أعينّي جودا بارك الله فيكما
علي هالكين لا تري لهما مُثلا
علي سيد البطحاء وابن زعيمها
وسيدة النسوان أول من صلّي
مهذبة قد طيب الله خيرها
مباركة والله ساق لها فضلا
بسم الله وله المجد والحمد رب العالمين والصلاة والسلام علي خير النبيين محمد وآله الطاهرين.
سلام الله التام وصلواته الوافرة علي سيدة أمهات المؤمنين مولاتنا الطاهرة خديجة الكبري أنيسة رسول الله التي رزقه الله حبها وأغناه ونصره بها.
عظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب يوم العاشر من شهره الاكبر ذكري وفاة أمنا وسيدتنا خديجة الكبري (سلام الله عليها) وبهذه المناسبة الأليمة نلتقيكم في هذا اللقاء الخاص من برنامج أيام خالدة، إفتتحنا البرنامج أحباءنا بأبياتٍ ثلاثة مما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) في رثائها (عليها السلام) ورثاء كفيل رسول الله (صلي الله عليه وآله) سيد البطحاء ابي طالب سلام الله عليه.
نعرفكم أولاً بعناوين فقرات البرنامج وهي:
- ولخديجة كفن من الجنة، عنوان فقرة عن قصة وفاتها (عليها السلام)
- تلي ذلك فقرة روائية في نبذة عن حياة مولاتنا أم البنين قبل الاسلام وبعده عنوانها: سيدة قريش الطاهرة
- ثم فقرة روائية أخري عن حال رسول الله في فراق سيدة أمهات المؤمنين عنوانها: نعم الزوجة المواسية
*******
عظم الله أجوركم أيها الأعزاء بذكري وفاة أمنا وأم المؤمنين جميعاً معنا ايها الأعزاء في أولي فقرات هذا البرنامج الخاص ورواية عن كيفية وفاتها (عليها السلام) عنوانها:
ولخديجة كفنٌ من الجنة
في العشر الأول من شهر رمضان من عام الحزن الذي سبق هجرة النبي المصطفي (صلي الله عليه وآله): وبعد أيام معدودات من وفاة سيد البطحاء وحامي سيد الأنبياء أبي طالب (سلام الله عليه) إشتد المرض بزوجة الهادي المختار مولاتنا خديجة الكبري الصديقة الطاهرة (عليها السلام)، وفي أحد تلك الأيام دخلت عليها أمة الولاء الصالحة إسماء بنت عميس رضي الله عليها، فرأت الدموع تسيل من عينها وقد خنقتها عبرات الوجه فقالت لها: يا سيدتي، أتبكين وأنت سيدة النساء وزوج النبي (صلي الله عليه وآله)، وأنت المبشرة علي لسانه بالجنة؟
أجابت أم البتول (عليهما السلام): ما بكيت كرهاً للموت ولقاء ربي، لكني بكيت لإبنتي فاطمة، فهي حديثة عهد بالصبا ولابد لها ليلة زفافها من إمرأةٍ كأمها تفضي إليها بسرها وتستعين بها.
وهنا عاهدت أسماء ربها أن ترد عن فاطمة وحشة فقدان أمها خديجة الطاهرة في ذلك اليوم وقالت: يا سيدتي لك عهد الله إن بقيت الي ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر.
قال المؤرخون: لما توفيت خديجة أخذ رسول الله في تجهيزها وغسّلها وحنطها، فلما أراد أن يكفنها هبط الأمين جبرئيل (عليه السلام) وقال: يا رسول الله، إن الله يُقرأك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك: يا محمد، إن هذا كفن خديجة، وهو من أكفان الجنة أهداه الله إليها.
فكفنها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بردائه الشريف أولاً ثم بالكفن الذي جاء به جبرئيل الأمين (عليه السلام) ثانياً، فكان لخديجة الطاهرة كفنان، كفنٌ من الله وكفنٌ من رسول الله (صلي الله عليه وآله).
وكانت وفاة أمنا خديجة الكبري (سلام الله عليها) يوم العاشر من شهر رمضان من عام الحزن كما أسلفنا، ودفنها رسول الله في مقبرة المعلي بالجون ونزل (صلي الله عليه وآله) في قبرها وإضطجع فيه قبل أن يودعها فيه ودعا لها مجزيّاً لها بكل خير.
روي عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه لما توفيت خديجة جعلت فاطمة تلوذ برسول الله (صلي الله عليه وآله) وتقول: يا رسول الله أين أمي؟ ورسول الله قد خنقته العبرة لا يدري بماذا يجيبها فنزل الأمين جبرئيل (عليه السلام) عليه وقال: يا محمد، إن ربك يُقرأك السلام ويأمرك أن تُقرأ علي فاطمة منه السلام وتقول لها: يا فاطمة؛ إن أمك في الجنة في بيت من قصب، كعابه من ذهب وعمده من ياقوت أحمر بين آسية إمرأةُ فرعون ومريم؛ وروايةٍ أخري: في بيت من قصبٍ منظوم بالدر والياقوت لالغوب فيه ولا نَصَب.
فلما أخبرها (صلي الله عليه وآله) بما نزل به الوحي الأمين، قالت فاطمة (سلام الله عليها) بسكينةٍ: إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام.
أجمع المؤرخون علي أن السيدة خديجة الكبري هي أول مَن آمن برسول الله (صلي الله عليه وآله) من الرجال وأول مَن خرج معه عند إعلان الدعوة الإسلامية الي السلاة في السمجد الحرام جماعه هي الأولي في تأريخ الإسلام.
روي العلامة المامقاني قدس سره في كتاب الرجال عن المصادر التأريخية المعتبرة أن قائد ثورة التوابين الشهيد الجليل سليمان بن صرد الخزاعي وبعد إنكسار جيشه طلبوا منه الفرار لكي ينجو من القتل علي يد مرتزقة الأمويين فأبي الا القتال حتي يقتل ويلقي الله ورسوله وهما راضيان عنه. تقول الرواية فرأي رضي الله عنه في الليلة التي سبقت إستشهاده في عالم الرؤيا الصادقة رأي سيدتنا خديجة الكبري ومعها الزهراء والحسنان (عليهم السلام) فقال له أم المؤمنين: شكر الله سعيك يا سليمان ولإخوانك فإنكم معنا يوم القيامة أبشر فأنت عندنا غداً عند الزوال. فكان الأمر كما قالت (عليها السلام) وفاز سلمان بالشهادة عند الزوال من اليوم التالي:
زوجته خديجة وفضلها
أبان عنه بذلها وفعلها
بنت خويلد الفتي المكرم
الماجد المؤيد المعظم
لها من الجنة بيتٌ من قصب
لا صخبٌ فيه لها ولا نصب
وهذه صورة لفظ الخبر
عن النبي المصطفي المطهر
وبهذه الأبيات من منظومة في مدح رسول الله (صلي الله عليه وآله) للمحدث الجليل الحر العاملي (رضوان الله عليه).
*******
ننقلكم الي الفقرة التالية من برنامج أيام خالدة في حلقته الخاصة بوفاة مولاتنا أم المؤمنين خديجة الكبري (سلام الله عليها). عنوان الفقرة هو:
سيدة قريش الطاهرة
تنتمي خديجة (عليها السلام) الي أسرة عريقة لها مكانة وشرف ومواقف ممدوحة في حماية الكعبة وتعظيم الله ونصرة المظلومين.
فأبوها خويلد كان في طليعة الذين تصدوا لملك اليمن (تبّع) عندما جاء الي مكة بهدف نقل الحجر الأسود الي اليمن فمنعوه من ذلك.
وجدها أسد كان من مؤسسي حلف الفضول الذين تعاهدوا علي أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو غيرهم إلا نصروه علي من ظلمه حتي ترد مظلمته.
وقد كرّم الله وجه مولاتنا خديجة من السجود لصنم وطهرها من الشرك فقد كانت وآباؤها من الموحدين الأحناف والمسلمين علي ملة أبيهم ابراهيم الخليل علي نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام.
وقد سادت مولاتنا خديجة الكبري نساء عصرها بما عرفت به من علم ومعرفة وأدب وحكمة وطهر وعفة وورع عن فعال الجاهلية حتي قبل الأسلام، قال الزبير بن بكار ضمن حديثه عنها: وكانت تدعي في الجاهلية الطاهرة، وجاء في كتاب إسعاف الراغبين وكانت تدعي سيدة قريش.
وقد ذكر المحققون من المؤرخين أنها ولكريم خصالها ومحاسن أفعالها تقدم لخطبتها أشراف قريش ووجهائها لكنها كانت ترفض الزواج من أي منهم لأنها كانت موعودة في رؤيا إلهية صادقة بأن تكون زوجة خاتم الأنبياء (صلي الله عليه وآله) ووعائه لإبنته أم الأئمة الصديقة الكبري فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).
ولذلك صرح المحققون من العلماء أنها لم تتزوج أحداً قبل رسول الله (صلي الله عليه وآله) وما ذكره المؤرخون من زواجها قبله فهو من مفتريات بني أمية أشاعوها للإساءه إليها وإفتعال مناقب موهومة لبعض زوجاته (صلي الله عليه وآله).
والمطالع لما روته المصادر المعتبرة بشأن كيفية إقتران سيدتنا خديجة الطاهرة بخاتم الأنبياء (صلي الله عليه وآله) يري جميل الصنع والتدبير الإلهي في إقتران هذين النورين تمهيداً لتشكيل البيت الأول في الإسلام وتكامل عناصر قيام هذا الدين الإلهي ببركة من فيه.
لقد نذرت سيدتنا الطاهرة كل وجودها لنبي الرحمة وسخرت له ثروتها الكبيرة التي حباها الله بها من الرزق الحلال، وخدمته بكل طاقاتها، فكانت الأمة الصالحة المطيعة لله ورسوله المتفانية في خدمة رسول الله وإعانته في إيصال الهدي الإلهي للعالمين ومواساته في الأذي الذي تحمله من قومه.
وبذلك كانت لها المنزلة الرفيعة عند الله عزوجل بحيث يخصها بسلامه وتحياته ورحماته. ورد في صحيح الروايات أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال لها: يا خديجة، هذا جبرئيل يخبرني أن الله عزوجل أرسله إليك بالسلام.
فقالت خديجة: الله السلام ولله السلام وعلي جبرئيل السلام.
فقال جبرئيل: ورحمة الله وبركاته عليها.
وقد ثبت في صحاح الأخبار أنها (سلام الله عليها) أفضل زوجاته وأحبهن إليه وسيدة نساء زمانها وهي أفضل نساء العالمين بعد إبنتها الصديقة الكبري فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).
*******
نتابع تقديم هذه الحلقة الخاصة بهذه المناسبة من برنامج أيام خالدة بالفقرة التالية وفيها حديث عن حال رسول الله (صلي الله عليه وآله) في فراقها، عنوان الفقرة هو:
نعم الزوجة المواسية
روي في كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة، بسنده أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) دخل علي خديجة في مرضها الذي ماتت فيه فقال: بالكره مني ما أتي عليك يا خديجة!
أجل، فلم ينقل المؤرخون تفجع رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي فقدان أحدٍ مثلما تفجّع علي فقدان زوجته الطاهرة المطهرة خديجة الكبري (سلام الله عليه).
قال ابن إسحاق كما في السيرة الهشامية: آمنت خديجة برسول الله وصدقت بما جاء به من الله ووازرته علي أمره وكانت أول من آمن بالله وبرسوله وصدق بما جاء به (صلي الله عليه وآله) من الله. فقد خفف الله بذلك عن نبيه (صلي الله عليه وآله) لا يسمع شيئاً يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها، فتخفف عنه وتهون عليه من أمر الناس.
روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالي «وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى» قال: يعني وجدك فقيراً فأغناك بمال خديجة.
فقد كان لخديجة (سلام الله عليها) مالٌ كثيرٌ بذلته جميعاً لرسول الله (صلي الله عليه وآله) ينفقه في سبيل الله حتي بقيت تنام هي ورسول الله في كساء واحد لم يكن لها غيره ولذلك كان مالها (عليها السلام) دحد الأعمدة التي قام عليها الإسلام.
روي عبيد الله بن أبي رافع خازن بيت مال المسلمين في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، روي عن أبيه قال: إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: ما نفعني مالٌ قط مثلما نفعني مال خديجة (عليها السلام).
قال ابو رافع: وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يفك من مالها الغارم والعاني ويحمل الكل ويعطي في النائبة ويرفد فقراء أصحابه إذّ كان بمكة ويحمل [أي يجهز] من أراد منهم الهجرة وكانت خديجة أكثر قريش مالاً.
وكانت خديجة الطاهرة (سلام الله عليها) تقي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بنفسها من أذي المشركين وهجماتهم، فمثلاً ذكر المؤرخون أن مشكري قريش لاحقوا رسول الله بعد أن أدي صلاة العشاء في المسجد الحرام وأخذوا يرمونه بالحجارة، فدخلت به منزلها وقامت في وجهه تستره ببردها وإستمر المشركون يرمونه بالحجارة وهي تقيه بنفسها من بين يديه ثم أخذت تنادي: يا معشر قريش ترمي الحرة في منزلها، فلما سمعوا قولها إنصرفوا مهطعين وأصبح رسول الله (صلي الله عليه وآله) وغدا الي المسجد يصلي.
فلا عزابة أن يشتد البلاء علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وتتراكم عليه الهموم والغموم بعد فقدانه لهذه الزوجة المواسية الحنون.
ولا غرابة أن يبقي وفياً لها الي آخر عمره وهو (صلي الله عليه وآله) سيد الأوفياء. فقد روي أصحاب الحديث من مختلف فرق المسلمين أنه قال عنها: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء.
وكان (صلي الله عليه وآله) يكرر علي اسماع المسلمين قوله: ما إغتمهت بغمٍ أيام حياة أبي طالب وخديجة. لما كان ابوطالب يدفعه عنه وخديجة تعزيه وتصبره وتهوّن عليه ما يلقاه في ذات الله عزوجل.
رواه المؤرخون في صحاح الأخبار من أنه (صلي الله عليه وآله) كان يبدأ بصديقات خديجة (سلام الله عليه) في كل طعام يوزعه علي المسلمين ويخصهن بأن يعده لهن بيده الشريفة فأعترضت عليه إحدي زوجاته فقال: إن خديجة أوصتني بها أو به أي من يرسل إليه أو إليها الطعام ثم ذكر خديجة وترحم عليها وذكر ومحاسن أفعالها، فأدركت الغيرة زوجته تلك وقالت: كأن ليس في الأرض إمرأةٌ إلا خديجة!
فخرج (صلي الله عليه وآله) غضباناً.
ثم قال لزوجته تلك: إني قد رزقت حبها لقد آمنت بي إذ كفر بي قومك، وقبلتني إذ رفضني قومك ورزقت مني الولد إذ حرمت مني.
نعم لقد كانت الصديقة الطاهرة الخديجة الكبري أحب أزواج رسول الله إليه وأكمهن عليه وأفضلهن عنده وأم بنيه وبناته ومسليته ومفرجة غمومه، ولم تخالفه طرفة عين حتي قبضت وهو عنها راضٍ ولها شاكرٌ فرحمة الله ورضوانه علي مولاتنا أم المؤمنين خديجة الكبري أنيسة رسول الله (صلي الله عليه وآله).
قمران حفّا بالحبيب الأحمد
بكرامة الله الأله الأوحد
ذي زوجه السلوي وأم الفرقد
ذا عمّه الحامي (وعود) المنجد
أم البتول سكينة للمصطفي
كنز عطاياه التي لم تنفد
ووثيق ركن والد للمرتضي
كهف كفيلٌ ناصرٌ ذو السؤدد
فخديجة الكبري إشتياق محمد
وأبو عليّ سيدٌ بمحمد
نختم برنامج أيام خالدة في حلقته الخاصة بيوم العاشر من شهر رمضان ذكري وفاة مولاتنا الصديقة الطاهرة خديجة الكبري (سلام الله عليه)، نختمه بما رواه الفقهاء في مناسك الحج من نص زيارتها عند قبرها الشريف في مقبرة المعلي في مكة المكرمة.
فنزورها قائلين: السلام عليك يا أم المؤمنين، السلام عليك يا زوجة سيد المرسلين، السلام عليك يا أم فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام عليك يا أول المؤمنات، السلام عليك يا من أنفقت مالها في نصرة سيد الأنبياء ونصرته ما استطاعت ودافعت عنه الأعداء، السلام عليك يا من سلم عليها جبرئيل، وبلغها السلام من الله الجليل، فهنيئاً لك بما أولاك الله من فضل جزيل والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
*******