وصلى الله على حبيبه وخاتم رسله محمد المصطفى وعلى آله الميامين وصحبه المنتجبين.
السلام عليكم ـ مستمعينا الاعزاء ـ ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا نرجو ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً...
مستمعينا الاكارم ـ لقد كان من سمو ذات الامام علي(ع) ومن عناصر اخلاقه انابته المطلقة الى الله تعالى فقد كان من اعظم المنيبين اليه بعد رسول الله(ص) ومن اكثرهم خوفاً ورهبة منه، وقد روى المؤرخون صوراً من خشيته من الباري عز وجل كان منها: روى ابو الدرداء قال: شهدت علي بن ابي طالب(ع) في بعض محلات بني النجار وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممن يليه، واستتر بنخيلات فافتقدته وبعُد عليَّ مكانه، فقلت لحق بمنزله فاذا بصوت حزين ونغمة شجية قائلة: "الهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، الهي ان طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما انا بمؤمل غير غفرانك، ولا انا براج غير رضوانك" وذهل ابو الدرداء، وهام من خشية الله تعالى، وراح يفتش عن صاحب الصوت، ولم يلبث ان عرفه، واذا هو امام المتقين علي بن ابي طالب(ع)، فاستتر ليسمع بقية مناجاته، وراح الامام يصلي، فلما فرغ من صلاته توجه الى الله تعالى بقلب منيب واخذ في المناجاة قائلاً: "الهي افكر في عفوك فتهون عليَّ خطيئتي، ثم اذكر العظيم من اخذك فتعظم عليَّ بليتي" ثم قال(ع): (آه ان انا قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها وانت محصيها، فتقول خذوه فياله من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته يرحمه الملأ اذا اذن فيه بالنداء... آه من نار تنضج الاكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من غمرة من ملهبات لظى...).
نعم ـ مستمعي الكريم ـ ما زلنا مع رواية ابي الدرداء حول انابة الامام علي(ع) الى الله تعالى حيث يقول: ثم انفجر الامام باكياً وخمد صوته، فسارت اليه فوجدته كالخشبة الملقاة فحركته فلم يتحرك، فقلت انا لله وانا اليه راجعون، مات والله علي بن ابي طالب، فبادرت مسرعاً الى بيته انعاه الى اهله، فاخبرت سيدة النساء فاطمة(ع) فقالت: يا ابا الدرداء، ما كان من شأنه؟ فاخبرتها بما رأيته، فقالت: هي والله يا ابا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله وناولتني ماء وامرتني ان اريقه على وجهه الشريف، ففعلت ذلك، فافاق ونظر اليَّ وانا ابكي فقال لي: مم بكاؤك يا ابا الدرداء؟ فقال ابو الدرداء ابكي لما انزلته بنفسك، فأجابه الامام(ع)(بصوت حزين): يا ابا الدرداء كيف لو رأيتني، وقد دعي بي الى الحساب، وايقن اهل الجرائم بالعذاب واحتوشتني ملائكة غلاظ، وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد اسلمني الاحياء، ورحمني اهل الدنيا، لكنت اشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية، وبهر ابو الدرداء من خشية الامام علي(ع) وعظيم خوفه من الله تعالى وراح يقول: ما رايت ذلك لاحد من اصحاب رسول الله(ص).
واما الآن مستمعينا الاعزاء فننتقل الى رحاب امامنا موسى بن جعفر الكاظم(ع) لنتحدث عن كرمه وسخائه حيث كان من جملة الذين اغدق عليهم الامام(ع) بمعروفه عيسى بن محمد القرطبي فقد زرع بطيخاً وثاءً وقرعاً فلما استوى الزرع هجم عليه الجراد فاتى عليه ولم يبق منه شيئاً، وقد غرم على زرعه مع ثمن جملين مائة وعشرين ديناراً، فضاقت عليه الارض، وبينما هو يفكر في امره، اذ طلع عليه الامام موسى الكاظم(ع) فسلم عليه ثم قال له: كيف حالك؟
فأجاب عيسى: اصبحت كالصريم "أي الارض التي حصد زرعها" بغتني الجراد فاكل زرعي، فقال له الامام(ع) كم غرمت فيه؟ قال مائة وعشرين ديناراً مع ثمن الجملين. فأمر الكاظم(ع) بان يعطى مائة وخمسين ديناراً، فاعطي وقال له: ربحك ثلاثون ديناراً مع ثمن الجملين.
وروى ايضاً ان فقيراً وفد على الامام الكاظم(ع) يطلب المساعدة فاراد الامام اختباره ليكرمه على قدر معرفته فقال له: (لو جعل لك التمني في الدنيا ما كنت تتمنى)؟
قال الفقير: كنت اتمنى ان ارزق التقية في ديني وقضاء حقوق اخواني، فاستحسن الامام(ع) جوابه وامر ان يعطى الف دينار. واما بالنسبة لصدقات السر، وصدقة السر تطفيء غضب الرب كما ورد في الحديث الشريف، فقد تميز بها الامام الكاظم(ع) حيث كان يخرج في ظلام الليل فيصل الفقراء ببره واحسانه وهم لا يعلمون من الذي يصلهم، وكان الصرار التي يحملها اليهم تتراوح ما بين المائتي دينار الى الاربعمائة دينار، وكان يضرب المثل بصراره، فكان اهله يقولون: عجباً لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر، وقد قامت هباته السرية وصلاته الخفية باعاشة الفقراء الذين اغدق عليهم باحسانه.
وختاماً نشكركم ـ ايها الافاضل ـ على حسن المتابعة وجميل الاصغاء ونساله تعالى ان يمن علينا وعليكم وعلى جميع المسلمين بحسن العاقبة انه سميع مجيب. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******