البث المباشر

القائد الذي ربّى الجيل الذهبي للمقاومة

الإثنين 15 سبتمبر 2025 - 08:15 بتوقيت طهران
القائد الذي ربّى الجيل الذهبي للمقاومة

يتحدث ابن الشهيد محمدرضا زاهدي عن جيل نشأ في قلب النار، وتحت قصف العدو؛ جيل حقق قفزاته هناك، ولاحقاً أصبح يُعرف بـ«ألمع فصل في صفوف جيش حزب الله»؛ جيل ترعرع على نهج الشهداء.

في زمن تختفي فيه الروايات وسط روتين الحياة اليومية وحرب الروايات، لا يزال هناك رجال يشكل أسلوب حياتهم وثيقة حية ودائمة من تاريخ المقاومة. وكان سردار الشهيد محمدرضا زاهدي من هؤلاء؛ قائد عاش حياة شهيد قبل أن يستشهد.

كما يروي الحاج أكبر نصر، ان رفيق دربه، الشهيد زاهدي يختار الدين للعيش وفقه، لا للخطابة. لم يكن زاهدي متظاهراً؛ كل ما كان يعرفه كان يطبقه بلا ضجيج أو ادعاء، كأنه تعلم الدين ليعيشه لا ليكتفي بالحديث عنه.

كان الإيمان يسري في سلوكياته وقراراته، وحتى عند مواجهة أصعب التحديات الميدانية، كان هذا الاعتقاد الديني بمثابة ضوء يرشد خطواته.

ويشير الحاج أكبر نصر إلى أن سردار زاهدي نشأ في بيت كانت البساطة والتقشف أعمدة أساسية لتربيته. كان والده رجلاً هادئاً وصبوراً ومتقياً. ويضيف نصر: «هذا الجو صنع رجلاً ظل متواضعاً وبلا ادعاء رغم الأعباء والمسؤوليات الكبرى».

في ساحة المعركة، لم يكن وحيداً؛ فقد كان يحمل القرآن دائماً، ليس للزينة، بل للهداية والطمأنينة. ويقول نصر: «كان يعيش مع القرآن، لا يكتفي بقراءته، وحتى في ليالي المهمات المظلمة، كان يملأ دقائق راحته بتلاوة آيات الله».

وبحسب رفيقه، لم يكن بالإمكان فصل الشهيد زاهدي عن ولائه للولي الفقيه. فقد كانت طاعته للولي نابعة من عمق إيمانه، وإذا اختلف رأي الولي مع رأيه الشخصي، كان يطيع، لأنه كان يعرف أن معيار الحق في هذا الطريق هو أمر الولي؛ وهذه النظرة كانت واضحة في قراراته السياسية والميدانية.

أنا مديون للثورة
مع انضباطه الصارم، لم يكن يوماً من أنصار حذف المقاتلين. عندما يرتكب مقاتل خطأً، كان زاهدي يقول: «لن نحذف هؤلاء، بل نمسك بأيديهم». العديد من الذين تراجعوا عن الميدان لأسباب مختلفة، استعادوا روحهم وعادوا من جديد بهذه النظرة الإنسانية.

وأشار ابنه مراراً إلى أن والده كان دقيقاً ومتقياً في الأمور المالية. ويذكر الحاج أكبر نصر: «بعد مهمة عدنا فيها إلى طهران، دفع نفقات رحلته بنفسه وقال: أنا مديون للثورة، لا دائن».

كما كان مخلصاً حتى في مواجهة الولي الفقيه. وعندما سُئل لماذا أعد تقريراً مخالفاً للتوقعات، أجاب: «لن أكذب على ولي المسلمين».

قبل آخر مهمة له إلى سوريا، وفقاً لابنه، قال كلمات تحمل معنى أعمق: أثناء ذهابه كان يوجه نصائح وكأنه يعلم أنه لن يعود، وفي أحد آخر المكالمات بهدوء قال: «حان الوقت… يجب جمع السيرة». ليس من اليأس، بل كمن شعر بإنهاء واجبه واستعد للرحيل.

ويتحدث الابن عن جيل جديد أحدث تحولاً حقيقياً في المقاومة في السنوات الأخيرة. ويضيف: «نفس النقطة التي كنا فيها تعرضت لاحقاً لقصف شديد من العدو، لأنها كانت نقطة ولادة قفزة حزب الله؛ قفزة متزامنة في الكم والنوع».

ويتابع: «نفس الفريق أصبح لاحقاً يُعرف بـ«الجيل الذهبي لجيش حزب الله». وأكد قادة المقاومة في الاجتماعات الخاصة أن هذا الجيل قد تربى على نهج الشهداء، ومن بينهم والدي».

إحباط العدو أمام جبهة المقاومة
وفقاً لابن الشهيد زاهدي، تميز جيل الشهداء بثلاث خصائص أساسية: في أشد أوقات اليأس، كانوا يطلقون شرارة الأمل، كأنهم بركان أمل؛ يجدون الطريق أو يبنون الطريق.

في أيامه الأخيرة، كان والدي ينام 3 إلى 4 ساعات فقط يومياً، وعندما سألناه كيف يواصل، قال: «إن لم نجري، سنتراجع». هؤلاء الشهداء لم يكونوا مجرد قادة، بل مبتكرون؛ كانوا يضعون الهياكل، ويبتكرون الأفكار، ويحدثون التغيير. ونحن إذا أردنا الشهادة، يجب أن نكون من هذه النخبة وأن نستخدمها في سبيل الله.

كان والدي متخلياً عن التعلق بالدنيا، لا يسعى للشهرة أو المناصب، وكان يقول: «يجب أن يكون العمل لله وبخفاء».

رداً على شهادات قادة المقاومة، قال الابن: «هذه الاغتيالات تظهر إحباط العدو، يعتقدون أن حذف الوجوه سيوقف المقاومة، غافلين أن المقاومة قائمة على الدم والإيمان».

لم يكن الشهيد زاهدي مجرد قائد كفؤ، بل كان معلماً متواضعاً. الجيل الذي يقف اليوم في قلب الميدان هم أبناء فكر وسلوك هؤلاء الرجال.

وشهادته لم تكن نهاية الطريق، بل تثبيتاً لمنهج قائم على الإيمان، الصدق، الولاء للولي، والسعي الدؤوب.

والآن، ومع غياب صوته في الميدان، يظل منهجه ينبض في قلوب تلامذته بقوة أكبر. لقد رحل، لكن ما تركه لم يكن مجرد ذكرى، بل طريق مضيء، ومدرسة مستمرة للإيمان والتضحية والبصيرة.

لا يمكن التعرف على الشهيد محمدرضا زاهدي فقط بدرجاته العسكرية أو مسؤولياته، فهو معلم يعلم بالعمل لا بالكلام، يحتضن القرآن للعيش به وليس للقراءة فقط، ويعتبر الولاء للولي معيار الحق وليس للأهواء الشخصية.

لقد أصبح أكثر من قائد، مؤسساً لجيل اليوم الذي يقف في مواجهة العدو، جيل يتدفق دمه باسم الشهداء. شهادته ليست نهاية المهمة، بل بداية جديدة لاستمرار مسار المقاومة.

منهج الشهيد زاهدي حيّ، لأنه بُني على الإيمان، الصدق، والولاء للولي. في زمن الهجمات وحرب الروايات، الحقيقة الصافية كهذه تفتح طريقها في القلوب بلا صخب.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة