البث المباشر

آداب الجدال في الإسلام

السبت 11 مايو 2019 - 14:17 بتوقيت طهران

 

ضيف البرنامج: فضيلة الشيخ فيصل العوامي المشرف العام على مركز القرآن والعصر من السعودية
مستمعينا الكرام.. مرحباً بكم في لقاء جديد لبرنامج (آداب شرعية لحياة طيبة) وموضوع هذه الحلقة هو، آداب الجدال في الإسلام، نرجو قضاء وقت ممتع مع فقرات هذه الحلقة مع تمنياتنا لكم بالخير والرفاه.
عزيزي المستمع، الإسلام هو دين الحوار والكلمة الطيبة الهادفة ودين الخطاب والنقاش بأسلوب حسن جميل، ولذلك فقد اهتم بأمر الجدال وجعل له آداباً وضوابط وسلوكاً إذ دعا إلى القول الحسن والكلام الجميل.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجادل أهل الكتاب والمشركين بالتي هي أحسن فهو خير من نصح وأرشد وأفصح من حاور وناقش، كان عف اللسان قوي الحجة سديد القول مالكاً للحكمة، شديد التأثير في سامعيه.
والقرآن الكريم يدعونا إلى الجدال بالتي هي أحسن باعتبار الجدال وسيلة لهداية البشرية واصلاح النفوس وعلاج الأمراض واستمالة القلوب.
من ذلك قوله تعالى مخاطبا نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله)، "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"(سورة النحل ۱۲٥).
وفي آيات أخرى جاء ذكر الجدل مذموماً ومنهياً عنه مثل قوله تعالى: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ". (سورة البقرة – الاية السابعة والتسعون بعد المئة)
الجدل ليس كله ذميماً، فالجدل العلمي البريء من التعصب والخالي من التجريح هو أمر مفيد يوصل إلى الحقائق العلمية، ونحن نرى أنه في الأمراض الخطيرة قد تجتمع لجنة من ثلاثة أطباء للكشف على المريض وبيان حالته وما يلزمه وقد يسفر الأمر عن جدال علمي ربما يساعد في الكشف عن الداء والوصول إلى الدواء الناجح.
وفي مجال القضاء يجتمع القضاة ويدخلون في جدال قانوني حول قضية متشابكة في الإختلاف بين الخصمين، وبعد الحوار والجدال قد يصلون إلى نتيجة حاسمة في حل الخلاف وتحقيق العدالة وأخذ الحق من الغاصب وإرجاعه إلى أصله.
وجدال الأنبياء مع من بعثوا إليهم هو من باب الجدال النبيل وذلك لسمو هدفه وسمو مقاصده، والقدرة على الجدال تتطلب ذكاءً وحضور بديهة وسرعة خاطر وإحاطة بالموضوع وتوقدا في الفكر، ومن أمثلة ذلك جدال أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام مع ملك زمانه الذي إدعى الألوهية نمرود بن كنعان، فإن النبي ابراهيم عليه السلام استطاع أن يهزم الملك الطاغية في الجدال كما أشار القرآن الكريم، إذ يقول سبحانه:
" ألم تر إلى الذي حاج ابراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال ابراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين".
عزيزي المستمع.. محور الآداب الشرعية للجدال في الإسلام هو ما أشار إليه عزوجل في قوله، "وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" فكيف يتحقق ذلك؟ نستمع لما يقوله خبير البرنامج سماحة (الشيخ فيصل العوامي) في الإجابة عن هذا السؤال:
المحاورة: سماحة الشيخ فيصل العوامي المشرف العام على مركز القرآن والعصر من السعودية اهلاً ومرحباً بكم في برنامج اداب شرعية لحياة طيبة 
العوامي: حياكم الله الله يحفظم جميعاً 
المحاورة: سماحة الشيخ كيف يتحقق الجدال بالتي هي احسن كما امرنا به الله عزوجل في القرآن الكريم؟ 
العوامي: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين يتحقق الجدال بالتي هي احسن بحسب مانص النص القرآني ويتوفر بمجموعة من المقدمات والمعطيات الاساسية التي اشار اليها القرآن، المعطى الاول الاعتراف للطرف المقابل في الحق في ان ينتمي ويتبع الفكرة التي يشاء حتى لو كنت تعتقد انه على خطأ مطلق لكن تعطيه الحق في ان يتبع الفكرة التي يشاء هذه من اصول ثقافة الحوار، تقول الاية المباركة على لسان النبي صلى الله عليه واله " وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" (سورة سبأ۲٤) مع ان النبي الاكرم صلى الله عليه واله يعتقد يقيناً انه هو على حق وان غيره على باطل لكن عندما يخاطبه يقول "وانا او اياكم لعلى هدى" يعني اما نحن على هدى او انتم على هدى، اما نحن على ضلال او انتم على ضلال مع ان النبي على يقين تام من انه على الحق لكن يعطي الطرف المقابل الحق في ذلك هذا اولاً، ثانياً هذا المعطى الثاني هو من اساسيات الجدل في النص القرآني تعطي الطرف المقابل حقه في ان يتبع مايشاء "فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ"(سورة الكهف۲۹) تعطيه الحق ايضاً ان يعمل يعني ان يطبق فكرته في الواقع الخارجي بلاقسر ولاعنف، كيف؟ الباري جل وعلا يقول: قل يعني يارسول الله اخبر " {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ" (سورة الإسراء ۸٤) يعني هذا الامر يعود الى الله عزوجل، من يعود الى الهدى، من يعود الى الضلال هذا يعود الى الله ولكن انا حتى لو كنت معتقداً اتي على حق وغيري على باطل اعطيه الحق في ان ينتمي الى الفكرة التي يشاء، ثانياً اعطيه الحق في ان يبرمج نظريته على الواقع الخارجي يعني ان يعمل مايشاء هذه من اصول ثقافة الجدل في النص القرآني. 

