الحمد والعقل في الامة فهذا لم يكن موجوداً عندما تولى يزيد او عين يزيد في الحقيقة على الخلافة ونحن نلاحظ ان يزيد عندما اراد ان يقدم ولده معاوية الثاني للخلافة رفض معاوية الثاني لصلاحه ودينه ان يتولى هذه الخلافة بالطريقة التي تولى فيها يزيد الامامة ونحن كذلك نلاحظ ان الاصل في الامامة لا ان تكون من باب الغلبة ولكن نلاحظ في هذا الوقت كانت من باب الغلبة لأن معاوية بن ابي سفيان كان يجد الحكومة بيده من هنا كان خروج الامام الحسين اكد على عدم شرعيته لأنه اذا كان اماماً لما خرج عليه الامام الحسين والامام الحسين فعله حجة كما اشر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «الحسن والحسين اماماً هذه الامة قاماً او قعداً» فهذه المسائل عليها اتفاق بين علماء الامة مع اختلاف مشاربهم الفقهية ومشاربهم العلمية.
*******
نتابع تقديم الحلقة اخري من برنامج "البيان الحسيني" علي ضوء ما تبين من كلامه (عليه السلام) المتقدم في خطبته في مكة المكرمة بشأن خطورة القبول بخلافة يزيد.
نعم، يومها لم يكن للإسلام من منقذٍ إلاّ الحسين (صلواتُ الله عليه)، ذلكمُ سيدّ شبابِ أهل الجنّة الذي قال فيه سيّدُ المرسَلين، محمّدٌ المصطفي (صليّ الله عليه وآله): (حسينٌ منيّ وأنا من حسين)، فقام لله جلّ وعلا يُحيي المعروف ويقتُل المنكر، ويُصلِح ما فسَدَ من هذه الأمّة التي خابت أو كادت أن تخيب، وقد تسلّط عليها من يريد مَحقَ دينها، وسحقَ شخصيّتها، فنهض الحسين يستنقذ الدّين، وكرامة المسلمين، يصوّر الشاعرُ ذلك قائلاً:
يومٌ بحاميةِ الإسلامِ قد نَهَضَت
له حميّةُ دينِ اللهِ إذ هُتكا
رأي بأنّ سبيلَ الغيِّ مُتَّبعٌ
والرُّشدَ لم تَدرِ قومٌ أيّةً سَلَكا
والناسَ عادَت إليهِم جاهليّتُهم
كأن من شَرَع الإسلامَ قد أفِكا
وقد تحكمَ بالإسلامِ طاغيةٌ
يمسي ويُصبِحُ بالفحشاءِ منهمكا
قد أصبحَ الدينُ منه يشتكي سقماً
وما إلي أحدٍ غير الحسينِ شكا
فما رأي السِّبطُ للدّينِ الحنيفِ شفاً
إلاّ إذا دَمُه في كربلا سُفكا!
نعم، لقد قام الحسينُ (عليه السلام)، فغادر مدينةَ جدّهِ رسولِ الله (صليّ الله عليه وآله) وقد عزّ ذلك عليه، فاتّجه إلي مكةَ المكرّمة وقد قال: (إنّما خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في أُمّةِ جدّي (صليّ الله عليه وآله)، أُريدُ أن آمُرَ بالمعروف وأنهي عن المنكر). وهو خلالَ ذلك كان (عليه السلام) يُطلعُ الناسَ علي الصورة الواضحة للإمامة الشرعيّة، فيكشف الأقنعةَ عن الوجوه الجاهلية التي سلبت مقامَ الوراثة النبوِيّة.
وكم كان مناسباً أن صَدَع البيانُ الحسينيّ في أجواء مكة حيث موسم الحجّ، وحيثُ وفودُ المسلمين إلي البيت الحرام من كلّ أصقاع الدنيا وأرجاء البلدان، فيسمعون أنّ الحسين (عليه السلام) غادر المدينةَ منذ أشهُر، وهو عازمٌ علي الرحيل إلي العراق.
فيكون التساؤلُ الذي يكتنفُه التعجّب والاستغراب، فيعلم الناس أنّ هناك نهضةً حسينيّةً في وجه السلطة الأمويّة الظالمة المفسدة.
في كتابه (الإرشاد) قال الشيخ المفيد: لماّ دَخَل الحسينُ (عليه السلام) مكة، كان دخولُه إياّها ليلةَ الجمعة لثلاثٍ مضينَ من شعبان، دَخَلها وهو يقرأ: «وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ» (القصص، ۲۲)، ثمّ نزلها، فأقبَلَ أهلُها يختلفون إليه ومن كان بها من المعتمرين أهل الآفاق.
وكتب الخوارزميُّ الحنفيّ في مؤلّفِه (مقتل الحسين (عليه السلام)): ولماّ دخل الحسينُ (عليه السلام) مكة، فرح به أهلُها فرحاً شديداً، وجعلوا يختلفون إليه غَدوةً وعشيّة، وكان قد نَزَل بأعلي مكةَ وضربَ هناك فسطاطاً ضخماً. فأقام الحسينُ مؤذِناًّ يؤذّن رافعاً صوته، فيُصلّي (عليه السلام) بالناس، وقد هابَ عَمروُ بنُ سعيدِ بنِ العاص والي مكة من قِبَل يزيد أن يميلَ الحجّاجُ مع الحسين؛ لما يري من كثرةِ اختلاف الناس إليه من الآفاق، فانحدر إلي المدينة وكتب بذلك إلي يزيد وفي كتاب (الفتوح) ذكر ابنُ أعثمَ الكوفيّ أنّ الإمامَ الحسينَ (عليه السلام) أقامَ بمكةَ باقي شهر شعبان ورمضانَ وشوّالَ وذي القعدة، قال: وبمكةَ يومئذٍ: عبدُ اللهِ بنُ عبّاس، وعبدُ اللهِ بنُ عمرِ بنِ الخطّاب، وكان للحسين معهما لقاء وحديث، فذكر عبدُ اللهِ بنُ عمر أنّه سَمِع رسول الله (صليّ الله عليه وآله) وهو يقول: (حسينٌ مقتول، ولَئِن قتلوهُ وخذلوه، ولن ينصروه، ليخذُلُهم اللهُ إلي يومِ القيامة)، ثمّ أشار علي الحسين أن يدخل في الصُّلح، فاستنكر عليه الإمامُ الحسين (سلام الله عليه) وقال له: أنا أُبايعُ يزيدَ وأدخُلُ في صُلحه وقد قال النبيُّ فيه وفي أبيه ما قال؟!
فقال ابنُ عبّاس: صَدَقتَ أبا عبد الله، قال النبيُّ (صليّ الله عليه وآله) في حياته: (ما لي وليزيد! لا بارك اللهُ في يزيد! إنهّ يقتُل ولدي ووَلَدَ ابنتي، الحسين، والذي نَفسي بيده، لا يُقتَل ولَدي بينَ ظَهرانيَ قومٍ فلا يمنعُونه إلاّ خالَفَ اللهُ بين قلوبهم وألسنتهم)، ثمّ بكي ابنُ عباس وقد تيقّن الوقعة، والفجعة!
فللّهِ يومٌ جَنّدت فيهِ جُندَها
وجاش عليه في الطفوفِ لُهامُها
ترومُ قتالاً أو يبايعَ ضارعاً
لِعِلجٍ، لقد ضلّت وخابَ مرامُها
وكيف أبيُّ الضيّمِ يرضي لمجدِهِ
بخطّة خسفٍ في الزمان يسامُها
فهانَ عليهِ الموتُ دونَ حياتِهِ
بذُلٍّ، ونفسُ الحُرِّ باقٍ عُرامُها
*******