موضوع البرنامج:
فاطمة في معركة أحد
السلام عليكم أحبتنا محبي صفية الله الزهراء عليها السلام.
ها نحن نلتقيكم على بركة الله لنروي مشهداً آخر من سيرة سيدة نساء العالمين.
لكي نستلهم منه عبر ودروس الحياة الطيبة.
ننقلكم أيها الأعزاء الى مشهد شهدته المدينة المنورة وجبل أحد في منتصف شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة.
زيد بن حارثة: أوصيك بأسامة خيراً وأوصيك بنفسك أكثر يا أم أيمن.
أم أيمن: إذهب على بركة الله يا زيد، لن أفتر عن الدعاء لكم وأن ينزل الله نصره على رسوله.
زيد: سيكون إن شاء الله نصراً عزيزاً وفتحاً مبيناً.
أم أيمن: أرجو ذلك، أرجو ذلك...
زيد: مالي أراك مهمومة لخروجي للقتال هذه المرة يا أم أيمن؟ لقد ألفتك مستبشرة في العام الماضي يوم خرجنا لغزوة بدر.
أم أيمن: لا أدري ما أقول يا زيد، لقد تركت فاطمة وهي متخوفة على رسول الله من هذه الوجهة... كأنها تخشى أن يصيبه مكروه وفاطمة تنظر بنور الله يا زيد.
زيد: لعلها قد آذاها عدم أخذ المسلمين بما مال إليه رسول الله من البقاء في المدينة ومحاربة جيش المشركين في مداخل سككها.
أم أيمن: وهل هذا قليل يا زيد، قد علمت أن المسلمين بخير والله معهم ماداموا في طاعة رسوله.
زيد: صدقت يا أم أيمن، ولكن رسول الله قد تدارك الأمر وأمر خمسين من الرماة بالمرابطة على باب شعب احد لكي يحموا ظهر المسلمين فلا يغدر بنا المشركون وقال لهم:
لا تبرحوا من مكانكم هذا وإن قتلنا عن آخرنا فإنما نؤتى من موضعكم هذا، اتقوا الله واصبروا، إن رأيتمونا قد هزمنا المشركين حتى أدخلناهم مكة فلا تخرجوا من هذا الموضع، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة وأخذت الطير تخطفنا فلا تبرحوا مكانكم وألزموا مراكزكم حتى أرسل إليكم.
أم أيمن: نعم الرأي هذا وقد علمت به حبيبتي فاطمة ولكنها تخشى من أن لا يلتزم الرماة بقول رسول الله فيغدر بهم المشركون.
زيد: لا أدري والله ما أقول يا أم أيمن وقد ظهرت بوادر مخالفة رسول الله بين المسلمين.. أخشى من أن يتجرأوا عليها ثانية.
أم أيمن: قد علمت يا زيد بأن طواغيت قريش قد جاؤوا بثلاثة آلاف واصطحب صناديدهم نساءهم معهم لكي لا ينهزموا.. فلا نصر للمسلمين إلا بطاعة رسول الله.
زيد: الحق معك يا أم أيمن.. أعاننا الله على هذا البلاء، أستودعك الله يا بركة وأوصيك بفاطمة خيراً.
وخرج المسلمون مع رسول الله إلى احد وهم ألف، ثم تخلف منهم قبل الوصول إلى احد ثلاثمائة من المنافقين يرأسهم عبد الله بن أبي بن سلول ورجعوا الى المدينة.
كان ذلك يوم الجمعة الرابع عشر من شهر شوال، وكانت الواقعة يوم النصف منه من السنة الثالثة للهجرة.
ومع رجوع المنافقين وتخلفهم عن القتال وهم ثلث جيش المسلمين، توجس أهل المدينة السوء، فعبأت فاطمة جمعاً من نساء المسلمين للخروج إلى احد لمداواة الجرحى.
أم أيمن: يا أم سليم.. هلمي يا أم سليم.. هلمي للخروج معنا.
أم سليم: إلى أين يا أم أيمن؟
أم أيمن: إلى أحد، ألم تستجيبي لدعوة فاطمة لمداواة الجرحى؟
أم سليم: بلى يا أم أيمن، وقد أعددت الطعام والماء لحمله الى الجرحى.
أم أيمن: إذن ما هذا التباطؤ والتردد أسرعي يا أمة الله.
أم سليم: ما هو تباطؤ ولا تردد يا أم أيمن، إنما أفكر في سبيل لإقناع فاطمة بالمكوث في المدينة فهي مرضع وحديثة الولادة، إن ولدها الحسن قد أتم اليوم شهراً واحداً فقط من عمره، فكيف تأتي معنا إلى ميدان القتال.
أم أيمن: لافائدة مما تحاولين يا أم سليم، قد سعيت لإقناعها بكل وسيلة فما أفلحت.
أم سليم: نحن نكفيها والله هذه المهمة، قولي لها ذلك.
أم أيمن: قد قلت مثل ذلك وأكثر منه، فما زادها إلا إصراراً.
أم سليم: وماذا ستفعل برضيعها؟
أم أيمن: لقد تركته عند أم سلمة وحملت قربة ماء وجراباً فيه الطعام وها هي تتقدمنا نحو احد أسرعي للحاق بها يا أم سليم، هلمي رحمك الله.
وخرجت، سلام الله عليها، في أربع عشرة امرأة من نساء المسلمين نحو احد، وقد أشيع، وهن في الطريق، أن رسول الله قد قتل.
أم سليم: الويل لي والثبور، أقتل رسول الله؟ قتل رسول الله...
فقالت فاطمة –عليها السلام-: لا والله ما قتل أبي حتى ينصره الله نصراً عزيزاً ويفتح له فتحاً مبيناً.. هذا صوت ابليس.. ما قتل رسول الله، إنما هي جراحات أصابته وسيشفيه الله منها.
ووصل ركب فاطمة إلى ساحة القتال وهرعن إلى الجرحى يداوينهم، يضمدن جروحهم ويسقينهم الماء.
ووافت فاطمة رسول الله وهي تعدو إليه على قدميها ولحقتها عمته صفية بنت عبد المطلب، فقال رسول الله لعلي.
يا علي، أما عمتي فاحبسها عني الآن، وأما فاطمة فدعها.
وكان علي –عليه السلام- قد أخذ رسول الله وقد اشتدت جراحاته إلى غار جبل احد وأجلسه على صخرة فيه.
فلما دنت فاطمة من رسول الله ورأته قد شج في وجهه وأدمي ثغره الشريف إدماءً، جعلت تمسح الدم وتقول:
إشتد غضب الله على من أدمى وجه رسول الله.
وقعدت –عليها السلام- بين يدي رسول الله تواسيه وتخفف عنه وهي تضمد جروحه –صلى الله عليه وآله-.
أم سليم: الى أين يذهب علي بالماء يا أم أيمن؟
أم أيمن: لقد أخذه من المهراس وجعله في ترسه لكي يحمله الى فاطمة فتغسل وجه أبيها من الدم.
أم سليم: لقد صدق قول فاطمة إذ قالت ان جراحات قد أصابت أبيها سيشفيه الله منها ويصدق قولها في شطره الثاني أيضاً.
وأخذت فاطمة تغسل جراحات رسول الله وعلي يصب الماء عليها، فلما رأت أن الدم لاينقطع، أخذت قطعة صوف كانت قد غزلتها وحاكتها بيدها، فأحرقتها حتى صارت رماداً ثم ألصقته بالجرح فانقطع الدم.
فقال رسول الله (ص): والله لن ينالوا منا مثل هذه الجراحات حتى تستلموا الركن والحجر الأسود.