البث المباشر

لماذا أصبحت دعم القضية الفلسطينية من المحرمات في كرة القدم؟

الأحد 20 يوليو 2025 - 15:03 بتوقيت طهران
لماذا أصبحت دعم القضية الفلسطينية من المحرمات في كرة القدم؟

قد يفرض الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والأندية عقوبات على المشجعين الذين يعلنون تضامنهم مع فلسطين، لكن هؤلاء المشجعين هم من يواصلون المقاومة ويحافظون على ضمير كرة القدم حيا.

كتبت "ليلى حامد" الصحفية وخبيرة القانون الرياضي في مقال على موقع نيوعرب: "كلما حاولت سلطات كرة القدم تجاهل فلسطين، ازداد حضورها بروزا". 

تُطلق كرة القدم على نفسها اسم "اللعبة الجميلة"، وهي لعبة تدّعي أنها عالمية وشاملة وتقدمية. وفبفضل الموهبة والجهود الدؤوبة في كرة القدم، يمكن لأطفال الأحياء الفقيرة في البرازيل أو ضواحي باريس تغيير حياتهم، بل وحياة عائلاتهم ومجتمعاتهم أيضًا.

تفخر كرة القدم، أكثر من أي رياضة أخرى، بكونها لعبة الشعب، لعبة تتجاوز الحدود الطبقية وتقدم صورة للمجتمع ككل. أحيانًا تكون مرآة، وأحيانًا تكون محرك التغيير. وأحيانًا يتحول ملعب كرة القدم إلى ساحة سياسية. ولكن عندما يتعلق الأمر بقضية تُدعى فلسطين، يصبح هذا الواقع أكثر وضوحًا. فالأندية التي تتحدث عن العدالة والمساواة تسارع إلى إسكات من يدعمون الشعوب التي تتعرض للإبادة الجماعية.

 

صمت الأندية الكبرى

في الأشهر الأخيرة، حجبت الأندية الكبرى رموزًا داعمة لفلسطين، أو التزمت الصمت في وجه صرخات الجماهير حول الجرائم الإسرائيلية في فلسطين والمنطقة.

حظر نادي توتنهام هوتسبير قبل بضعة أسابيع، ومع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على غزة، بهدوء حسابات العشرات من مشجعيه، ليس لنشرهم الكراهية أو الإهانات، بل لانتقادهم التصريحات الصريحة للاعب توتنهام الإسرائيلي مانور سولومون الداعمة للجيش الإسرائيلي. وهؤلاء مشجعون مخلصون ساندوا النادي هذا لسنوات، لكنهم هُجروا بمجرد وقوفهم إلى جانب المظلومين.

صرح توتنهام لاحقًا لوسائل الإعلام بأن الحظر جاء ردًا على منشورات تتعلق بـ"الصراع في غرب آسيا". ورغم اعتذار النادي لاحقًا، إلا أن الاعتذار كان بمثابة تحذير: "هناك عواقب لدعم القضية الفلسطينية".

بينما كان حساب مشجعي توتنهام يُغلق، واصل سولومون نشر رسائل داعمة للجيش الإسرائيلي - نفس الجيش الذي يرتكب جرائم حرب، ويدمر المستشفيات، ويتسبب في المجاعة - لكن النادي لم يتخذ أي إجراء، ولم يُجرِ أي تحقيق أو إجراء.

سبق لأعضاء فريق الإعلام الرقمي في توتنهام دعم بنيامين نتنياهو والجيش الإسرائيلي على حساباتهم الخاصة. لذا، عندما ينحاز فريق الرسائل في النادي إلى الاحتلال الإسرائيلي، فليس من المستغرب أن تُضخّم بعض الأصوات وتُسكِت أخرى.

ليس توتنهام النادي الوحيد في شمال لندن الذي يمنع الدعم العلني لفلسطين. أرسنال، وهو ناد له تاريخ من الدعم التقدمي والقوي للأقليات، أقال مدير قمصانه، "مارك بونيك"، البالغ من العمر 61 عامًا، بعد أن وصف أفعال إسرائيل في غزة بأنها "تطهير عرقي". وبعد 20 عامًا من الخدمة، رفع مارك دعوى قضائية ضد أرسنال بسبب الفصل غير العادل.

في غضون ذلك، نشر لاعب أرسنال، "ألكسندر زينتشينكو"، رسالة داعمة لإسرائيل في ذروة قصف غزة. وحذف المنشور لاحقًا وجعل حسابه خاصًا، لكن النادي لم يُعلّق. ومع ذلك، عندما انتشرت تغريدات قديمة لأحد مؤسسي رابطة مشجعي أرسنال المسلمين، والتي انتقد فيها إسرائيل، على نطاق واسع، خضع للتحقيق.

 

انتقاد الصهيونية = طرد من الوظيفة

يُعدّ التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين في بريطانيا أمرا خطيرا؛ لكن دعم حكومة تقصفهم ليس كذلك. قد يُفسّر هذا على أنه تهديد إجرامي، بل قد يُكلفك وظيفتك، كما حدث للأيقونة الوطنية "غاري لينيكر".

في وقت سابق من هذا الشهر، أفادت التقارير أن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) ألغت آخر مقابلة للينيكر مع محمد صلاح في برنامج "مباراة اليوم"، خوفًا من أن يُشير إلى غزة.و بعد ذلك بوقت قصير، غادر لينيكر (BBC) بتهمة "انتهاك سياسات وسائل التواصل الاجتماعي" وانتقاده للصهيونية.

كان برنامج لينيكر بالنسبة للكثيرين ملاذًا يُسلّط الضوء على معاناة الفلسطينيين. أثار إغلاقه تساؤلًا: "إذا كان من الممكن تهميش حتى شخص بمكانة لينيكر لمجرد التحدث علنًا، فما هو الأمل الذي يحمله المشجع العادي الذي يرتدي عمامة فلسطينية؟".

قُتل أكثر من 375 لاعب كرة قدم فلسطيني في غزة منذ أكتوبر 2023، وفقًا للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. وتجاوز إجمالي عدد الرياضيين القتلى 700. قُصفت جميع الملاعب. دُفنت الفرق الشبابية والوطنية، مع أحلامها، تحت الأنقاض.

هناك من بين المصابين مشجع كرة قدم شاب ومشجع لفريق ليفربول، فقد ساقيه بعد غارة جوية إسرائيلية على حيه. كان يحلم يومًا ما بالسير على خطى محمد صلاح، لكنه الآن يواجه مستقبلًا يرسمه البتر. لم يقم "فيفا" بتكريمه، ولم يُطلق أي حملة، ولا حتى دقيقة صمت. لا شارات، ولا لفتة تذكارية. مجرد صمت بارد ومستمر.

يتساءل المشجعون الآن: هل صمت "فيفا" متعمد؟ وعشية كأس العالم للأندية 2025، ظهر اللاعب المصري "حسين الشحات" مرتديًا شارة "فلسطين حرة"، لكن الصور حُذفت بسرعة.

لم يكن هذا صدفة. ازدادت المخاوف عندما روّجت امرأة، تدّعي أنها مديرة حسابات "فيفا" على مواقع التواصل الاجتماعي، لإسرائيل على حسابها الشخصي، في ذروة جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة. لم يُقدم "فيفا" أي تفسير ويبدو أن حذف تصوير شارة القيادة عن الشحات ليس إهمالاً، بل سياسةً متبعة.

 

 

حملة كاذبة

من المثير للاهتمام أن هذه المرأة هي من أحد مؤسسي حركة «Her Game Too» "لعبت هي أيضًا"، وهي حملة تدّعي أنها عالمية في كرة القدم، ولكن عندما طرح المشجعون سؤالًا عنها، قامت الحملة بحظرهم على تويتر بدلًا من الرد عليهم. ويبدو أن الصمت قد ترسخ ليس فقط في الأندية والاتحادات، بل أيضًا في الحملات المطالبة بالعدالة نفسها.

لكننا نحن المشجعون لسنا صامتين. من الأعلام الفلسطينية في كأس العالم للأندية إلى الملاعب الإسبانية مثل رايو فاليكانو وإشبيلية، يُظهر الناس العاديون معنى التضامن الحقيقي. كلما حاولت سلطات كرة القدم محو فلسطين، ازداد حضورها بروزًا.

هذا الأسبوع، قتلت القوات الإسرائيلية زوجة "عبد الله شقفة"، حارس مرمى المنتخب الفلسطيني السابق، في هجوم على المواصي، وهي منطقة لجأ إليها اللاجئون. لم تكن هناك أهداف عسكرية هناك، مجرد خيام للمشردين. لم يكن مقتلها عرضيًا؛ بل هو جزء من حملة ممنهجة لإبادة الفلسطينيين، وسيتجاهل عالم كرة القدم مقتلها مثل كثيرين غيرها.

لو وقعت هذه المأساة على عائلة لاعب من بلد آخر، لثار العالم الرياضي بأكمله. لتوقفت البرامج، ولأشاد النقاد، ولأصدرت الأندية بيانات. لا يمكن لرياضة تدّعي العدالة أن تصمت أمام مأساة كهذه. هذه ليست مآسي فردية، بل هي تدمير للمستقبل، وانهيار لمجتمعات، وزوال لأمة.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة