اولاً: نظرتنا للوجود كله، وأول الوجود وآخره ، وظاهره وباطنه هو (واجب الوجود) الله ، فيجب أن تختلف نظرتنا إليه ، ونقترب إليه أكثر ، لأن شهر رمضان شهر تجلي الرحمانية الرحيمية بشدة ، فهو وان كان دائما أقرب إلينا من حبل الوريد ، لكن هذه من حيث هو ، والحديث من حيث نحن ، فنحن من نبعد ونقرب ، لذا علينا أن ننظر نظرة جمال وجلال وغلبة الجمال والرحمة والعفو والتي هي صفات دائمة لله، يجب أن ننظر إليه بنظرة الجذب والقرب والتي مثلها دعاء الجوشن أو دعاء أبي حمزة الثمالي ...
ثانياً: يجب أن تتغير نظرتنا لأنفسنا ونحاول معرفتها لأنه من عرف نفسه فقد عرف ربه وقيل ما جاء نبي إلا بهذه الحكمة، وقد ورد عن أهل البيت (معرفة النفس أنفع المعرفتين) إشارة إلى المعرفة النفسية والآفاقية، وإن معرفة النفس العلم بها حضوري بينما معرفة الآفاق حصولي، ونحن مع شديد الأسف نغفل عن هذه المعرفة، بسبب الانشغال في الدنيا لذا يوفر لنا شهر رمضان المبارك فرصة كبيرة (للتأمل في الذات ومعرفة الذات) وكيف هي ولما هي وأين هي ، الذات الإنسانية التي هي خليفة الرب ، لكنها بسلوكها الحيواني تكون اليق بخلافة غير الله وتكون اخت الشيطان ، بل قد تكون هي شيطان آخر (شياطين الإنس) وحديث معرفة النفس حديث ذو شجون..
ثالثاً: نظرتنا للدنيا وللاشياء ، فنحن مع الأسف ننظر أن الدنيا غاية والشهر المبارك بما يحمل من روحانية وفرصة للاطلاع على القرآن والفكر الأصيل وفرصة للتفكر، قد يساعدنا أن نفهم أن الدنيا وسيلة وليست غاية، وأن الأشياء زائلة مهما تكالبنا عليها ومهما تصورنا أنها ثابتة، كيف ونحن أنفسنا زائلون ، يجب أن تتغير علاقتنا بالأشياء بعد الشهر الفضيل، أما إذا لم تتغير فنحن بعيدون عن فلسفة الصوم (لعلكم تتقون) بما تحمل هذه الكلمة من معنى عميق دقيق!!
رابعاً: نظرتنا للناس، وأنهم كما قال أمير المؤمنين عليه السلام صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، وأنهم جميعا لهم رب واحد ، فلم التعالي والتكبر والناس كأسنان المشط كما قال الحبيب الخاتم صلوات الله عليه ، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إذا لم تتغير نظرتي تجاه الآخرين ولم أتحرك خطوة إلى الأمام فما هي فائدة ترك الأكل والشرب وغيرهما، لذا من وصل فيه رحمه وصله الله ، وكل الخلق عيال الله ، وأحبهم إليه أنفعهم إلى عياله.
خامساً: نظرتنا إلى الهدف الحقيقي للوجود الإنساني وهدف كل واحد منا بالأساس، إن شهر رمضان فرصة لدراسة الهدف الواقعي الإلهي (العبادة) بمعناها الشامل الواسع، الذي يشمل خط العبادة بالمعنى الأخص خط الارتفاع إلى الله ، والعبادة بالمعنى الأعم (خط علاقة الإنسان بأخيه الإنسان والطبيعة) تحت الأخوة الإنسانية والأعمار، ثم مقايسة هذا الهدف الكبير والغاية للخلق ، مع ما عليه انا كم اتفق معه وكم أبتعد عنه اليوم؟
إن هناك هدفا ساميا للحياة الإنسانية، يتم استبداله يوميا بعشرات الأهداف ، وكلما تقدمت البشرية تنسى هذا الهدف وتكيف أهدافها مع الواقع المادي الصرف؟
التغيير هو أساس هذا الشهر، هو قطعة زمانية للتغيير نحو الأفضل في جميع الجوانب والمجالات، بل هو يحمل فيه ليلة هي خير من ألف شهر ، بمعنى أنها تستطيع تغيير قدر الإنسان (ليلة القدر) بما يقدر عليه ألف ، ولكن كل ذلك ليس بالمجان بل تحتاج إلى تأمل ومعرفة وعمل وإرادة حقيقية نحو الانطلاق.
بقلم : الشيخ عبد الحكيم الخُزاعي