السلام عليكم مستمعينا الأطائب، طابت أوقاتكم بكل خير ورحمة من الله وبركات، أهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج، نخصصه للتدبر في طائفة من الآيات الكريمة تهدينا الى معرفة هوية الذين أذن الله لهم بالجهاد في سبيله وكتب على نفسه أن ينصرهم ويقم دولته على أيديهم في نهاية المطاف.
إنها الآيات الكريمة الثامنة والثلاثين الى الحادية والأربعين من سورة الحج المباركة، ننصت لتلاوتها خاشعين ومتدبرين في قول الله أصدق القائلين:
"إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ{۳۸} أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ{۳۹} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{٤۰} الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ{٤۱}"
أيها الأفاضل، عرفنا في الحلقة السابقة ومن التدبر في هذه الآيات الكريمة أنها تنص على أن الذين أذن الله لهم بالجهاد وكتب لهم أن ينصرهم في عاقبة الأمور هم طائفة خاصة من المؤمنين الذين لا يبتغون في جهادهم سوى مرضاة الله وتحقيق عدله في عباده.
وهؤلاء ينبغي أن يتحلوا بالعلم النبوي التفصيلي بإرادة الله عزوجل وسبل إصلاحه وتدبيره لشؤون عباده إضافة الى إخلاصهم الكامل في تحملهم أشكال الأذى في سبيل ذلك، وهذا ما تجلى في سيرة أبواب مدينة العلم المحمدية وأئمة العترة المحمدية الطاهرة، نقرأ في نهج البلاغة قول سيدهم أميرالمؤمنين – عليه السلام – وهو يناجي ربه الجليل بشأن مجاهدته الناكثين والمارقين والقاسطين قائلاً:
"اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من يدنك، ونظهر الإصلاح في بلادك.. فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك.. اللهم إني أول من أناب وسمع وأجاب، لم يسبقني إلا رسول الله صلى الله عليه وآله بالصلاة".
مستمعينا الأعزاء ونقرأ في نصوص الجهاد الحسيني ما روي في كتاب الفتوح من وصية سيد الشهداء –عليه السلام– لأخيه محمد بن الحنفية –رضوان الله عليه:
إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب النجاح والصلاح في أمة جدي محمد – صلى الله عليه وآله – أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي محمد – صلى الله عليه وآله – وسيرة أبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ويحكم بيني وبينهم بالحق وهو خير الحاكمين.
ونتأمل معاً – أيها الإخوة والأخوات – في المقطع التالي من خطبته في المعسكر الأموي يوم عاشوراء المروية في كتاب (تحف العقول) وغيره حيث ناجى ربه العزيز بمثل ما ناجاه أبو أميرالمؤمنين – عليه السلام -؛ قال – صلوات الله عليه - :
"فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا، اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافساً في سلطان ولا التماسا من فضول الحطام ولكن لنرى المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك، فإن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم وعملوا في إطفاء نور نبيكم. وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير".
وعلى ضوء ما تقدم يتضح – أعزاءنا – معنى ما روي في تفسير علي بن إبراهيم ومجمع البيان ونور الثقلين وغيرها عن الإمام الصادق – عليه السلام – أنه قال في آيات الإذن بالقتال المتقدمة: "نزلت في علي وجعفر وحمزة ثم جرت – يعني في أئمة أهل البيت – وقوله "الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق" في الحسين – عليه السلام – حين طلبه يزيد لعنه الله ليحمله الى الشام... وقتل بالطف... وهي للقائم – عليه السلام – إذا خرج يطلب بدم الحسين".
وفي تفسير فرات الكوفي عن الإمام الباقر – عليه السلام – في قوله تعالى "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة"قال "فينا والله نزلت هذه الآية".
وفيه أيضاً عن زيد بن علي قال: إذا قام القائم من آل محمد يقول: يا أيها الناس نحن الذين وعدكم الله في كتابه "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور".
وروي في تفسير علي بن إبراهيم وغيره في تفسير هذه الآية عن أبي جعفر الباقر – عليه السلام – قال: "هذه الآية لآل محمد عليهم السلام المهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويظهر الدين ويميت الله به وأصحابه البدع الباطل كما أمات السفه الحق حتى لا يرى أثر للظلم".
والى هنا نصل مستمعينا الأكارم الى ختام حلقة اليوم من برنامجكم (آيات واحاديث) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم على كرم المتابعة ودمتم بكل خير.