عزيزي المستمع.. للجدال الصحيح آداب ينبغي أن تراعى بينها لنا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرة (عليهم السلام) ومن أهم هذه الآداب في المناظرة سعة الصدر وترك الغضب وعدم احتقار الطرف الآخر مهما كان دينه أو مذهبه، فالرسول الأعظم ناظر نصارى نجران وناظر مشركي قريش وناظر الكثير من اليهود والنصارى وغيرهم بمنطق قويم وأسلوب مشرق حتى أسلم الكثير ممن كانوا أعداء، فألف الإسلام بين قلوبهم.
والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ناظر ألد أعدائه في الحرب والسلم، ناظر طلحة والزبير قبل الحرب وناظر الخوارج وبمنطق قوي مقنع إذ كان عدد الخوارج إثني عشر ألفاً شاهرين السلاح، وبعد مناظرتهم تراجع ثمانية آلاف منهم وثابوا إلى رشدهم وتابوا.
ونلاحظ أن الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام عندما كان يتحاور مع الخوارج كان يستمع إليهم بكل هدوء وصبر ويجيب عن أسئلتهم واعتراضاتهم بكل رحابة صدر ووقار.
وفي جلسة عامة علنية وبحرية تامة مع الأدلة الواضحة والبيانات اللطيفة ومع تقديم البراهين لهم، مثلا عندما قالوا ما معناه؟ لماذا لم تسمح بعد الإنتصار على جيش طلحة والزبير أن نجهز على جريحهم ونغنم أموالهم ونسبي نساءهم كما كنا نغزو على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
فأجابهم عليه السلام بما مضمونه ان هؤلاء لم يكونوا مشركين ولا كفاراً بل كانوا مسلمين فلا يجوز معاملتهم كالمشركين.
ومهما تكلموا بكلام غير مقبول قابلهم بالعفو ومهما تفوهوا بكلمات خارجة عن الآداب كان يقابلهم بالصبر الجميل والكلمة الطيبة، ومهما قالوا كلاماً جارحاً قابلهم بالقول الحسن والصبر.
مستمعينا الأفاضل.. وهنا نسأل: ما هي أهم آداب الجدال التي نستفيدها من سيرة النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله- وأهل بيته الطاهرين –عليهم السلام- فيما يرتبط بآداب الجدال في الإسلام؟
عن هذا السؤال يجيبنا مشكوراً خبير البرنامج سماحة (الشيخ فيصل العوامي)، نستمع معاً.
المحاورة: طيب يعني ماهي اداب الجدال في الاسلام المستفادة في سيرة اهل البيت عليهم السلام حبذا لو تسلطون الضوء على هذا الموضوع يعني؟ 
العوامي: اداب الجدال كثيرة جداً اول امر من هذه الامور ان لاتفرض رأيك على الطرف المقابل وانما تتعامل معه بأسلوب علمي، ثانياً ان لاتتعامل بالاساليب العنفية وانما بالاخلاق الحميدة بالتعاطي مع الفكر الاخر، لاحظوا هذا الامر كيف يتضح لنا؟ يتضح من خلال تتبع الاحتجاجات التي رويت عن سيرة المعصومين الكرام عليهم الصلاة والسلام لأنهم كانوا يجالسون الملحدين كعبد الكريم ابن ابي العوجاء وعبد الله بن المقفع او شاكر الديقاني هؤلاء من رؤوس الالحاد كانوا في زمن الامام الصادق عليه الصلاة والسلام ومع ذلك كان عبد الكريم بن ابي العوجاء يأتي ويجالس الامام الصادق في المسجد الحرام ويناظره في اخطر الامور في ان الله عزوجل موجود او غير موجود اصلاً مع ان هذه مسلمة اساسية عند الامام الصادق عليه الصلاة والسلام وعند المسلمين لكنه ما كان يعنفه وانما كان يتعامل معه بشكل علمي مثلاً كان يقول له انظر ياعبد الكريم ان كنتم انتم على حق ونحن على باطل نجوتم ونجونا يعني لم يضرنا شيء اننا عبدنا الله عزوجل ثم اتضح لنا بعد الموت انه غير موجود وان كنا نحن على حق وانتم على باطل نجونا وهلكتم، يقال في التاريخ ان هذه الكلمة العلمية التي قالها الامام الصادق عليه الصلاة والسلام هي التي اثرت كثيراً في عبد الكريم ابن ابي العوجاء، هذه هي القضية العلمية الثانية لأداب التعاطي مع الطرف المقابل لأن الانسان اذا يتحاور مع طرف مقابل له فكر مغاير له ربما يغضب، ربما يخرج من طوره، الائمة الكرام عليهم السلام كانوا يتكلمون مع الطرف المقابل بأخلاق عالية فيؤثرون فيه فلهذا عبد الكريم ابن ابي العوجاء الذي كان يقف عند مقام نبي الله ابراهيم ويهزأ بالذين يطوفون حول البيت ويقول اناس لاعقل لهم كان يقول لعبد الله بن المقفع يقول له ان كان هناك انساناً يستحق ان يعتبر انساناً هو ذلك الجالس هناك ويشير الى الامام الصادق عليه الصلاة والسلام لأن الامام بما انه كان يختلف معهم جوهرياً الا انه كان يتعاطى معهم علمياً وبآداب واخلاق عالية تنساق مع قيم الحوار. 
المحاورة: نعم شكراً جزيلاً لكم سماحة الشيخ فيصل العوامي على هذا الحضور وعلى هذه المشاركة، شكراً لكم 
العوامي: حياكم الله، الله يحفظكم جميعاً، موفقين 
نشكر خبير البرنامج سماحة (الشيخ فيصل العوامي) على هذه التوضيحات ونلخص النتائج المستفادة من لقاء اليوم من برنامجكم (آداب شرعية لحياة طيبة) بالقول:
إن للجدال الصحيح آدابا ينبغي أن تراعى، ومن أهم هذه الآداب أن لا يعلو صوت أحد المتجادلين على زميله وألا ينقلب الجدال إلى تجريح شخصي وألا يشوبه العناد بغير حق وألا يسفر عن خصومة أو عداء.
وعلى الإنسان الحكيم أن يكف عن كثرة الجدال ما لم يسمع خطأً في الفكر والدين والعقيدة، فحينئذ لابد من الجدال لتوضيح الحقيقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعلينا أن نتعلم آداب المناظرة وأسلوب الحوار الهادف وأن لا نلجأ إلى الجدال إلا للضرورة إظهاراً للحق أو دحضاً للباطل أو بياناً للعدل أو دعوة إلى المعروف.
" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً" (سورة فصلت ۳۳)

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة