لا نزال نحدثك عن الزيارة الجامعة للائمة عليهم السلام، ونعني بها ما يُطلق عليها اسم (الجامعة الكبيرة) وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه: (إن ذُكِر الخير كنتم اولّه وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه).
ان هذا المقطع يتضمن جملة نكات: يحسن منا ملاحظتها بدقة، لانها تحوم على ستة موضوعات او ست ظواهر منصبة على محور واحد هو: صلة الائمة عليهم السلام بظاهرة (الخير) ومدى تواشبها مع الائمة عليهم السلام، حيث لاحظنا ان النص يقرر بان الائمة عليهم السلام من حيث صلتهم بالخير هي انهم عليهم السلام: اول الخير واصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه والسؤال المهم هو: ماذا تعني كل واحدة من الظواهر المتقدمة؟
*******
هذا ما سنوضحه بعون الله في هذه الحلقة ولكن بعد ان نستمع معاً الى ما يقوله ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي بشأن علاقة اهل البيت عليهم السلام بظاهرة الخير في عالم الوجود، مع الاتصال الهاتفي التالي الذي اجراه زميلنا:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله الهداة الى الله، اهلاً بكم احباءنا في هذه الفقرة من برنامج امناء الرحمان ومعنا مشكوراً على خط الهاتف خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ سؤالنا في هذه الحلقة عن العلاقة بين ائمة الهدى سلام الله عليهم العترة النبوية الطاهرة وبين ظاهرة الخير في عالم الوجود ما هي طبيعة هذه العلاقة؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، بلا شك ان اصل الوجود انه خير وعلى هذا الاساس الروايات والنصوص تقول انه لو لا محمد واهل بيته لما خلق الله الوجود والكائنات، فمن هنا ان ذكر الخير كنتم اوله، وفي رواية عن الامام الصادق عليه السلام توضح هذا المعنى بشكل واضح وجلي قال: نحن اصل كل بر ومن فروعنا كل بر ومن البر التوحيد والصلاة والصيام وكظم الغيظ والعفو عن المسيء ورحمة الفقير وتعاهد الجار والاقرار بالفضل واهله، ثم قال: وعدونا اصل كل شر ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة وهم الكذب والنميمة والبخل والقطيعة واكل الربا وأكل مال اليتيم بغير حق وتعدي الحدود التي امر الله عز وجل بها وركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الزنا والسرقة وكل ما ذكر من القبيح والكذب فهو متعلق بفروع غيرنا، وهذه الرواية صريحة في اشارة انهم هم اصل الخير والخير في عالم التكوين اذ تمثل بشكل واضح وجلي وبصورة حسنة في محمد صلى الله عليه وآله واهل بيته الاطهار، وهناك خبر ثاني عن الامام الصادق عليه السلام قال: نحن اصل الخير وفروعه طاعة الله وعدونا اصل الشر وفروعه معصية الله، بالشكل العام وهناك تأويلات اخرى لقضية الخير غير قضية الوجود، الذي هو اصل الوجود الله عز وجل خلق ببركة اهل البيت عليهم السلام، يا احمد لولاك لما خلقت الافلاك، بلا شك اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر رواية عن الرسول، الرسول يحدث جابر من اصحابه وانصاره: اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر وخلق منه كل خير، فاذن اصل الخير هم من اشعة وجودهم ووجود اهل البيت عليهم السلام، ومن هنا اشارت بعض الروايات وبعض النصوص، بنا ترزقون وبنا تمطرون وبنا ينزل الغيث اشارة الى الرحمة التي افاضها الله عز وجل على الوجود ببركتهم، ولعل رواية الامام الباقر تؤكد ذلك، قال ابو جعفر عليه السلام: نحن الذين بنا تنزل الرحمة وبنا تلقون الغيث ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب فمن عرفنا ونصرنا وعرف حقنا وأخذ بامرنا فهو منا والينا، وعليه ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه، كل ما يتعلق بالخير معدنه واصله هم اهل البيت عليهم السلام هم اوله وهم آخره صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.
المحاور: سماحة الشيخ الخير بدأً واستمراراً منهم، انتم اشرتم الى مبدأيتهم للخير واستمرار الخير؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم حتى استمرار الخير في كل زمان لا يخلي الله عز وجل من الحجة من الامام والله عز وجل يفيض النعم على الكائنات باسباب وعمدة الاسباب هو وجود الامام منه تصدر الى الخلائق.
المحاور: شكراً جزيلاً سماحة الشيخ باقر الصادقي، وشكراً لاحباءنا وهم يتابعون ما تبقى من هذه الحلقة من شرح الزيارة الجامعة في برنامج امناء الرحمان.
*******
قبل ان نحدثك عن ظواهر الخير وصلتها بالائمة عليهم السلام، ينبغي ان نعرض لمفهوم (الخير) ذاته فماذا نستلهم من العبارة المذكورة؟
(الخير) هو: كل ما هو ايجابي من الظواهر، حيث تندرج ضمن كلمة (الخير) جميع المفردات الايجابية التي يمكن تصورها ان الايمان والطاعة والرحمة والجود والمرؤة والاحسان والعفو و...: كلها مفردات تندرج ضمن كلمة (الخير) وبالنسبة الى الانسان فان المفردات المذكورة تكسب الشخصية درجةً تتضخم وتتضاءل بقدر حجم الخير، اي: قد تكون الشخصية تحمل ۱۰ او ۲۰ او ۳۰ او ٥۰ او ٦۰... من درجات الخير، ولكن الخير كله اي في درجته (۱۰۰) لا تتوفر الا عند من (عصمه) الله تعالى، وهذا يتجسد في الاربعة عشر معصوماً بخاصة من هنا، فان الائمة عليهم السلام ما داموا (معصومين) فان درجة الخير لديهم تبلغ تمامها وهي (۱۰۰)، من هنا ايضاً يمكننا ان نتبين دلالة ما ورد في الدعاء من ظواهر عدّدها الدعاء، متمثلة في ان الائمة عليهم السلام هم: اول الخير، واصله، وفرعه، ومعدنه، وماواه، و منتهاه، لذلك، يجدر بنا ان نلاحظ ما تعنيه هذه الظواهر؟
ان الظاهرة الاولى من قائمة مفردات الخير او مصادره بالاحرى، هي: ان الائمة عليهم السلام هم (اوّل) الخير، وهم اصله ثانياً، والسؤال هو: ماذا نستخلص من الدلالة عندما نقول بان الائمة عليهم السلام هم (اول) الخير؟
الجواب: بما ان الخير يتضمن عشرات المصاديق - كما أشرنا - فهذا يعني: ان ايّة مفردة من الخير تنسحب على الائمة عليهم السلام: انما تتمثل في سلوك الائمة عليهم السلام فأذا ذ ُكِرت (الرحمة) مثلاً، فهم عليهم السلام: التجسيد الاوّلي لها وهكذا بالنسبة الى سائر مفردات الخير.
واما الظاهرة الثانية من قائمة (الخير) فهي: انهم عليهم السلام (اصل) الخير... والسؤال الجديد هو: ماذا نستخلص بدورنا من عبارة انهم عليهم السلام (اصل) الخير؟
الجواب هو: اذا كان (الخير) يتجسد في مفردات متنوعة، او كان الخير متجسداً في شخصيات خاصة، فأن الائمة عليهم السلام هم (الاصل) للخير المشار اليه،... اي: ان سلوكهم العبادي المرضي عند الله تعالى يجسد (الاصل) بحيث تتفرع المفردات او الشخصيات الخيرة من (الاصل) المذكور، اي: ان الائمة عليهم السلام هم: النموذج لمصاديق الخير، بحيث يجسدون (الاصل) له والباقي يجسدون التفريعات عنه وهذا فيما يتصل بانهم عليهم السلام (اصل) الخير،.. ولكن ماذا بالنسبة الى انهم يجسدون (فرع) الخير؟ اي: كيف نجمع بين كونهم (اصلاً) وبيد كونهم (فرعاً)؟
عندما نقول بان الامام(ع) هو (فرع) الخير، فهذا يعني: ان الخير اذا كان (ظاهرة) تبحث عن المجسد لها، او المتفرع من شجرتها، فان الائمة عليهم السلام هم (الفرع) المذكور، بمعنى انهم يتفرعون من شجرة الخير، وان الباقي يغيدون من الفرع المشار اليه: يستضلون به، ويُطعمون من ثمراته، ويعيشون من معطياته.
بعد ذلك نواجه ثلاث مظاهر من الخير: هي ان الائمة عليهم السلام هم (معدن) الخير (ومأواه) و (منتهاه).
وهذه الثلاث ظواهر تحتاج الى تفصيل لدلالاتها، (وهذا ما نؤجل الحديث عنه الى لقاء لاحق ان شاء الله تعالى).
ختاماً نسأله تعالى ان يجعلنا مفيدين من الائمة عليهم السلام في خيراتهم، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******